أفكار وآراء

منطقة الدقم .. قلعة عمان الاقتصادية

29 يونيو 2019
29 يونيو 2019

عوض بن سعيد باقوير/ صحفي ومحلل سياسي -

بين زيارتي الأولى لمنطقة الدقم الاقتصادية الخاصة عام 2017 كصحفي متابع للشأن المحلي وزيارتي الأخيرة قبل الأسبوع الماضي هناك فروقات جوهرية لمنطقة اقتصادية واستثمارية وصناعية واعدة، حيث أصبحت هذه المنطقة التي تقع علي بحر العرب في الجزء الشرقي بمثابة ورشة عمل متكاملة حيث المشاريع العملاقة والبنية الأساسية وحيث استثمرت الحكومة مليارات من الريالات ولا تزال بهدف استكمال تلك البنية لتكون هذه المنطقة عند اكتمالها بعد عدة سنوات المشروع الاقتصادي الأهم في تاريخ السلطنة الحديث وهو بالفعل بمثابة القلعة الاقتصادية الراسخة لعمان وشعبها.

من خلال الزيارة الأخيرة أصبح ميناء الدقم العملاق يقترب رويدا من التشغيل التجريبي مع نهاية العام الحالي، وبدأ العمل يدور في مصفاة النفط بكل مكوناتها الأساسية حيث قطع العمل فيها اكثر من 20 في المائة حسب حديث المسؤولين عن هذا المرفق الكبير والذي يتضمن أيضا مجمع البتروكيماويات وموضوع تخزين النفط في رأس مركز وتمديد أنابيب من تلك المنطقة الى المصفاة حيث تم استثمار مليارات الدولارات في هذا المرفق الحيوي وهناك الحوض الجاف والذي يقوم بتصليح السفن العملاقة المدنية منها والعسكرية وتستطيع حاملات الطائرات عمل استدارة كاملة بسبب عمق المياه وهناك عشرات المشاريع الاستثمارية والعشرات القادمة ان شاء الله.

الموقع الاستراتيجي

يلعب الموقع الاستراتيجي لأي رؤية اقتصادية العامل الأهم والسلطنة عموما تتميز بموقعها الحيوي على البحار المفتوحة حيث يعد بحر العرب والمحيط الهندي الإطلالة المهمة في شرق وجنوب السلطنة، وهي بحار متصلة مباشرة بالقارة الأسيوية وأفريقيا وأوروبا وحتى الولايات المتحدة الأمريكية وتعد هذه البحار بعيدة عن أي توتر أو حروب محتملة في منطقة الخليج كما يحدث الآن بين الولايات المتحدة وإيران، كما تقع السلطنة في أقصى الشمال على بحر عمان الاستراتيجي حيث مضيق هرمز الذي يعد شريان الطاقة الى الأسواق الغربية ودول جنوب شرق آسيا والصين وشبه القارة الهندية ومن هنا فان هذا الموقع البحري الاستراتيجي قد عكس تلك الأهمية الجغرافية والاستراتيجية للسلطنة منذ سنوات طويلة، ومن هنا فان منطقة الدقم الاقتصادية بإطلالتها على بحر العرب تنفرد بتلك الميزة والتي جعلت منها القاطرة الاقتصادية.

ولا شك ان البعد عن المخاطر ومناخ التوتر يجعل المستثمرين اكثر اطمئنانا علي مشاريعهم كما ان السلطنة بقيادتها الحكيمة والتي جعلت من السلطنة واحة للاستقرار والسلام والتسامح طوال نصف قرن يعطي مشهدا إضافيا على أهمية الاستثمار في السلطنة في منطقة الدقم وغيرها من المناطق الاقتصادية والصناعية في السلطنة بشكل عام.

وعلى ضوء تلك المحددات الاستراتيجية فان منطقة الدقم الاقتصادية لديها مستقبل واعد بدأت ملامحه في الظهور خلال سنوات قليلة، ولعل مشروع مطار الدقم الحديث يعطي إشارة إيجابية بان الدقم هي بوابة السلطنة من الناحية الشرقية لبحر العرب، ومع زيادة الضخ المالي الحكومي وزيادة الاستثمارات المحلية والتي ندعو من خلال هذا المقال الى زيادتها والى تواصل المشاريع الحيوية فان المؤشرات والأرقام تشير الى نجاح كبير لاحد مفردات التنويع الاقتصادي والبعد تدريجيا عن الاعتماد على مصدر متأرجح كالنفط حيث المناخ السياسي اصبح المتحكم الأساسي في صعود وهبوط أسعار النفط في الأسواق العالمية.

المؤشرات تتحدث

مساحة المنطقة الاقتصادية هي حوالي 2000 كلم مربع وهي مساحة تفوق مساحة سنغافورة بأكثر من ضعفين وتتجاوز مساحة المنطقة عدة دول ذات مساحات صغيره بأكبر من ذلك، كما ان وجود المحطة الواحدة لإنهاء إجراءات المستثمرين في المبنى الجديد لهيئة منطقة الدقم الاقتصادية الخاصة هي جزء أصيل من الحركة السريعة لبدء المشروعات فالسرعة هنا مطلوبة في ظل المنافسة المحتدمة في منطقة الخليج والشرق الأوسط، ومع التفرد في الموقع الجغرافي تبقى السرعة في الإجراءات مطلوبة وهو الذي رأيناه من حركة دائبة ومن قبل خبراء وكفاءات عمانية نعتز بها جميعا في كافة مواقع العمل وإدارة المشروعات العملاقة وهذه إحدى ثمار النهضة المباركة والتي جعلت تلك الكوادر تشارك بكل مهنية واقتدار في بناء الوطن والحفاظ على مكتسباته للحاضر والمستقبل.

