أفكار وآراء

المؤشرات الإحصائية.. محاور أساسية لـ «استراتيجيات التنمية»

07 يوليو 2019
07 يوليو 2019

أحمد بن سالم الفلاحي -

لقد كشفت بيانات (المسح الوطني الصحي للأمراض غير المعدية وعوامل خطورتها) الذي قامت به وزارة الصحة وشملت أكثر من (9000) شخص أن نسب المصابين بالسمنة تجاوزت (66%) بالإضافة إلى ارتفاع نسبة المصابين بالسكري خلال عشر سنوات (الفترة من 2008م الى 2018م) إلى أكثر من (3%) وكما يشير المسح إلى وجود أكثر من (755) مريض سكري في السلطنة سنويا.

تعمل المؤشرات الإحصائية على رفد صناع القرار بالمعلومات والأرقام التي تعينهم على وضع البرامج، والخطط، والاستراتيجيات المتعلقة بمشروعات التنمية المختلفة، فعلى ما يتحصلون عليه من معلومات، يمكن تبني الرؤى الاستشرافية للمستقبل، حيث لا مخرج من ضرورة توفر هذه المؤشرات قبل البدء بوضع أية برامج وخطط واستراتيجيات لمختلف مشروعات التنمية، فالواقع اليوم، يستلزم مثل هذا الإجراء الفني، فلم تعد المسألة مرتبطة بقرارات ارتجالية، حيث يسود التعقيد الفني مختلف المشروعات، بل كل أوجه الحياة، في وقت أصبحت فيه المعرفة هي الرهان المحمود للخروج من مختلف المآزق التي يتعرض لها صناع القرار في أي تجربة تنموية قائمة، وتسعى الى التطور والنمو.

ومن ذلك يمكن قراءة تسارع الدول في تنمياتها المختلفة، انعكاسا لتوظيف المعرفة الحقيقية في مختلف المجالات، حيث ترصد المؤشرات خط سير عمل التنمية قبل البدء فيها استشرافا لفترات زمنية قادمة، حيث تأتي مناخات عدد السكان، وما يتطلبه هذا العدد من خدمات مختلفة معززة ببرامج البنية الأساسية أولوية قصوى في الأخذ بحقيقة هذه المؤشرات، وما تفصحه من أرقام ومعلومات دقيقة، وسواء ذلك للفترات الزمنية طويلة الأجل، أو قصيرة الأجل، ولا خيارات أخرى يمكن أن يكون لها موطئ قدم في وضع البرامج والخطط والاستراتيجيات، يمكن أن تحل محل هذه المؤشرات، ومن ملاحظ أنه كلما تعمقت التنمية، كلما كان الاحتياج أكثر لوجود هذه المؤشرات، خاصة وأن هناك اليوم أجهزة كثيرة، وبرامج أكثر تعطي القارئ المتخصص مؤشرات دقيقة ليتم البناء عليها في رسم أجندات الخطط.

لذلك نلاحظ الاهتمام المتزايد اليوم، أكثر من أي وقت مضى من قبل الجهات المعنية بهذه المؤشرات الإحصائية، ومع بداية وضع كل خطة عمل لأية مؤسسة كان يأتي الاهتمام أولا بجس نبض المؤشرات الإحصائية قبل الشروع في أي خطوة لوضع برامج وخطط، واستراتيجيات لهذه الخدمة أو تلك، وهذا للحرص الكبير على أن تؤتي مجموعة هذه البرامج والخطط والاستراتيجيات بعوائدها التنموية الخصبة، وفي تجربتنا التنموية الخاصة هنا في السلطنة، أصبح الشباب العماني على قدر كبير من المعرفة لاستيضاح الصورة الحقيقية لهذه المؤشرات الإحصائية من ناحية، وقدرتهم على ترجمتها على أرض الواقع من ناحية أخرى، واستشراف آفاق الغد المنظور، ووضع البرامج المناسبة والكفيلة بتحقيق النجاحات ذات القيمة المضافة للتنمية من ناحية ثالثة.

