أفكار وآراء

الاقتصاد العالمي و«الجروح المصنوعة»

03 يوليو 2019
03 يوليو 2019

رشا عبد الوهاب -

أثارت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين مخاوف المستثمرين، وأبقتهم على الحافة لا يرون المستقبل بوضوح. فالقوتان الاقتصاديتان في صراع محتدم وخلافات على زيادة التعريفات الجمركية المفروضة على واردات الدولة الأخرى.

ربما تكون قمة مجموعة العشرين التي عقدت في مدينة أوساكا اليابانية هي أهم قمة منذ الأزمة المالية العالمية في 2008، وربما لم تكن مجموعة العشرين مهمة مثلما هي اليوم، فالحرب التجارية المستعارة على أشدها الآن، تمثل تهديدا لنظام التجارة العالمي ككل، وهو تهديد من الصعب التعامل معه، حيث إن مجموعة العشرين هي الأمل الأخير لحماية النظام المتعدد الأطراف الذي يعتمد عليه الرخاء والأمن العالميين، وهذه هي القضية الكبرى التي ستنجح أو تفشل فيها المجموعة بشكل عام.

قبيل انطلاق القمة التي استضافتها اليابان للمرة الأولى، توالت التحذيرات الاقتصادية من كبريات المؤسسات المالية في العالم، مثل صندوق النقد والبنك الدوليين، ومؤسسات التصنيف الائتماني والبنوك العالمية وكبار المسؤولين حول العالم، من خطورة الحروب التجارية التي يشنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على خصومه وحلفائه على حد سواء، واتجهت الأنظار جميعا إلى اللقاء الذي جمع الرئيسان الأمريكي ترامب والصيني شي جين بينج خلال القمة، مع توقع سيناريوهات محتملة كثيرة لما يمكن أن يسفر عنه اللقاء، هل يتفقان على هدنة جديدة، أم يتوصلان لاتفاق، أو تستمر حرب التعريفات الجمركية بين العملاقين الاقتصاديين دون توقف. واصطحب ترامب معه مستشاره بيتر نافارو، أحد صقور الإدارة الأمريكية والناقد الشرس للصين، وهو ما رفع من الشكوك حول أن البيت الأبيض لا يخطط لاتفاق سريع مع بكين، على الرغم من تصريحات ستيفن منوتشين التي قال فيها إنه كان قد تم قطع 90% من الطريق باتجاه استكمال اتفاق للتجارة بين الدولتين. وتخشى الصين نافارو مؤلف كتاب «الموت على يد الصين: مواجهة التنين – دعوة عالمية للتحرك»، وهو ما لا يحمل في حد ذاته أي نذير خير، بل يكشف عن إصرار الرئيس الأمريكي على مواصلة الحرب التجارية أيا كانت النتيجة هكذا ذهبت التوقعات.

تقول المقدمات السابقة إنه خلال آخر لقاء بين ترامب وشي، على هامش قمة العشرين في بونيس آيريس الأرجنتينية منذ حوالي ستة أشهر، اتفق الاثنان على هدنة للحرب التجارية تستمر 90 يوما، وفي قمة أوساكا تجدد الالتزامات ورفع الحظر عن شركة هواوي، وعلى الرغم من أن هذا قد ينعش الأسواق إلا أنه لا يعني انتهاء الحرب التجارية. ومعروف أن الولايات المتحدة كانت قد شددت القيود المفروضة على عملاق التكنولوجيا الصيني «هواوي» إلى جانب أربع شركات أخرى، وهو ما يشكل ضربة قاصمة للاقتصاد الصيني.

من بين التحديات التي تواجه مجموعة العشرين، كيفية مواجهة الأحادية والحمائية من أجل تجارة حرة خصوصا بعد أن اضطرت المجموعة إلى التراجع عن هذا الهدف خلال قمة بوينس آيريس بسبب الضغوط الأمريكية، لتصدر أول بيان من نوعه لا يتضمن جملة «مواجهة الحمائية». كريستين لاجارد مديرة صندوق النقد الدولي أكدت أن الاقتصاد العالمي يمر بمنعطف خطير، وأن الأولوية الفورية للدول العشرين تتمثل في حل النزاعات التجارية الحالية. وقالت إن تبادل التعريفات بين الولايات المتحدة والصين سوف يضع المزيد من العراقيل أمام النمو في الدولتين ويخفض النمو العالمي، داعية إلى تجنب «الجروح المصنوعة». وقد خفض صندوق النقد الدولي في أبريل توقعاته للنمو العالمي إلى 3،3% لعام 2019 ، لكنه قال إنه يتوقع أن يتسارع التوسع في الجزء الأخير من العام وإن يصل الانتعاش إلى 3,6% عام 2020. بينما حذرت منظمة التجارة العالمية من أن توترات التجارة العالمية، وخصوصا الحرب التجارية القائمة بين أمريكا والصين، تسببت في زيادة درامية في الحواجز في ممارسة الأنشطة التجارة بين الدول الأعضاء في مجموعة العشرين، وقدرت أنه في الفترة بين 6 أكتوبر 2018 و15 مايو 2019، تم وضع 20 قيدا تجاريا بين أقوى اقتصادات العالم، والتي تقدر التجارة بينها بحوالي 336 مليار دولار أمريكي. وحذر روبروتو أزيفيدو الأمين العام للمنظمة من أن هذه التقديرات تثير مخاوف جادة لدى المجتمع الدولي ككل، وأنه يجب على قيادات مجموعة العشرين التخفيف من التوترات التجارية والالتزام بالقواعد القائمة على نظام التجارة العالمي. وإلى جانب النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، تأثرت دول أخرى مثل البرازيل وكندا والمكسيك وكوريا الجنوبية والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بدرجات متفاوتة من الرسوم الجمركية الأمريكية على المعادن، بينما تعرضت كندا لعدد من الحظر على الواردات من الصين. وحذرت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني من أن فرض الولايات المتحدة تعريفات جمركية على الصين بنسبة 25% سوف يخفض الناتج الاقتصادي العالمي بنسبة 40 نقطة أساس، كما سيتباطأ النمو العالمي إلى 2.7% خلال 2019 و2.4% في على التوالي2020، كما سينخفض معدل النمو الصيني حوالي 60 نقطة بينما يتراجع النمو الأمريكي 40 نقطة أساس في 2020. وستشهد البلدان غير المنخرطة بشكل مباشر في الحرب التجارية انخفاضا في ناتجها المحلي الإجمالي، وستكون كوريا الضحية الكبرى لهذا الصراع، حيث سينخفض ناتجها المحلي الإجمالي إلى أقل من المتوقع لنسبة 10 نقاط، وسوف تتأثر الدول المصدرة للسلع الأساسية مثل روسيا والبرازيل، لأن تباطؤ النمو العالمي سيدفع أسعار البترول والسلع الصلبة إلى الانخفاض.

