أفكار وآراء

قمة العشرين والنمو الاقتصادي المأمول

02 يوليو 2019
02 يوليو 2019

د. الطيب الصادق -

جاء الوقت مناسبا لانعقاد قمة العشرين هذا العام في ظل مرحلة حرجة يشهدها النظام الاقتصادي العالمي نتيجة للحرب التجارية التي تصاعدت بشكل مخيف مؤخرا مع وجود تحديات جسيمة يواجهها العالم ومع التراجع الملحوظ في حركة التجارة العالمية واستمرار التوترات السياسية والأمنية في عدد كبير من دول العالم والتي أثرت بشكل سلبي على الاستقرار الاقتصادي.

تساؤلات كثيرة كانت مطروحة على الساحة العالمية قبل انعقاد «قمة العشرين» في مدينة أوساكا اليابانية يتمركز معظمها عن كيفية تحقيق النمو الاقتصادي وإزالة العوائق والفروق بين الدول وبناء مجتمع مستقبلي وتنمية مستدامة في ظل التوترات والحرب التجارية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية مع عدد من دول العالم أبرزهم الصين والمكسيك والاتحاد الأوروبي وإيران، ولو رجعنا بالذاكرة للوراء فسنجد أن الغرض الأساسي من إنشاء هذه المجموعة في 25 سبتمبر 1999 في واشنطن على هامش قمة مجموعة الثمانية - وكان اجتماعها الأول في برلين في نفس العام - هو تعزيز الاستقرار المالي الدولي وإيجاد فرص للحوار ما بين البلدان الصناعية والبلدان الناشئة وإرساء أسس اقتصادية لتحقيق نمو مستدام وشامل للاقتصاد العالمي ورسم خارطة اقتصادية عالمية أكثر وضوحا وتحقيق رخاء للمجتمعات العالمية، وهو بكل صراحة لم يتحقق حتى الآن رغم الاجتماعات السنوية للمجموعة ولم يعد هناك توافق على أي نوايا حسنة حتى لو كانت مبهمة جدا، نتيجة المصالح الشخصية لبعض الدول وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية التي ترفع شعار «أمريكا أولا» والسعي لتحقيق مكاسب شخصية من خلال هذا المنتدى الذي يمثل ثلثي التجارة في العالم وأكثر من 90 بالمائة من الناتج العالمي .

جاء الوقت مناسبا لانعقاد قمة العشرين هذا العام في ظل مرحلة حرجة يشهدها النظام الاقتصادي العالمي نتيجة للحرب التجارية التي تصاعدت بشكل مخيف مؤخرا مع وجود تحديات جسيمة يواجهها العالم ومع التراجع الملحوظ في حركة التجارة العالمية واستمرار التوترات السياسية والأمنية في عدد كبير من دول العالم والتي أثرت بشكل سلبي على الاستقرار الاقتصادي، ولذلك كان لابد من معالجة الملفات الأمنية والسياسية أولاً لأنها تمثل المفتاح الأساسي للنمو الاقتصادي حيث لا يوجد نمو اقتصادي وتنمية بدون استقرار سياسي وأمني، لذلك كانت القمة هذا العام مختلفة تماما عن القمم السابقة مما يجعلها من أهم القمم التي عقدت على مدار الـ 20 عاما الماضية وما يؤكد أهميتها الملفات التي تم مناقشتها في القمة والتي تضمنت مشكلات الاقتصاد العالمي والذي يعد من أهم الملفات نتيجة لارتباطه بشكل مباشر بمدى تحقيق النمو الاقتصادي العالمي المستدام والشامل، كذلك ملف التجارة والاستثمار، لما له من تأثير مباشر على النظام التجاري والاقتصادي العالمي، وملف الابتكارات وعلاقتها بالتقنية، والبيئة والطاقة، والأيدي العاملة، والتوظيف وتمكين المرأة، والتنمية المستدامة، وقطاع الصحة وعلاقته بالاقتصاد العالمي.

ولو نظرنا إلى مؤشرات النمو الاقتصادي العالمي نجد أن صندوق النقد الدولي توقع الشهر الماضي ارتفاعه من 3.3% هذا العام إلى 3.6%، مستندا إلى الدعم الذي تقدمه السياسات النقدية التي قد تكون أقل تقييدًا من البنوك المركزية العالمية، لكن الصندوق حذر في نفس الوقت من أن الخلاف التجاري بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين يكبح النمو الاقتصادي العالمي في عام 2020، حيث أشار صندوق النقد الدولي إلى أن الجمارك التي أعلنتها وهددت بها مؤخرا واشنطن وبكين قد تقطع نحو 0.3% من إجمالي الناتج المحلي في العالم خلال العام المقبل، مشير إلى أن الرسوم التجارية الإضافية ستقلل الناتج الاقتصادي بنحو 0.5%، ما يصل إلى خسارة بقيمة 455 مليار دولار أمريكي ولذلك فإن نزع فتيل الحرب التجارية بين أمريكا والصين سيساهم في تحقيق معدلات نمو مرتفعة في الاقتصاد العالمي وستعمل على استعادة حركة التجارة الدولية معدلاتها الطبيعية خصوصا أن هناك ارتباطا وثيقا بين النمو الاقتصادي والسلم العالمي، وهو لابد من تحقيقه كما لابد من ضرورة التعاون الدولي لتأسيس نمو اقتصادي عالمي قوي وشامل ومستدام.

