Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ :حــوارات الأجــيـال .. بين شــد وجــذب

21 يونيو 2019
21 يونيو 2019

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

حياتنا مرهونة كلية بين هاتين الكلمتين «شد وجذب» عندما تتبعت معنى الكلمتين في قاموس اللغة، وجدت أن كلمة (جذب) هي السحب، وقد يختلف المعنى وفق سياق الجملة التي يتخللها الفعل «جذب» وأما كلمة (شد) فهي لا تخرج عن سابقتها، ولكن تختلف في المعنى وفق سياق الجملة التي يتوسطها الفعل «شد» والمعنى المتوافق بين الكلمتين عندما يكونان في جملة واحدة هي المراوحة في الأخذ والرد، وفي التقدم والتراجع، وفي العلو والانخفاض، وقس على ذلك أمثلة كثيرة.

يكثر في أحاديثنا اليومية القول ـ على سبيل المثال ـ «المسألة بين شد وجذب» أو «القضية لا تزال بين شد وجذب» أو «العلاقة بينهما لا تزال بين شد وجذب» وقس على ذلك -أيضا- أمثلة كثيرة، وعند مقاربة المعنى للكلمتين حسبما جاء في العنوان، فحوارات الأجيال تعيش في هذه المراوحة نفسها بين الأخذ والرد، والقبول والرفض، والحوارات المقصودة هنا ليست تلك المعاملات اللفظية في جلسة من الجلسات، وإنما يذهب المعنى إلى أبعد من ذلك، وهو مجموعة السلوكيات، والممارسات، والمعتقدات، والقناعات، وما نعرفه جميعنا أن كل ذلك قائم عبر الأجيال، والمعروف أيضا أن الجيل الحالي يتجاوز في مختلف ممارساته جل ما يؤمن به الجيل الذي سبقه، والجيل السابق، يرفض تقريبا كل الممارسات التي يأتي بها الجيل الحالي، وتظل هذه المراوحة مستمرة، وكل فترة «جيلية» تعيش نسق هذه الحالة، وتكبر المسألة في عموميتها من حوار الأجيال إلى حوار الحضارات، لا فرق في ذلك سوى مستوى التركة، والحمولة التي تمثلها الحضارة، والممارسات البسيطة التي تحملها الأجيال، وقس على ذلك أمثلة كثيرة في الحياة.

قبل يومين كنت أتحاور مع أحد الأخوة في مسألة الأسماء الجديدة للأطفال، وخاصة الأسماء المعرّفّة منها؛ أي المضاف إليها «أل» التعريف، وكانت وجهة النظر، مستوى ثقل الاسم عندما يضاف إليه «أل» التعريف، وسهولة لفظه عندما يخلو من «أل» التعريف، ولأن هذا الأخ أكبر مني سنا، فقد كان ينتصر أكثر إلى الأسماء القديمة الخالية أصلا من «أل» التعريف فضلا عن بساطتها وحيويتها وعفويتها أيضا، ولعل طول مكوثها في الذاكرة الجمعية طوال فترات الأجيال التي مرت، أهلها لأن تحظى بهذا الترحيب الكبير من قبل الأجيال السابقة، ولربما أيضا أن الأسماء الجديدة في معانيها، وفي ألفاظها، مضافا إليها «أل» التعريف، لم تستسغها الذاكرة بعد، هي التي تشعر كبار السن بثقلها، وغرابتها في بعض الأحيان.

تكثر هذه الأيام، من أيام فصل الصيف الكريم بجوده وعطائه - من فضل الله - صور حصاد ما تجود به «عمتنا النخلة» وهي صور خجولة لكثير من ممارسات الحصاد المعروفة: كالجداد، والتبسيل، وتنقية التمر من الشوائب، وأقول خجولة لأن ما يقوم بكل هذه الأعمال، وهي من صميم عادات الأسرة العمانية في حصاد النخيل، هم من الأيدي العاملة الوافدة، والقلة القليلة- ربما- من كبار السن، أما أجيال «الآيباد، والهاتف النقال، والحاسب الآلي» فهم غائبون عن هذه المشاهد؛ إلا الاستثناء، وهم قلة؛ فأغلب هذا الجيل استبدلوا النهار ليلا، والليل نهارا، فبعد إغلاق المدارس والكليات أبوابها، ينامون طول النهار، ويصحون طوال الليل، في ظاهرة غريبة، وأتوقع جل الأسر العمانية تعيش هذه الحالة- وبلا مزايدة- فكيف بجيل هذا نسق حياته وهو في طور النشأة والتطور القيمي أن يكون له حضور طاغ في خضم هذه الممارسات التقليدية؟

لا أطرح هنا جدلا سفسطائيا؛ فهذا واقع فارض نفسه بقوة الأداة المتحققة، مع التسليم النسبي بمقولة: «من ينكر التأريخ؛ يجازف بتكراره» والتاريخ عبر مراحله المتدرجة يؤكد جدلية هذا الحوار بين الأجيال، في مختلف الممارسات، لذلك؛ ووفق هذه الحقيقة؛ ستبقى كثير من الممارسات التقليدية مجرد ذكريات معلقة صورها في معارض ثقافات الشعوب، لا أكثر.