1217869
1217869
روضة الصائم

حرف وصناعات : صـيـد الأسـمـاك

13 مايو 2019
13 مايو 2019

إعـــــــــداد: حمادة السعيد -

هذه الحلقات المكتوبة إنما هي إشارات سريعة وعاجلة، للفت الأنظار إلى قضية مهمة في زمنِ البطالة لتوجيه أنظار الباحثين عن العمل إلى المهن والحرف وعدم احتقارها أو التهوين من شأنها فلقد حث الإسلام على العمل أيًّا ما كان نوعه، شريطة أن يكون بهذا العمل نافعًا لنفسه والآخرين غير ضار لأحد ،ويكفي هؤلاء الذين يعملون بالحرف والصناعات شرفا وفخرا وعزة وكرامة أن أشرف خلق الله وأفضلهم وهم الأنبياء والرسل قد عملوا بحرفة أو امتهنوا مهنة.

ولقد أشار القرآن الكريم في آياته إشارات واضحة ومباشرة أو ضمنية تفهم في مجمل الآية إلى بعض الحرف والصناعات كذلك حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وحين يشير القرآن تصريحا أو تلميحا إلى أمر ما فهو أمر مهم وعظيم فالقرآن لا يتحدث إلا عن عظيم ومن الحرف التي أشار إليها القرآن الكريم في آياته «صيد السمك»

لقد وردت حرفة صيد السمك في القرآن الكريم ضمنيا وجاء ذلك في سورة المائدة قال الله تبارك وتعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيارَة وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96)) المائدة. كذلك وردت في قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا النحل: 14 وفي قوله تعالى: وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا [فاطر: 12.

أما آية المائدة فيقول محمد الأمين في تفسيره المعروف بحدائق الروح والريحان «والخطاب في قوله: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} إما لكل مسلم أو للمحرمين خاصة ـ الإحرام يكون في الحج والعمرة ـ أي: أحل لكم أيها الناس صيد جميع المياه العذبة والملحة بحرًا كان أو نهرًا أو غديرًا؛ أي: اصطياد صيد الماء والانتفاع به بأكله، واصطياده لأجل عظامه وأسنانه، وأحل لكم طعام البحر؛ أي: أكله، فالصيد هو ما صيد بالحيلة حال حياته ثم مات. والطعام ما يوجد مما لفظه البحر، أو نضب عنه الماء، ويحصل من غير معالجة في أخذه. والمعنى: وأحل لكم ما صيد من البحر ثم مات، وما قذفه البحر ميتًا، وروي هذا المعنى عن ابن عباس وابن عمر وقتادة.

والخلاصة: أن المراد بطعامه عندهم: ما لا عمل للإنسان فيه ولا كلفة في اصطياده؛ كالذي يطفو على وجهه، والذي يقذف به إلى الساحل، والذي ينحسر عنه الماء وقت الجزر، ولا فرق بين حيه وميته.

فجميعه حلال على اختلاف أجناسه وأنواعه. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في البحر: «هو الطهور ماؤه، والحل ميتته» أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي. ولا فرق بين أن يموت بسبب أو بغير سبب، فيحل أكله».

ويقول سيد طنطاوي في تفسيره المعروف بالتفسير الوسيط: المراد بالبحر: ما يشمل جميع المياه العذبة والملحة سواء أكانت أنهارا أم غدرانا أم غيرهما. والمراد بالصيد: الاصطياد أو ما يصاد منه. والمراد بطعامه: ما يطعم من صيده. وقيل: المراد بصيد البحر ما أخذ بحيلة، وبطعامه ما ألقاه البحر من حيواناته أو انحسر عنه الماء وأخذه الآخذ من غير حيلة أو معالجة. والمراد بالسيارة: القوم المسافرون.

والمعنى: أحل الله لكم أيها المحرمون صيد البحر كما أحل لكم أكل ما يؤكل منه، لأجل تمتعكم وانتفاعكم بذلك في حال إقامتكم وفي حال سفركم فأنتم تتمتعون بهذه النعم مقيمين ومسافرين، وذلك يقتضى منكم الشكر لله لكي يزيدكم من هذه النعم.

قال ابن كثير ما ملخصه: وقد استدل الجمهور على حل ميتة البحر بهذه الآية وبما أخرجه الشيخان عن جابر قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا قبل الساحل، فأمر عليهم أبا عبيدة وهم ثلاثمائة - قال: وأنا فيهم - قال فخرجنا حتى إذا كنا ببعض الطريق فني الزاد. قال: ثم انتهينا إلى البحر فإذا حوت كبير. فأكل منه ذلك الجيش ثماني عشرة ليلة. فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له فقال: هو رزق أخرجه الله لكم. هل معكم من لحمه شيء فتطعمونا؟ قال: فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكله.

وأخرج الإمام أحمد وأهل السنن ومالك والشافعى عن أبى هريرة: أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله!! إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء. فإن توضأنا به عطشنا أنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هو الطهور ماؤه الحل ميتته». وقد احتج بهذه الآية أيضا من ذهب من الفقهاء إلى أنه تؤكل دواب البحر ولم يستثن من ذلك شيئا.

وأما آية النحل فيقول الشعراوي في تفسيره «ومن بعض عطاءات الحق سبحانه أن يأتي المد أحيانا ثم يعقبه الجزر؛ فيبقى بعض من السمك على الشاطئ، أو قد تحمل موجة عفية بعضا من السمك وتلقيه على الشاطئ. وهكذا يكون العطاء بلا جهد من الإنسان، بل إن وجود بعض من الأسماك على الشاطئ هو الذي نبه الإنسان إلى أهمية أن يحتال ويصنع السنارة؛ ويغزل الشبكة؛ ثم ينتقل من تلك الوسائل البدائية إلى التقنيات الحديثة في صيد الأسماك.

وحول آية فاطر يقول مجير الدين المقدسي الحنبلي في تفسيره المعروف بفتح الرحمن في تفسير القرآن «ثمّ ضرب مثلًا للمؤمن والكافر فقال: (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ) يعني: العذب والمالح، ثمّ ذكرهما. فقال: (هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ) طيب يكسر العطش. (سَائِغٌ شَرَابُهُ) لذيذ سلس الدخول في الحلق.(وَهَذَا) أحدُهما (مِلْحٌ أُجَاجٌ) شديد الملوحة. (وَمِنْ كُلٍّ) منهما (تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا) هو السمك، وصف بالطراة؛ لتسارع الفساد إليه، فيسارع إلى أكله طريًّا.

فسبحان الله لقد جعل الله هذه الحرفة وهي صيد السمك من الحرف التي سخر الله لها البحار والأنهار وذلك لعظيم الفائدة التي تعود على المجتمع من غذائه وما تتقوى به أجسادهم كذلك أهمية هذه الحرفة لمن يحترفها في إيجاد الرزق له رزقا حلالا طيبا مباركا له فيه ومن أجل الحصول عليه سخر له البحار والأنهار.

وليتأمل كل منا حال الجسم إن غاب عنه هذا العنصر الغذائي المهم لجسده فكيف يكون الحال حينما نفقد هذه الحرفة في مجتمعنا بفقد محترفيها؟.

فهذا هو هدي نبينا فمن اتبع هذا الهدى عاش كريما وكفى بصاحب الحرفة فخرا أن أفضل خلق الله وهم الأنبياء والرسل كانوا يأكلون من عمل يدهم وقد عملوا بحرفة أو امتهنوا مهنة.