تخلق أسلحة التعريفات الجمركية التي أطلقتها الولايات المتحدة من جانب واحد تباينات في الهيكل الاقتصادي العالمي بين واشنطن وبقية العالم، مما يجعل الشركات والاقتصادات الناشئة تنزلق نحو وضع أكثر هشاشة في الاقتصاد العالمي. وحمل ترامب عصا التعريفات يمنة ويسرة ليهدد اقتصادات كبرى وناشئة مثل الصين والهند والمكسيك وتركيا، وحتى حلفاء الولايات المتحدة داخل العشرين لم يسلموا من العصا الغليظة، وهو ما اضطرهم إلى الدفاع عن أنفسهم.

بشكل عام وبالعودة إلى الاجتماع السنوي بين قادة مجموعة العشرين الاقتصادية، والذي يضم رؤساء دول كبرى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا، فهو يهدف إلى تدعيم التعاون الاقتصادي العالمي، وكانت هناك العديد من الأجندة الرسمية للقمة التجارة والذكاء الصناعي وتمكين المرأة والتغير المناخي. وتضم المجموعة 19 دولة والاتحاد الأوروبي، ويمثل أعضاء العشرين حوالي 80% من إجمالي الناتج القومي في العالم، وتأسست المجموعة عام 1999 بعد سلسلة من أزمات الدين العالمية كانت آخرها أزمة الديون السيادية في أوروبا في 2009، وتهدف إلى توحيد قادة العالم لمواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية والصحية. وتقدم المجموعة نفسها على أنها «المنتدى الأول للتعاون الاقتصادي العالمي»، وبعد أن كانت الاجتماعات مقصورة على وزراء الخزانة والمالية ورؤساء البنوك المركزية، بدأ قادة هذه الدول في الاجتماع منذ 2008 مع اندلاع الأزمة المالية العالمية واتساع نطاقها وتأثيرها. وعلى الرغم من أن مجموعة العشرين تدعو للتعاون الاقتصادي إلا أن الولايات المتحدة كانت تفرض سياساتها الأحادية على الدول الأعضاء.

وقد أثارت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين مخاوف المستثمرين، وأبقتهم على الحافة لا يرون المستقبل بوضوح. فالقوتان الاقتصاديتان في صراع محتدم وخلافات على زيادة التعريفات الجمركية المفروضة على واردات الدولة الأخرى. وكانت أحدث التطورات إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب زيادة التعريفة جمركية على بضائع بقيمة 200 مليار دولار أمريكي من الواردات الصينية من 10 إلى 25%، كما لوح بفرض تعريفات جديدة على ما قيمته 300 مليار دولار من البضائع الصينية إذا لم تتوصل واشنطن وبكين إلى اتفاق. وقد انتقمت الصين مما اعتبرته «عدوانا أمريكيا» برفع الرسوم على «قائمة مختارة» من المنتجات الأمريكية بقيمة 60 مليارا إلى 25%. على أي حال يمكن اعتبار نتائج الاجتماع بين ترامب وشي بداية لطريق المحادثات أو ربما مزيد من التعثر، الذي سيؤثر بدوره على الاقتصاد العالمي، مع بقاء أمل الصين وعدد من الدول في أن تمضي الرسالة القوية المنشودة لدعم التعددية ومعارضة الأحادية، وقد حذر قنج شوانج المتحدث باسم وزارة الخارجية الصيني أن عدم الاستقرار والشكوك في الاقتصاد العالمي ترجع أساسا إلى التوترات التجارية التي نتجت عن الأحادية والحمائية وممارسات التنمر، ودعم الانفتاح والشمول ودعم التعاون المربح للجميع.

إنها إذن الحرب بين «صنع في الصين» و«أمريكا أولا» التي لا نعرف إلى أين ستمضي، صراع من العيار الثقيل، لن يكون فيه فائز من الاثنين، بل سوف يخسر الجميع، وفي مقدمتهم الاقتصاد العالمي ومجموعة العشرين نفسها.