من المعروف أن «مجموعة العشرين» تختلف تماما عن الكيانات الدولية الأخرى وتتميز بوضعيتها الخاصة ككيان عالمي هائل له قيمة كبيرة اكتسبتها منذ اليوم الأول لتأسيسها، عندما حملت مسؤولية معالجة الأزمة الاقتصادية العالمية الهائلة وكذلك عندما اجتمع رؤساء الدول والحكومات وليس فقط وزراء المالية يوم 15 نوفمبر 2008، ولأول مرة في تاريخها، ومنذ ذلك الوقت أصبحت القمة لها تأثير كبير على الاقتصاد العالمي من خلال القرارات التي تتخذها، كما نجد أن كريستين لاغارد مدير عام صندوق النقد الدولي قد عبرت في العام الماضي عن أهمية مجموعة العشرين ودورها في بذل جهود بالغة الأهمية في مساعدة الاقتصاد العالمي على التعافي خلال العشر سنوات التي أعقبت القمة الأولى لقادة المجموعة لكن أكدت أن غيوماً أكثر قتامة بدأت تخيم على الأفق من جديد وتتطلب معالجة هذه التحديات تنفيذ سياسات منطقية من الناحيتين القومية والدولية، كما تتطلب تعزيز شبكة الأمان المالي العالمية، وفي القلب منها صندوق النقد الدولي الذي يتعين أن يكون مستعداً بالأدوات اللازمة والموارد الكافية حتى يضمن القيام بالدور المنوط في مساعدة البلدان على منع الأزمات المستقبلية والتعامل معها إذا وقعت، ولذلك فإن تصريحات لاغارد تدعونا إلى التساؤل حول مسؤولية عدم تنفيذ القرارات والتوصيات التي تتخذها المجموعة في معظم اجتماعاتها بالشكل المطلوب خصوصا أننا لو رجعنا 10 سنوات ماضية وبالتحديد في قمة مجموعة الدول العشرين الاقتصادية التي عقدت في العاصمة البريطانية 2009 وكذلك في القمم الأخرى سواء في قمة تورنتو بكندا عام 2010 أو قمة لوس كابوس بالمكسيك عام 2012 أو قمة سان بطرسبرج الروسية في عام 2013 ووصولا إلى قمة بيونس آيرس عام 2018 تم اتخاذ عدد من القرارات والتوصيات تحمل في مجملها إنعاش الاقتصاد العالمي وتخفيض حالة الركود ودعم مسيرة الاستثمار، ولكن كل هذا لم يتحقق بالشكل المطلوب نتيجة للصراع الاقتصادي بين القوى العظمى والذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية من جهة وحلفاؤها التاريخيون من جهة أخرى ولذلك مهما كانت الجهود المبذولة حاليا للوصول إلى موقف موحد على صعيد الاقتصاد العالمي، لكن لا يمكن استبعاد المخاطر التي تحول دون تحقيق التوصيات التي تم إقرارها.

وتشير الدلالات إلى أن الاقتصاد العالمي على أعتاب مرحلة جديدة تختلف تمام عن مرحلة ما قبل قمة العشرين لأن الوضع الاقتصادي العالمي لا يستطيع أن يتحمل أزمة جديدة فالجميع بدأ يبحث عن مخرج حقيقي للوضع الراهن ويعمل انطلاقة عالمية اقتصادية جديدة بعد أن أصبح الكل خاسرا من الصراعات التجارية حتى الدول غير المشاركة في هذه الصراعات تأثرت من قريب أو بعيد فأصبح لزاماً أن يتم التوصل إلى تهدئة إن صدقت النوايا في السعي لتحقيق نمو اقتصادي عالمي وتنمية حقيقية تنعكس على كل اقتصاديات الدول لكن في حالة استمرار السياسات الأمريكية وتعنتها وإطالة الحرب التجارية سواءً مع الصين أو أوروبا والمكسيك وإيران فإن قرارات مجموعة العشرين ستصبح حبرا على ورق ويصبح النمو الاقتصادي العالمي في مهب الريح.