1265019
1265019
إشراقات

الخوالدي: «عيادة المريض» شرعت لزيادة الترابط والتعاضد والتعاون بين المجتمع الواحد

11 يوليو 2019
11 يوليو 2019

من آدابها النية الصالحة والسؤال عن حاله وملاطفته وعدم الاستفصال وتخيّر الوقت المناسب للزيارة -

مواساة ومراعاة وجبر وتخفيف عن وطأة معاناة إنسان وحق من حقوق المسلم -

كتب: سيف بن سالم الفضيلي -

أكد فضيلة الشيخ الداعية خالد بن سالم الخوالدي عضو هيئة التدريس بكلية العلوم الشرعية أن «عيادة المريض» شرعت لزيادة الترابط والتعاضد والتعاون بين المجتمع الواحد.

وأوضح أن عيادة المريض من أهل العلم من قال بوجوبها ومنهم من قال بأنها من السنن المؤكدة ومهما يكن فإنها من حقوق المسلم على أخيه المسلم. وقال فضيلته في الجزء الأول من محاضرته المعنونة (وللمريض حق) أن هناك آدابا للزيارة ومن آدابها النية الصالحة والسؤال عن حاله وملاطفته وعدم الاستفصال وتخيّر الوقت المناسب للزيارة.. وإلى ما جاء فيها.

شرع فضيلته بالحديث أن حقوق المريض عديدة وسنتكلم في هذه المحاضرة عن حق من حقوقه التي نمارسها جميعا ونقوم بها جميعا إذا ما حل المرض بأخ لنا في الله وهي (عيادة المريض) وذلك للعود الذي يحصل من الناس فيها أي انهم يعيدونها ويكررونها مرة بعد مرة فسميت عيادة لأجل هذه الإعادة كما يسمى العيد عيدا لأنه يعود على الناس في كل عام، في الوقت المشروع له، وهكذا سميت عيادة المريض بهذا الاسم لأجل أن الناس يعيدون هذه الزيارة مرة تلو مرة.

وقال: لا بد أن نفهم بأن الإسلام في شرعه جاء بشرعة سمحة تقوم على تأسيس المجتمع الواحد المترابط المتعاضد المتعاون فنجد بأن شرعة الإسلام تجنح دائما إلى الأمور الجامعة للناس وليست إلى الأمور الفردية فنجد بأن الشرع شرع للناس التواصل فيما بينهم وشرع للناس العيادة للمريض والإعانة للمحتاج والوقوف في جانب الشخص الملهوف وإغاثة الملهوف وإجابة المضطر إلى غير ذلك من الأمور التي تشعرك بترابط هذا المجتمع الدين لا يريد منا أن نكون متفرقين أو أن نعيش أشخاصا فرديين ويعيش الواحد منا لنفسه وبنفسه ولا يشعر بالآخر، قال النبي صلى الله عليه وسلم (مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر). كيف نفهم هذا الحديث إنما نفهمه من خلال ما شرعه الإسلام لنا من أحكام وآداب وحقوق نسعى من خلالها لأجل إظهار هذا الجانب من الترابط لذلك نجد مشروعية عيادة المريض لان المرض هو حال من الضعف والنقص في القوة والصحة فاستدعى هذا النقص شيئا من الجبر من قبل الناس والمراعاة.

فشرعت عيادة المريض وكذلك مثلا الإصابة بالحزن أو فقد العزيز هي حالة من النقص تصيب الإنسان، وهذا مؤثر في نفسه ولذلك شرع الإسلام التعزية للمصاب وشرع الاتباع للجنائز كلها هذا لأجل أن يشعر الناس بالالتفاف حول بعضهم والترابط والتآزر والتعاون والتعاضد وهذا جانب شرعه الدين وأمر به وجعله من شرائعه القارة التي على الناس أن يحافظوا عليه، هذه هي نظرة الدين، نظرة المواساة والمراعاة لكل شخص عنده نقص في جانب من الجوانب فيسعى إخوانه لجبر هذا النقص ولسد هذا الخلل وللتخفيف عن وطأة هذا الأمر الذي أصابه.

عيادة المريض من أهل العلم من قال بوجوبها ومنهم من قال بأنها من السنن المؤكدة ومهما يكن فإنها من حقوق المسلم على أخيه المسلم فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (حق المسلم على المسلم خمس، عيادة المريض، وإجابة الدعوة، ورد السلام، وتشميت العاطس، واتباع الجنائز) هذه حقوق للمسلم على أخيه المسلم، وورد في رواية أخرى (حق المسلم على المسلم ست، أن يسلم عليه إذا لقيه وأن يتبع جنازته إذا ما مات، وأن يجيب دعوته إذا دعاه، وأن يشمته إذا عطس، وأن ينصحه إذا استنصحه)، هذه كلها من حقوق المسلم على المسلم.

