روضة الصائم

رسائل الرسول إلى الملوك والزعماء - رسالة النبي إلى «يحنه بن روبة.. ويهود مقنا وأهل أذرح»

20 مايو 2019
20 مايو 2019

إعـــداد: مـــــيرفت عزت -

لم يكن «النبي» -صلى الله عليه وسلم- يعرف القراءة ولا الكتابة، بل كان أميا، ولذلك اتخذ كتّاباً من أصحابه -رضي الله عنهم- يكتبون له في مجالات شتى، فمنهم من كتب الوحي، ومنهم من كان يكتب ما يعرض له من حوائج وأمور طارئة، ومنهم من كان يكتب المعاملات وسائر العقود، وكان منهم من يختص للكتابة بين يديه، ومنهم من كان يكتب نيابة عن غيره.

ولما أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يكتب إلى الملوك والأمراء قيل له: إنهم لا يقرؤون كتاباً إلا إذا كان مختوما، فاتخذ خاتماً من فضة، نقش عليه (محمد رسول الله)، وكان النقش ثلاثة أسطر، جاء لفظ (الله) في أعلى الدائرة، وفي الوسط كلمة (رسول)، وفي الأسفل كلمة (محمد).

ولم تكن رسائل النبي -صلي الله عليه وسلم- مؤرخة بتاريخ، إذا لم يكن ثمة تاريخ معتمد أو متفق عليه بين العرب، ومع اتفاق المؤرخين علي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بدأ بإرسال الرسائل مرجعه من الحديبية، فثمة اضطراب في الروايات التي ذكرت تاريخ إرسالها.

يذكر الشيخ عبد الله بن محمد بن حديدة الأنصاري في كتاب المصباح المضيء في كتاب النبي الأمي -صلي الله عليه وسلم- ورسله إلي ملوك الأرض، قال ابن سعد في « الطبقات»: وكتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلي يحنه بن روبة وسروات أهل أيلة:

«سلم أنتم، فأني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، فإني لم أكن لأقاتلكم حتي أكتب إليكم، فأسلم أو اعط الجزية، وأطع الله ورسوله، ورسل رسوله، وأكرمهم وأكسهم كسوة حسنة غير كسوة العزاء، واكس زيداً كسوة حسنة، فمهما رضيت رسلي فإني قد رضيت، وقد علم الجزية، فإن أردتم أن يأمن البحر والبر فأطع الله ورسوله، ويمنع عنكم كل حق كان للعرب والعجم إلا حق الله وحق رسوله، وإنك إن رددتهم ولم ترضهم، لا آخذ منك شيئا حتي أقاتلكم فأسبي الصغير وأقتل الكبير، فإني رسول الله بالحق، أؤمن بالله وكتبه ورسوله، والمسيح ابن مريم إنه كلمة الله، وإني أومن به أنه رسول الله، وآن قبل أن يمسكم الشر، فإني قد أوصيت رسلي بكم، واعط حرملة ثلاثة أوسق شعير، وإن حرملة شفع لكم، وإني لولا الله وذلك، لم أراسلكم شيئاً حتي ترى الجيش، وإنكم إن أطعتم رسلي، فإن الله لكم جار، ومحمد ومن كان منه، ورسلي شرحبيل وأبي وحرملة وحريث بن زيد الطائي، فإنهم مهما قاضوك عليه فقد رضيته، وإن لكم ذمة الله وذمة محمد رسول الله -صلي الله عليه وسلم- والسلام عليكم إن أطعتم، وجهزوا أهل مقنا».