الضخ المالي الحكومي جاء وفق قناعات بأهمية المنطقة ومردودها الاقتصادي والإنمائي إلى إيجاد مجتمع جديد من خلال المدينة المتكاملة حيث يتوقع خلال السنوات القليلة القادمة ومع اكتمال معظم المشاريع العملاقة ان يكون هناك عدد سكان أكبر والذي يحتاج الى المدارس والكليات والملاعب الرياضية والمؤسسات الصحية وهو الأمر الذي جعل المخطط العام لمنطقة الدقم يضع ذلك في الاعتبار من خلال المدينة المتكاملة التي تستوعب 200000 نسمة.

المدينة العمالية وهي باستثمار عماني تجاوز 75 مليون ريال عماني هي إحدى المشاريع التي استحوذت على الإعجاب، حيث هناك وحدات سكنية تستوعب 17000 عامل مجهزة بكل المرافق من مطابخ عملاقة وصالات رياضية ومرافق صحية وحتى برك للسباحة في لفتة إنسانية وحضارية تتبعها السلطنة.

ومن هنا فان هذه المدينة وفرت على الشركات موضوع البحث عن مساكن لائقة لعمالها كما ان الاستثمار العماني-الهندي متواجد من خلال مصنع ينتج زيت الخروع الذي يدخل في صناعات عديدة وبدأ الإنتاج والتصدير الى الأسواق الهندية وغيرها من الأسواق علاوة على المشاريع الأخرى السياحية وحتى الجيولوجية.

المستقبل السياحي

من خلال موقعها على بحر العرب وامتدادها على الشواطئ الجميلة فان الاستثمار السياحي وإنشاء المنتجعات المتكاملة سوف تحول منطقة الدقم الى واحة من الإقبال السياحي من دول العالم المختلفة، ولعل وجود المطار الجديد الذي يستوعب اكبر الطائرات المدنية سوف يكون بوابة الدقم للعالم، ومع تزايد الحركة السياحية في المستقبل فان تنفيذ الأجزاء الأخرى هو ضمن مخطط المنطقة، ومن هنا فان دعوة المستثمر العماني الى التعجيل بعمل المنتجعات المختلفة والتي تشكل احتياجات الأسر العمانية والقادمين من المنطقة والعالم وأيضا تلبي احتياجات المستثمرين من الداخل والخارج، ولا شك ان منطقة الدقم تحوي الكثير من المقومات البيئية ولعل المثال الأهم هو حديقة الصخور ذات المساحة الكبيرة وذات التنوع الصخري الفريد وهي حديقة فتحت للاستثمار والمعروف ان السائح من أوروبا والولايات المتحدة وحتى آسيا تجذبهم هذه السياحة الثقافية - الجيولوجية.

منطقة الدقم الاقتصادية لديها ثروات سمكية كبيرة هي الأكبر في السلطنة، ومن هنا فان ميناء الصيد البحري قيد الإنشاء يعد الأكبر على مستوى السلطنة علاوة على وجود عدد من مصانع الأسماك التي تعمل الآن وهناك عدد من الصناعات السمكية قيد الدراسة، ولعل الشيء الجيد في منطقة الدقم هو تخطيطها وفق قطاعات مختلفة صناعية وتجارية وسياحية وغيرها مما جعل التخطيط يتماشى وطبيعة المنطقة كما ان المسؤولية الاجتماعية حاضرة، ولعل حي السعادة السكني والذي رأيناه يمثل السكن النموذجي حيث تم الاحتفال مؤخرا بتسليم 150 فيلا حديثة للمواطنين الذين تأثرت منازلهم والتي كانت ضمن مخطط المنطقة الاقتصادية بالدقم وكانت السعادة على وجوه المواطنين تتماشى وتسمية الحي السكني النموذجي.

الاستثمار المحلي ضرورة

وعلى ضوء المشاهدة والتجوال في منطقة الدقم فان المستقبل واعد لهذه القلعة الاقتصادية للسلطنة، ونحن هنا نحث المستثمرين من أبناء الوطن الى عمل المزيد من المشاريع وهي مشاريع حيوية ومربحة، خاصة وان منافذ التصدير البحري والجوي متواجدة الى كل أسواق العالم ولعل الجانب الصناعي في المنطقة يعطي حوافز كبيرة من خلال توفير الأراضي من خلال سنوات طويلة من الانتفاع والإعفاء من الضرائب وكل التسهيلات الممكنة، كما ان الاستثمار المحلي للقطاع الخاص والأفراد هو واجب وطني وأخلاقي ورد الجميل لهذا الوطن العظيم ولقيادته الحكيمة المتمثلة في جلالة السلطان المعظم - حفظه الله ورعاه - والذي جعل عمان دولة عصرية حديثة كما وعد جلالته بذلك في أولى خطاباته عام 1970 حيث تتوالى الإنجازات في كل مناطق عمان كما ان ترسيخ الوحدة الوطنية هو إسهام وطني يعزز من مكانة الوطن التي أصبحت تحظى بالاحترام والتقدير وفق تلك الرؤية الحكيمة والموضوعية التي أرساها جلالة السلطان المعظم منذ فجر النهضة المباركة، وتبقى منطقة الدقم منطقة واعدة وكما اشرنا هي قلعة عمان الاقتصادية كما هي قلاع عمان الشامخة الضاربة بجذورها في التاريخ.