أجرها عظيم

ويشير إلى أن عيادة المريض فيها أجر عظيم فرسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر في ذكر الحديث القدسي أن رب العزة جل وعلا يخاطب ابن آدم فيقول يا ابن آدم مرضت فلم تعدني، فاقل: يا رب، وكيف أعودك وأنت رب السموات والأرض، فقال: ألم تعلم بأن عبدي فلانا قد مرض فلم تعده، أما انك لو عدته لوجدتني عنده، والمعنى أن عائد المريض يحظى بمعية الله، وفي لطف الله وتسديده وتوفيقه فإنه يجد هذه الأمور إذا ما ذهب لتأدية هذا الحق، هذه فضيلة من فضائل عيادة المريض.

بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم من عاد مريضا أو زار أخا له في الله ناداه مناد أن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلا). هذا فضل عيادة المريض.

وورد عنه صلى الله عليه وسلم أيضا أن قال: (إذا عاد المسلم أخاه المسلم لم يزل في خرفة من الجنة حتى يرجع) أي لم يزل في بستان مثمر بأطيب الثمار من الجنة حتى يرجع من زيارته.

والمعنى انه يجتني من الفضل والأجر والخير والبركة وألطاف الله تعالى كما يجتني ذلك المؤمن الذي يكون في بستان له من الجنة يتناول فيه من أطايب الثمر ما شاء فهذا كذلك يجتني من الخيرات شيئا عظيما. هذا كله يحققه الشخص العائد للمريض.

إذا عيادة المريض هي أمر مشروع وهو حق من حقوق المسلم على أخيه والمسلم بذلك ينال أجورا عظيمة عند الله هذا الأمر لا بد من فقهه ونعرفه قبل أن نتكلم عما ينبغي أن يتأدب به الإنسان في هذه الزيارة للمريض.

طلب الأجر

يشير فضيلته إلى أن هناك آداب يحتاج الإنسان إلى التأدب بها والمحافظة عليها عندما يعود مريض، أولها النية الصالحة، وهذا أصل لا بد أن يحرص الإنسان عليه في كل عمل من الأعمال وكل قول من الأقوال فإنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى كما قال صلى الله عليه وسلم فالنية لا بد أن تكون صالحة وطيبة حتى يجتني الإنسان الأجور والبركات المترتبة على هذا العمل الصالح. فتكون نيته بذلك طلب الأجر والمثوبة من الله تعالى.

وتكون نيته بذلك إظهار الترابط والتآزر والتعاضد والتراحم والتآخي والتواد بينه وبين أخيه لان هذا أمر مشروع ويكون من نيته في ذلك تحقيق أو التخفيف عن المريض وتحقيق الجبر لخاطره ومراعاة له وهذا أمر معهود فالأصل أن هذا الأمر مشروع لأجل تحقيق التخفيف عن المريض.

ومن ذلك أيضا فائدة تعود عليه هو بنفسه فإن الإنسان ينوي الاتعاظ والاعتبار فكم من شخص صحيح لا يقد النعمة التي يتنعم هو بها إلا حينما يرى الشخص الفاقد لهذه النعمة قد يكون بصيرا يرى كل شيء على أحسن ما يكون فإذا ما زار عليل البصر أدرك بأنه في نعمة عندما يذكر له الشخص عليل البصر أدرك بأنه في نعمة لما يذكر له الشخص عليل البصر مقدار المعانة التي يدجها حينما ضعف بصره يستشعر هو عظيم النعمة التي يتنعم بها.

قد يكون الشخص صحيح البدن لا يشتكي من شيء فيزور مريضا طريح الفراش في غيبوبة لا يتحرك جسمه ولا ينطق لسانه ولا تنظر عينه.. تحت الأجهزة، وانت بخير ونعمة وفضل تسير وتسرح وتمرح وتلعب وتركض وتعمل في بحار من نعمة الله، فتستشعر عندئذ فضل الله تعالى عليك، لما ينظر الإنسان إلى الشخص الفاقد للنعمة يستشعر مقدار نعمة الله تعالى عليه، فهذا أيضا نية حسنة أن الواحد يتعظ بنفسه ويعتبر لان هذه الأحوال كلها تذكر الإنسان وهذا له نظائر في الشرع فرسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس مثلا بزيارة القبور وقال: فإنها تذكر بالآخرة، أمرهم أن يزورا القبور لأجل أن يتعظ الإنسان بمآله ومصيره الذي سوف ينقلب إليه.

فهذه نيات حسنة لا بد أن يحرص الواحد منا على استحضارها حينما يذهب لعيادة المريض.

ومما يتصل بهذا لأمر ما يقع فيه بعض الناس من الخطأ فيما يتعلق بمكافأة المريض بالمريض فيقول أنا أزوره لأجل أن يزورني إذا مرضت أو أزوره لأجل انه قد زارني حينما مرضت، الأصل ألا يبذل الانسان او لا يقوم الإنسان بهذا الحق مكافأة لغيره بل يقوم به احتسابا فأنت مطالب بهذا الحق لا تكافئ به أحدا وإنما تطلب به مرضاة الله جل وعلا.

نعم أن تستشعر ما ينبغي أن يكون من قبلك من مواساة لهذا الشخص ومراعاة له فهذه نية مشروعة لا إشكال فيها لكن أن يجعل الإنسان إحسان الناس سببا لإحسانه أو إساءة الناس سببا لإساءته فيقول مرضت فلم يزرني فكيف أزوره.

مطلوب من المسلم أن يزور وحق عليك وقد قيل بوجوب ذلك عليك أو هو مسنون مشروع اقل ما في الأمر، فعلى الإنسان أن يفعل ذلك تعبدا لا يفعله مكافأة.

أوقات معينة

الأدب الثاني: تخير الوقت المناسب للزيارة السنة لم يرد فيها تحديد وقت معين لزيارة المريض وانما من هديه صلى الله عليه وسلم انه يزور المرضى في أوقات متعددة قد يزورهم في الليل او في النهار على حسب ما تقتضيه الظروف والأحوال.

فمرجع هذه الأمور إلى ما تقرره عادة الناس أو أعرافهم وما تقرره المصالح والأحوال التي تتعلق بالمريض وهكذا أيضا تتعلق بزائر المريض.

فقد يكون في العرف مثلا أن لا يزار المريض في فترة ما بعد صلاة الظهر، أو لا يزار المريض بعد صلاة العشاء في وقت متأخر.

قد تكون مصلحة المريض أن يزار في وقت معين، قد يسمح أهله مثلا للزيارة لمن أراد أن يزور في وقت معين فقط، مثل ما هو حاصل في المستشفيات مثلا تحدد ساعتان في اليوم للزيارة يلتزم الناس بها، أو يحدد أهل المريض وقتا معينا للزيارة يكون فيها مسموحا للزيارة، او قد تكون ظروف المريض وفي أعراف الناس أن الزيارة لا ينبغي أن تكون مبكرة عليه مثل المرضى أصحاب العاهات على سبيل المثال الذين لا يستطيعون معاناة انفسهم ولا يستطيعون القيام بشؤونهم هؤلاء لا ينبغي للإنسان أن يزورهم مبكرا، لان هذا المريض يحتاج إلى تنظيف وترتيب إلى غير ذلك وعادة أم مثل هذه الأمور لا يقومون بها في فترة الصباح الباكر.

على الزائر للمريض يسأل أهل هذا المريض عن مناسبة الوقت للزيارة فيذهب اليهم في الوقت المناسب للزيارة.

هذا فيه مصلحة للمريض وفيه مصلحة أهل المريض، فتحديد الأوقات فيه نفع للمريض وفيه رفع للحرج عن المريض.

وعن تكرار الزيارة، لم يرد في السنة المنع عن تكرار الزيارة فإذا كان المرض قد طال مثلا فيمكن أن تكرر الزيارة إذا كانت حاجة المريض داعية لتكرار الزيارة فيمكن أن يكرر الإنسان أيضا ولكن كل ذلك من غير إثقال.

الأدب الثالث (السؤال عن حاله وملاطفته) هذا من الأمور المسنونة التي على الناس ان يحافظوا عليها عند زيارة المريض، أن يسأل عن حاله وان يتلطف له بالكلام، رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما كان يزور مريضا يقول له: (كيف تجدك؟)، يعني كيف ترى نفسك اليوم ويقول له: (لا بأس عليك، طهور إن شاء الله) هذا من التلطف بالمريض.

الإنسان لما يذهب لعيادة مريض لا يمكن أن يكون المريض ساكت من جانب والزائر ساكت من جانب فأنت زرته للتخفيف عليه فافعل من الكلام ما يحقق هذا التخفيف، بالسؤال عن حاله.

والسؤال يكون في عدة أمور يجب تجنبها، يجب ترك مسألة الاستفصال في السؤال انت حينما تزور هذا المريض في الحقيقة لا تفتح معه جلسة تحقيق وإنما تسأله لأجل تحقيق التخفيف له فمن الناس من يحب الاستفصال من قبيل (منذ متى أنت مريض؟، وما هو بالضبط الذي تعاني منه.. وغير ذلك) يبحث عن كل صغير وكبير فيما يتعلق بمرضه، وقد يحتاج إلى إن يطلبه منه أن يريه مكان عمليته، هذا من الثقل الذي هو بعيد تمام البعد عن التخفيف.