روضة الصائم

الصوم لي وأنا أجزي به

10 مايو 2019
10 مايو 2019

يحيى بن سالم الهاشلي -

إمام وخطيب جامع السلطان قابوس بروي -

يعد الصوم من أجل العبادات التي تزكي النفوس وتعينها على نيل درجة التقوى، وصوم رمضان هو الركن الرابع من أركان الإسلام، وجاء فرضه في الكتاب العزيز وفي السنة المطهرة، واختصت السنة بذكر فضائل الصيام والترغيب به، كما بينت ما ينبغي للصائم أن يكون عليه من حال في صيامه وما يجتنب.

فمما ورد في حكم صوم شهر رمضان (أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَائِرَ الرَّأْسِ، فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ ؟ فَقَالَ : شَهْرَ رَمَضَانَ، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ ؟ فَقَالَ: فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ، قَالَ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ لَا أَتَطَوَّعُ شَيْئًا وَلَا أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ، أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ إِنْ صَدَقَ، (وعن جزاء صوم شهر رمضان جاءت عدة أحاديث مبينة له ففي الحديث: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَلَوْ عَلِمْتُمْ مَا فِي فَضْلِ رَمَضَانَ لَتَمَنَّيْتُمْ أَنْ يَكُونَ سَنَةً )، بل يخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن جزاء لا يحصيه إلا الخالق سبحانه فيقول: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : «إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ ، وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ )، كما خص أهل الصيام بكرامة يوم القيامة يخبر عنها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ : أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ )، فمن هنا يظهر ما للصوم من أهمية في حياة المسلم إذ هي عبادة متجهة لتهذيب النفس بترك المشتهيات من المباحات، وتعويدها الصبر على كبح جماح الغرائز الجسدية، ويشير النبي صلى الله عليه وسلم لهذا المعنى بقوله :(الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلَا يَرْفُثْ، وَلَا يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ ، يَتْرُكُ طَعَامَهُ، وَشَرَابَهُ ، وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي الصِّيَامُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا). إن مقصود عبادة الصوم من المسلم أن يحقق التقوى في نفسه إذ قال سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ، ولهذا لا يكون الصوم فقط بترك الطعام والشراب والإمساك عنهما، واطلاق الجوارح فيما بعد في ما نهي عنه مفطرا كان أو صائما، لذلك يصرح النبي صلى الله عليه وسلم بأن هذا ليس من الصوم في شيء فيقول: (رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ) بل يؤكد أن (وَلا صَوْمَ إِلا بِالْكَفِّ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ (،ويخص النبي صلى الله عليه وسلم معاصي اللسان بالتحذير منها في حال الصوم كون الكثير لا يلقي بالا لمنطوق شفتيه فيكون ذلك سببا لبطلان ثواب صومه وضياع عمله، فيقول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ)، وقال: (الْغِيبَةُ تُفْطِرُ الصَّائِمَ ، وَتَنْقُضُ الْوُضُوءَ).

ولا يقتصر الصوم كعبادة على صوم رمضان الواجب، بل قد سن النبي صلى الله عليه وسلم صيام أيام محددة لفضلها كصيام يوم عرفة ويوم عاشوراء، فورد عنه في فضل صوم عرفة قوله: ( صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ)، وورد في فضل صوم عاشوراء حديث: ( مَنْ صَامَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ كَانَ كَفَّارَةً لِسِتِّينَ شَهْرًا، أَوْ عِتْقَ عَشْرِ رَقَبَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ )، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتبع صوم شهر رمضان بصيام ستة أيام من شوال كما ورد: ( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِسِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ، فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ كُلَّهُ)، كما كان من سنته صيام الإثنين والخميس من كل أسبوع، وصيام الثلاثة الأيام البيض من كل شهر، وكان من سنته الإكثار من الصيام في غير الأيام المنهي عن صيامها، وما ذلك إلا لعظيم ثواب الصوم عند الله إذ قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا).