1226384
1226384
المنوعات

بعد صلاة التراويح الرجال في المقاهي والنساء مع أبنائهن في المتنزهات

24 مايو 2019
24 مايو 2019

رمضان في المغرب.. عبادة وليالي سمر -

يوسف حمادي - الرباط -

انتصف الشهر الفضيل على المملكة المغربية الشقيقة، وما زال المسحراتي يطلق نغمات مزماره الصدّاح مساء كل يوم من أيام الشهر الفضيل، شهر الصيام والقيام؛ شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ، ولياليه الحافلة بالرحمة والغفران. «عمان» تابعت الشهر الفضيل في المجتمع المغربي الشقيق مذ أن هلّ الهلال وحتى انتصف الشهر لتطلع قراءها على الأجواء الرمضانية المغربية.

في مدينة الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمغرب الشقيق، خرج النساء والرجال للأسواق لشراء ما قد يحتاجونه من مؤونة ومكملات غذائية من تمر وعسل وزيت الزيتون .. ، وبعد ذلك تهب النساء إلى مطابخهن يقتصدن وقتا من زمن عملهن خارج بيوتهن في الوظائف الإدارية والأعمال الحرة ، فيمكثن داخل المطابخ يُهيئن حلوى الشباكية المغموسة في العسل والمرشوشة بحبة الحلاوة ، وإعداد عجين «السفوف» بما يضمه من مكونات مقوية ؛ من مدقوق اللوز والجوز والمسكة الحرة ، والزرارع والنافع والقرفة ، وغيرها مما تحتويه وصفة العطار « الحاج صلاح » الذي يتحول دكانه مع منتصف شهر شعبان وبداية شهر رمضان، إلى ما يشبه الصيدلية ، مزدحما من كثرة الطلبات .

وفي تصريح لـ«عمان» قال عبد العزيز الدكالي ؛ نسبة إلى قبائل إقليم دكالة ، الذي أكبر مدنه هي مدينة الجديدة ، إقليم غني بالزراعة والصيد البحري، أنه يكون سعيدا جدا بحلو شهر رمضان ، حيث إن سيدة بيته ؛ زوجته أم أولاده الأربعة ، تمتعه في الشهر الفضيل بإعداد « شَهَيْوَات » ؛ أي المُشهيات من الطعام ، وأنها تحول مائدة الإفطار العائلي إلى لوحة فنية جميلة ومغرية ، مشكلة من الحريرة المغربية ، والقهوة بالحليب والشاي المنعنع وحلوى « الشَبَّاكِيَّة » ، والبَرَيْوَاتْ والمَحَنْشَة الفاسية ، والمَسَمَّنْ والبَغْرِيرْ الدكالي ، والْبَطْبُوطْ ورَزَّةْ القاضي، والمَسَمَّنْ لَمْعَمَّرْ وطاجين بسبع خضاري، وكل ما تيسر للزوجة الحاذقة مما لذ وطاب، من طعام وشراب .

ليال فنية ومسابقات لتجويد القرآن

ولأن عبد العزيز الدكالي يهوى فن الملحون، فقد سرد علينا بعضا مما تشتمل عليه مائدة إفطاره الرمضاني من مأكولات بطريقة غنائية ، مسجوعة باللحن والقافية ، فالرجل يحب الملحون الذي تكون له ليالي سهر ضمن ليالي رمضان الفنية ، فرمضان في المغرب يجمع بين العبادة والسمر بعد صلاة التراويح ، وتنظيم سهرات مديح وأغاني شباب، والمسابقات الشعرية وفي تجويد وترتيل القرآن الكريم، التي لها جوائز أكبرها الجائزة الدولية لمحمد السادس لتجويد القرآن الكريم ، التي تنظمها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، كل عام في رمضان، والتي يحصدها عدد من الشباب والشابات، المتميزين والمتميزات، في علم تجويد كتاب الله .

بعد الفطور، وكما سبقت الإشارة إلى ذلك ، الذي يضم طيبات ما خلق الله ، سبحانه وتعالى، من طعام وشراب، تهيئه سيدات بيوتنا بحرفية وإبداع، إرضاء لنا وتعبيرا عن اجتهادهن وإبداعهن، جزاهن الله خير جزاء ، يخرج الناس إلى المساجد لصلاة العشاء متبوعة بالتراويح ، الصلاة الروحية التي يملأها الخشوع ، التي تكون فرصة يبدع فيها الشيوخ وأئمة القراءة الحافظين في ترتيل سور القرآن الكريم وآياته، وكلهم أئمة وقراء حفظة تابعين لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الجهة الرسمية للدولة المغربية، التي تعينهم بخطابات اعتماد رسمية تزكيها المجالس العلمية الإقليمية، التي تخول لهم إمامة الصلاة وصلاة التراويح في المساجد .