قال: وكتب رسول الله -صلي الله عليه وسلم- إلي بني حينة، وهم يهود بمقنا وإلي أهل مقنا ومقنا قريب من أيلة:

«أما بعد: فقد نزل علي آتبكم راجعين إلي قريتكم، فإذا جاءكم كتابي هذا، فإنكم آمنون، لكم ذمة الله وذمة رسوله، لا ظلم عليكم، وأن رسول الله -صلي الله عليه وسلم- غافر لكم سيئاتكم وكل ذنوبكم، وأن لكم ذمة الله وذمة رسوله، لا ظلم عليكم ولا عدي، وأن رسول الله -صلي الله عليه وسلم- جاركم، ما منع منه نفسه، وأن لرسول الله -صلي الله عليه وسلم- بزكم وكل رقيق فيكم، والكراع والحلقة إلا ما عفا عنه رسول الله، ورسول رسول الله -صلي الله عليه وسلم- وأن عليكم بعد ذلك ربع ما أخرجت نحلكم وربع ما صادت عروككم، وربع ما اغتزل نساؤكم، وأنكم برئتم بعد من كل جزية أو سخرة، فإن سمعتم وأطعتم، فإن علي رسول الله -صلي الله عليه وسلم- أن يكرم كريمكم، ويعفو عن مسيئكم».

أما بعد: فإلي المؤمنين والمسلمين، فمن أطلع أهل مقنا بخير فهو خير له، ومن أطلعهم بشر فهو شر له، وأن ليس عليكم أمير إلا من أنفسكم، أو من أهل رسول الله -صلي الله عليه وسلم-.

وفي تفسير للرسالة الرسول -صلي الله عليه وسلم- في قوله: آتبكم: يعني رسلهم ولرسول الله صلي الله عليه وسلم، بزكم يعني بزه الذي يصالحون عليها في صلحهم. قال الجوهري: بزه يبزه بزاً،سلبه، وفي المثل من عز بز،أي غلب أخذ السلب وابتززت الشيء، أي: استلبته، والبز من الثياب أمتعة النساء البز، والبز السلاح أيضاً والبزة ورقيقهم، قال الجوهري: الرق بالكسر: من الملك والعبودية والشيء الرقيق أيضاً، ويقال للأرض اللينة رق. والحلقة: ما جمعت الدار من السلاح أو مال. وأما عروكهم، فالعروك: خشب يلقي في البحر يركبون عليها فيلقون شباكهم يصيدون السمك. قال الجوهري: والعرك: الصيادون.

روي بابن سعد بسنده عن عبد الله بن جابر عن أبيه قال: رأيت علي يحنة بن روية يوم أتي إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم صليباً من ذهب، وهو معقود الناصية، فلما رأي رسول الله صلي الله عليه وسلم كفر وأوماً برأسه، فأوماً إليه النبي صلي الله عليه وسلم أن أرفع رأسك، وصالحه يومئذ وكساه رسول الله صلي الله عليه وسلم برد يمنية، وأمر بإنزاله عند بلال.

قال محمد بن عمرو: نسخت كتاب أهل أذرح، فإذا فيه: « بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد النبي لأهل أذرح أنهم آمنون بأمان الله وأمان محمد صلي الله عليه وسلم، وأن عليهم مائة دينار في كل رجب وافية طيبة، والله كفيل عليهم بالنصح والإحسان للمسلمين، ومن لجأ إليهم من المسلمين من المخافة والتغرير إذا خشوا علي المسلمين، وهم آمنون حتي يحدث إليهم محمد قبل خروجه، يعني إذا أراد الخروج». قال : ووضع رسول الله صلي الله عليه وسلم الجزية علي أهل أيلة ثلاثمائة دينار كل سنة، وكانوا ثلاثمائة رجل، وكتب لأهل جربا أيضا، وكتب لأهل مقنا أن عليهم ربع غزولهم وربع ثمارهم.قال: وأهل مقنا وجريا وأذرح يهود علي ساحل البحر. قال البكري: أيلة مدينة علي شاطئ البحر في منتصف ما بين مكة ومصر، وسميت أيلة ببنت مدين بن إبراهيم عليه السلام، وروي أنها القرية التي كانت حاضرة البحر.

أما أذح: مدينة تلقاء الشراة من أذاني الشام. قال ابن وضاح: أذرح بفلسطين،وبها بايع الحسن بن علي معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وأعطاه معاوية مائة ألف دينار، وافتتحت أذرح صلحاً علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم، وكانت تؤدي إليه الجزية، وكذلك دومة الجندل والنجران وهجر.