خلال الأسبوع الماضي نشرت الصحف المحلية ومنها جريدة عمان خبرا عن «قيام المركز الوطني للإحصاء والمعلومات بتنظيم لقاء إعلامي للإفصاح عن تفاصيل الحملة الوطنية لتحديث «بياناتك هويتك» والذي يهدف للتعريف بدور الأفراد والمؤسسات في تحقيق أهداف المشروع، من خلال المشاركة في بناء قواعد بيانات وطنية ذات جودة عالية، تُساهم في تلبية احتياجات ومُتطلبات السلطنة من الإحصاءات الرسمية والمعلومات، وقد أكد سعادة الدكتور رئيس المركز بالقول: «ان البيانات تمثل ركيزة مهمة للتقدم والنمو لما لها وللمعلومات المرتبطة مكانيا من أهمية في عصرنا الحالي لخدمة جميع الأفراد والمؤسسات للمساهمة في الوصول إلى أفضل الخدمات» -انتهى النص- ولذلك تسعى مختلف المؤسسات إلى الاعتماد الكبير على ما تحصل عليه من بيانات ومعلومات لبناء استراتيجياتها للفترات الزمنية القادمة من عمر التنمية، فالأرقام والإحصائيات هي التي تحفز صانع القرار على تبني البرامج والخطط والاستراتيجيات التي تخرج أي تحد قائم، أو مستحدث بحكم الظروف، من عنق الزجاجة، وبغير وجود مثل هذه البيانات، يبقى الأمر خاضعا لكثير من الاجتهادات والقياسات الارتجالية لمواجهة مختلف التحديات التي تواجهها خطط التنمية إبان مسيرتها الإنمائية المتجددة، والمتنامية، قياسا لما تشهده الدول عموما من التدفقات السكانية عبر حراكها الاجتماعي المستمر.

عندما يتم طرح التساؤل: كيف يتم التوافق بين أرقام مؤشرات التنمية، والواقع الذي يعكس حقيقة هذه الأرقام؟ فإن ذلك لن يكون إلا بالعود من جديد في كل مرة إلى تجريدية الأرقام التي تحصل من خلال هذه المؤشرات، وهذا الأمر يقتضي التتبع المستمر لمؤشرات هذه الأرقام، وذلك من خلال تتبع الفترات الزمنية المستمرة، وليس فقط، من حيث الحاجة إلى استيضاح الرؤية لحقيقة الواقع، فبقدر ما يفرض الواقع تحديات جديدة، لتجدد الظروف: الاجتماعية، والاقتصادية، السياسية، والثقافية، فإن ذلك يفرض على صانع القرار أن يكون مواكبا لعوامل المعرفة لمواجهة مختلف التقلبات الظرفية لهذه المناخات كلها بلا استثناء، ولا يجوز؛ منطقيا؛ وفق هذه الرؤية الإحصائية القائمة اليوم على تتبع كل مناخات الحياة أن يتبنى أي صانع قرار برامج وخطط واستراتيجيات دون الاعتماد على أرقام محددة وواضحة، تعكس الواقع الحقيقي للتنمية في مرحلة ظرفها الزمني الحاضر، لتكون الرؤية أكثر وضوحا لواقع تنموي مستقبلا، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه المؤشرات الإحصائية تحتاج إلى فترات زمنية لاختبار درجة الصدق عند تنفيذها، وهذا؛ ربما؛ من شأنه أن يوجد نوعا من التساؤل عند المراقب الدقيق، عند فشل بعض البرامج والخطط التنموية، وهذا أمر متوقع انعكاسا للظروف التي تستجد على الحاضر المعاش، والتي تغير من توازنات الأرقام المرصودة، ولكن هذا الأمر لا يجب أن توضع له اعتبارات كبيرة تربك صانع التنمية عن المضي قدما نحو تنفيذ مجموعة البرامج والخطط والاستراتيجيات، لمحدوديات التغير الطارئة عادة.

