روضة الصائم

نفحات إيمانية: التوارث بين الزوجين

22 مايو 2019
22 مايو 2019

حمادة السعيد -

الأسرة هي أساس المجتمع، لذلك اهتم الإسلام ببنائها أشد الاهتمام ووضع لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطوات تسير عليها وحقوقًا تحترم من جميع أعضائها.

ولما كانت الأسرة الصالحة هي اللبنة الأساسية لبناء المجتمع الصالح الذي ينعم بنور الإيمان فقد وضع الرسول -صلى الله عليه وسلم- شروطًا وبين ضوابط لاختيار الزوجين وبمجرد عقد الزواج تأتي سلسلة من الحقوق بين الزوجين ومنها التوارث بين الزوجين عقب وفاة أي منهما.

يقول محمد طاهر الجوابي في كتابه «المجتمع والأسرة في الإسلام» من الحقوق المشتركة بين الزوجين التوارث والزواج من أسباب التوارث، فللزوج نصف تركة زوحته إن لم يكن لها وارث، وله الربع إن كان لها فرع وارث، سواء كان الفرع منه أو من غيره. وللزوجة أو الزوجات الربع من تركة الزوج إذا لم يكن له فرع وارث، ولها أولهن الثمن إن كان له فرع وارث. قال تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ) سورة النساء آية 12.

وجاء في كتاب «الأسرة» الصادر عن وزارة الأوقاف السعودية: حق الإرث يثبت في الزواج الصحيح إذا مات أحد الزوجين حال قيام الرابطة الزوجية حقيقة أو حكما بأن كانت الزوجة في العدة. وقد حدد القرآن هذا الحق في الآية الكريمة «ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد....». وقد جعل الإسلام للرجل في الميراث ضعف ما للمرأة في بعض الحالات وذلك لاعتبارات موضوعية تتمثل في أن الرجل مكلف بالإنفاق على نفسه وزوجته وأولاده، والمرأة لم تكلف بالإنفاق على أي من أولئك ومن هنا كان العدل أن تتكافأ الحقوق مع الوجبات فيعطي للرجل على قدر مسؤولياته.

وقال الزحيلي في تفسيره «التفسير المنير» للزوج نصف تركة الزوجة إن لم يكن لها ولد، سواء أكان منه أم من غيره، وسواء أكان ذكرًا أم أنثى، واحدًا أم أكثر، منها مباشرة أم من بنيها أم من بني بنيها، والباقي لأولادها، ولا يشترط الدخول بالزوجة وإنما يكفي مجرد العقد. فإن كان لها ولد فللزوج الربع، والباقي لأقاربها ذوي الفروض والعصبات، أو ذوي الأرحام -في رأي الحنفية- أو لبيت المال إن لم يكن وارث آخر لكم ذلك في تركتهن من بعد وفاء الديون وتنفيذ الوصايا. وللزوجة ربع تركة الزوج إن لم يكن له ولد، ولها الثمن إن كان له ولد. فإن تعددت الزوجات اشتركن في الربع أو في الثمن من بعد الدين والوصية.

وقال فخر الدين الرازي في تفسير القرآن «مفاتيح الغيب» في قوله تعالى (ولكم نصف ما ترك أزواجكم) إلى قوله (من بعد وصية توصون بها أو دين) «بتصرف» اعلم أنه تعالى أورد أقسام الورثة في هذه الآيات على أحسن الترتيبات، وذلك لأن الوارث إما أن يكون متصلًا بالميت بغير واسطة أو بواسطة، فإن اتصل به بغير واسطة فسبب الاتصال إما أن يكون هو النسب أو الزوجية، فحصل هاهنا أقسام ثلاثة، أشرفها وأعلاها الاتصال الحاصل ابتداء من جهة النسب، وذلك هو قرابة الولاد، ويدخل فيها الأولاد والوالدان فالله تعالى قدم حكم هذا القسم. وثانيها: الاتصال الحاصل ابتداء من جهة الزوجية، وهذا القسم متأخر في الشرف عن القسم الأول لأن الأول ذاتي والثاني عرضي، والذاتي أشرف من العرضي، وهذا القسم هو المراد من هذه الآية التي نحن الآن في تفسيرها.

وثالثها: الاتصال الحاصل بواسطة الغير وهو المسمى بالكلالة، والقسمان الأولان ينسب كل واحد منهما إلى الميت بغير واسطة، كما أن مخالطة الإنسان بالوالدين والأولاد والزوج والزوجة أكثر وأتم من مخالطته بالكلالة -والكلالة الميت الذي لا ولد له ولا والد له- وكثرة المخالطة مظنة الألفة والشفقة، وذلك يوجب شدة الاهتمام بأحوالهم، وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: أنه تعالى لما جعل في الموجب النسبي حظ الرجل مثل حظ الأنثيين كذلك جعل في الموجب السببي حظ الرجل مثل حظ الأنثيين، واعلم أن الواحد والجماعة سواء في الربع والثمن، والولد من ذلك الزوج ومن غيره سواء في الرد من النصف إلى الربع أو من الربع إلى الثمن، واعلم أنه لا فرق في الولد بين الذكر والأنثى ولا فرق بين الابن وبين ابن الابن ولا بين البنت وبين بنت الابن والله أعلم.

المسألة الثانية: قال الشافعي رحمه الله: يجوز للزوج غسل زوجته، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه لا يجوز. حجة الشافعي أنها بعد الموت زوجته فيحل له غسلها، بيان أنها زوجته قوله تعالى: ولكم نصف ما ترك أزواجكم سماها زوجة حال ما أثبت للزوج نصف مالها عند موتها، وإنما ثبت للزوج نصف مالها عند موتها، فوجب أن تكون زوجة له بعد موتها، إذا ثبت هذا وجب أن يحل له غسلها؛ لأنه قبل الزوجية ما كان يحل له غسلها، وعند حصول الزوجية حل له غسلها.

وحجة أبي حنيفة أنها ليست زوجته ولا يحل له غسلها: بيان عدم الزوجية أنها لو كانت زوجته لحل له بعد الموت وطؤها لقوله: إلا على أزواجهم [المؤمنون: 6] وإذا ثبت هذا وجب أن لا يثبت حل الغسل؛ لأنه لو ثبت لثبت إما مع حل النظر وهو باطل لقوله عليه السلام: «غض بصرك إلا عن زوجتك» أو بدون حل النظر وهو باطل بالإجماع. والجواب -والكلام لفخر الدين الرازي- لما تعارضت الآيتان في ثبوت الزوجية وعدمها وجب الترجيح فنقول: لو لم تكن زوجة لكان قوله: نصف ما ترك أزواجكم مجازًا، ولو كانت زوجة مع أنه لا يحل وطؤها لزم التخصيص، والتخصيص أولى، فكان الترجيح من جانبنا، وكيف وقد علمنا أن في صور كثيرة حصلت الزوجية ولم يحصل حل الوطء مثل زمان الحيض والنفاس ومثل نهار رمضان، وعند اشتغالها بأداء الصلاة المفروضة والحج المفروض، وعند كونها في العدة عن الوطء بالشبهة، وأيضا فقد بينا في الخلافيات أن حل الوطء في العدة ثبت على خلاف الدليل لما فيه من المصالح الكثيرة، فبعد الموت لم يبق شيء من تلك المصالح، فعاد إلى أصل الحرمة، أما حل الغسل فإن ثبوته بعد الموت منشأ للمصالح الكثيرة فوجب القول ببقائه والله أعلم.