وحتى لا تتم المبالغة في الرسمية فتضيع بعض المواهب الحسنة التي تكون محتشمة تعيش على الهامش، يعلق الدكتور إدريس بن ضاوية ، شيخ مغربي مشهود له بالكفاءة العلمية، فإنه في شهر رمضان يتم تيسير الإمامة لمن فيه شروط الإتقان والإبداع من المبتدئين من الشباب، الذين منهم من كانت مناسبة إمامته لصلاة التراويح في شهر رمضان، فرصة للشهرة والانطلاق نحو آفاق واسعة في تجويد القرآن، لأن المغرب، ومنذ عصور بعيدة، يسترسل الشيخ بن ضاوية، شجع على حفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب لدى الطلبة والطالبات، وجعل له ولهم مكانة مرموقة في المجتمع .

التباري حول المشروبات.. والنساء في المتنزهات

ومباشرة بعد الانتهاء من صلاة التراويح ، يرفع أغلب المغاربة شعارهم في ليالي رمضان، خصوصا إذا كان اليوم الموالي يوم عطلة آخر الأسبوع ؛ سبت أو أحد، شعار يقول: « قليل للقلب وكثير للرب »، أي كما عبر عن ذلك المهدي سيمو في تصريح لـ « عمان » ، ترويض النفس على النشاط والحيوية، قائلا: « الدين يغلبنا إذا لم نجعل له مسالك ترويح عن النفس دون معصية » . ولذلك اعتاد المهدي سيمو كلما انقضت صلاة التراويح ، المشي على قدميه مدعيا هضم طعام الفطور، متجها صوب مقهى المحطة الطرقية المفتوحة في وجه المسافرين ليلا ونهارا ، 24/‏‏24 ، التي بها يجد أصحابه من أساتذة التعليم ، فيجلسون إلى لعبة الأوراق يتبارون حول من سينهزم فيكون جزاؤه أداء ثمن المشروبات .

ورغم أنه كان خاسرا «الطرح» ؛ أي الجولة ، فإن المهدي سيمو ، الذي هو أستاذ فلسفة ، لم يتردد في إفادتنا عما يقوم به خلال شهر رمضان، مؤكدا لنا أن الطعام النوعي هو بنزين الصيام ، وأن الإسراف فيه تخمة مرضية لا فائدة ترجى منها خلال النهار، فالمُزْدَرِد المسرف يقضي يومه في عذاب بين حموضة وحرقة معدة، يعلق مصدرنا، مؤكدا أن ذلك ما طالعه في كتب الطبخ والصحة ، مشيدا بما لصلاة التراويح والمشي والترفيه عن النفس بعد وجبة الإفطار وصلاة التراويح ، والسمر مع الأصدقاء في المقاهي من فوائد لتسهيل النظام الوقائي أيام الشهر الفضيل . وليس الرجال وحدهم الذين يبرمجون أيام رمضان ولياليه لصالحهم ، بل السيدات أيضا ، فهن يخرجن للمشي في المتنزهات في ساحات المدينة بعدما تكون مصالح البلدية قد قامت بصيانتها وتجديد المعطوب من مصابيح إنارتها، ودعمها بمصابيح قوية تجعل الساحة كأنها في ضوء شمس النهار، حفاظا على سلامة السيدات المتنزهات ، اللائي يجدن في ليلة القدر التي يقول المغاربة أنها تصادف ( 27 من رمضان )، مناسبة لإخراج بناتهن الصغيرات وتزيينهن بالقفاطين المغربية، والرسم على أيديهن بالحناء، رسوما جميلة منها الرسم المعروف بـ « النقش الخليجي » ، الذي يجعل أيادي الصبيات كأنها لوحات فنية فاتنة . أما الصبية الذكور ، ما بين الخمس والعشر سنوات ، فيرتدون اللباس المغربي الأصيل ، الذي هو عبارة عن : جلاليب وقَنْدُورَات ، وجَبَدُور وسراويل قَنْدَرِيسِيَّة ، والبَلَاغِي فاسية ومراكشية ، شَلْحَاوِيَّة وعربية ، والكل في سمر يمرحون ، ينتظرون ليلة القدر التي تنزل فيها رحمة الله عن طريق الملائكة ، حاملة الخير والبركة ، والأمن والسلام لهم ولأسرهم وللناس أجمعين .