وهذا بدوره يعطي صاحب القرار المكانة المعرفية بالواقع؛ من ناحية، وتساعده؛ من ناحية أخرى على إقناع المتلقي بوجاهة مختلف البرامج والخطط، والقرارات المصاحبة، واستحداث القوانين والأنظمة، إما للإسراع في وتيرة التنمية، وإما لإعادة هيكلة المؤسسات التنموية، وإما لإحداث تنقلات في المناصب الإدارية، وذلك كله للذهاب الى الصالح العام، وهو إيجاد تنمية مستدامة في مختلف مجالات الحياة قادرة على تجاوز كل الصعوبات، والإخفاقات التي تتعرض لها، ومتوافقة أيضا مع مجموعة الإمكانيات المادية، وما يتوفر من قوى بشرية قادرة على صناعة تنمية تخاطب روح العصر، وصولا إلى تحقيق حياة آمنة مستقرة للسكان في أي بلد يسعى إلى الرخاء والازدهار، مع الأخذ في الاعتبار أن تحقيق هذا الأمر؛ في ظل وجود مؤشرات إحصائية؛ ليس باليسير، فبالإضافة الى ضرورة وجود مؤسسات متخصصة، كما هو الحال في السلطنة، والمتمثلة في وجود المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، فإن ذلك يتطلب أيضا وجود مستويات فكرية معينة من القوى البشرية المتخصصة في مختلف مجالات التنمية، تكون قادرة؛ بحكم التخصص والخبرة؛ على العمل في إعداد هذه المؤشرات لتكون على مستوى كبير من الموضوعية والحيادية، بالإضافة أيضا على قدرتها على قراءة الواقع قراءة موضوعية حيادية تتجاوز الخاص، وتسعى إلى تعزيز الرؤية المستقبلية التي تتبناها الدولة ككل، واستيعابها وهضم متطلباتها الحاضرة والمستقبلية، وهنا تجدر الإشادة بالمركز الوطني للإحصاء والمعلومات على الجهود القيمة التي يقوم بها في هذا الجانب، وما يرفده من معلومات قيمة، وينشرها بصورة مستمرة للجمهور العام، وما تخصيص رقم لخدمة «الواتساب» لمن يريد أن يقف على مختلف المعلومات والإحصائيات من الجمهور العريض، إلا دليلا على هذه الهمة، وعلى هذه الشفافية، والموضوعية التي عليها القائمون على هذا الجهاز المهم والحساس في خدمة التنمية في السلطنة.

كثر الحديث قبل أسبوعين، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، عن تطبيق الضريبة الانتقائية، وتخفيضها إلى نسبة (50%) على بعض المواد، وهذا الأمر يحيلنا الى وثيقة قانون الضريبة الانتقائية الصادرة عن الأمانة العامة لوزارة المالية، والمتزامنة مع صدور المرسوم السلطاني رقم (23/‏‏ 2019م) التي بينت المؤشرات التالية:

« لقد كشفت بيانات (المسح الوطني الصحي للأمراض غير المعدية وعوامل خطورتها) الذي قامت به وزارة الصحة وشملت أكثر من (9000) شخص (..) أن نسب المصابين بالسمنة تجاوزت (66%) بالإضافة إلى ارتفاع نسبة المصابين بالسكري خلال عشر سنوات (الفترة من 2008م الى 2018م) إلى أكثر من (3%) وكما يشير المسح إلى وجود أكثر من (755) مريض سكري في السلطنة سنويا. كما كشف المسح أن (8.5%) من البالغين من عمر (18) سنة فأكثر يستخدمون أو يدخنون التبغ حاليا، وترتفع النسبة لدى الذكور العمانيين بنسبة (14%) كما ان (38.6%) من العمانيين يتعرضون للتدخين السلبي سواء في المنزل أو في مكان العمل»-انتهى النص – فهذه الأرقام كلها لها قراءات مهمة وواسعة لدى المعنيين، وهي بلا شك تضعهم على المسار الصحيح لوضع الحلول والآليات للحد من تنامي هذه المشاكل الصحية، وقس على ذلك أمثلة كثيرة.