روضة الصائم

سماع الدعوى لعدم المبادرة للإنكار «4»

09 مايو 2019
09 مايو 2019

فضيلة الشيخ زهران بن ناصر البراشدي -

قاضي المحكمــــة العــليا -

في: الديوان « إذا مات رجل وترك أولاده ذكورا وإناثا فخرجت إحدى البنات ولم تحي نصيبها حتى ماتت فقعد إخوتها لأولادها قسموا ما ينوبها من الميراث على الرؤوس الذكر والأنثى سواء، وإن ترك ابنا وبنتا فخرجت الأخت ولم تحي نصيبها حتى ماتت وتركت ورثتها فمات أخوها بعدها، وترك أولاده ذكورا وإناثا وامرأته، قسموا ما ناب عمتهن من مال جدهم كميراث أبيهم للذكر مثل حظ الأنثيين، وإن مات أبوهم وماتت عمتهم بعده ولم تحي نصيبها فإنهم يقسمون ما نابها من ميراث أبيها كما يقسمون ميراث أبيهم، وإذا خرجت الأخت عن إخوتها ولم تحي نصيبها من الميراث فماتت وتركت ابنتها وإخوتها فإنهم يقسمون ما نابها من ميراث أبيها على الرؤوس، ورثوا منها أو لم يرثوا، وإن مات عن ذكور وإناث فخرجت اثنتان بتزويج فماتت إحداهما ولم تحي نصيبها فقامت الحية إلى إخوتها فقالت: آخذ معكم في نصيبها فلا تدخل إليهم في ذلك، وكذا إن ماتتا جميعا فقال ورثتها: ندخل معكم في نصيبها... »

(ومن ترك ابنا وبنتا) فتزوجت (فخرجت لزوجها فباع الأخ المال أو بعضه، أدركت إرثها عند مشتريه) إن لم يقبض الثمن، وإن قبضه أدركت عنده لا عند المشتري، وإن قبض بعضا أدركت سهمها مما قبض والباقي من المشتري، فعلى القول بفسخ البيع ينفسخ البيع كله، فتنزع المبيع كله من يد المشتري لأجل سهمها، وعلى القول بثبوته في نصيب الأخ تدرك نصيبها عند المشتري بالقسمة، أو تشترك معه بنصيبها، وعلى القول بثبوت البيع في الكل تدرك ثمن نصيبها عند المشتري إذا صح أنها وارثة عنده، وإن شاءت أدركت عند الأخ، وكلام المصنف شامل لذلك كله، لأن حاصله أنها ترفع المشتري من سهمها، سواء أصح بيع سهم أخيها أم بطل.

(وإن مات ولم تحيه)، أي لم تحي إرثها (فيه)، أي في المال، أي لم تحي ميراثها من جملة المال (عنده)، أي عند المشتري، (لم يدركه أولادها) عنده (كما لا تدركه عند أولاده)، أي أولاد المشتري، (إن مات) المشتري (إلا بإحياء في حياته)، أي حياة المشتري.

وفي الديوان «وإن باع إخوتها جميع ما ترك أبوهم من الأصل ولم تغير ذلك عليهم حتى ماتت فطلب أولادها إلى أخوالهم نصيب أمهم فلا يدركون عليهم شيئا، وكذا إن مات إخوتها بعدما ما باعوا تركة أبيهم فطلبت إلى ورثتهم نصيبها الذي باع إخوتها، وإن استحق الإخوة مال أبيهم بعد ما خرجت أختهم فماتت أو أمر لهم به من كان عنده فلا يقعدون فيه لأولادها، فإن طلبوا إلى أخوالهم إرث أمهم فأقروا لهم بتسمية منه أو بشيء معين من مال أبيهم أدركوا عليهم نصيبها كله وقيل: ما أقروا به لهم.

سئل الشيخ العلامة أحمد بن سعيد بن خلفان رضي الله عنه في طبيب يداوي رجلا عليلا، فلما مات العليل قال الطبيب: اشتريت له أدوية، وقد كان أخذ منه دراهم، هل يكون مصدّقا في ذلك، بيّن لنا ذلك؟

الجواب: وعندي أن هذا الطبيب إذا كان أخذ تلك الدراهم يشتري بهنّ دواء لذلك المريض العليل، فإن لم يأتهم به في حياته فدعواه بعد مماته أو بعد معافاته غير مسموعة، ويحكم عليه بردها إلى من دفعها إليه. وإذا لم يكن الدواء شيئا معلوما أمروه بشرائه من الأدوية والعقاقير مما لم يرجعوا عليه ويؤخروه عن شرائه فقوله مقبول في شرائه إذا كان اشتراه؛ فالقول قوله إذا لم يكن الأمر من المريض نفسه.

قلت: ويدل لقول من يقول بسقوط الدعوى بمرور المدة القاعدة المشهورة «ترك النكير ممن له النكير -مع القدرة عليه- حجة»

و« السكوت في معرض الحاجة إلى البيان بيان»: فقد قال بهذا جهابذة العلماء قديما وحديثا منهم: العلامة أبو المنذر بشير بن محمد بن محبوب الرحيلي المخزومي القرشي وكان هو وأخوه الشيخ عبد الله بن محمد والد الإمام سعيد ابن عبد الله من كبار علماء عُمان، في القرن الثالث الهجري والغاية في العلم والفضل في أهل زمانهم. ومن قواعده المأثورة عنه والمشهورة قوله: «ترك النكير ممن له النكير حجة وإظهار النكير حجة» وفي رواية «ترك النكير ممن له النكير حجة عليه»

قال العلامة عبدالله الحضرمي في الكوكب: «الحجة لمن قال بترك النكير باليد واللقَن على من يستطيعه لأن الإنسان ممنوع من إلقاء نفسه إلى التهلكة وممنوع من تضييع ماله لنهيه صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال.

قال أبو سعيد الكدمي رضي الله عنه: وفي ترك النكير كله حجة ممن تركه، لمن لم تقم عليه به في السلامة له في الحكم الظاهر، والسلامة فيه، لمن انتبه على حاله، ولو ظهرت منه دعاوى بما ليس له فيها حجة في الحكم، إلا أن يقر له خصمه، فلما لم ينكر عليه خصمه احتمل عدله وجوره، وكذلك من خصمه إذا لم يقر له بما يدعيه عليه، ولو لم تقم الحجة عليه بالنكير، فيما هو حجة عليه، احتمل أنه محجوج، وأنه كاذب وصادق من ادعى عليه، واحتمل أنه محق ضعيف عن القيام بالحجة، واحتمل أنه محق مضيع ما يلزمه بجهل ما يلزمه...» وإنما يكون النكير وترك النكير حجة في كل أصل يحتمل فيه الحق والباطل، من أحكام الدعاوى من جميع الأمور، وهو الأصل المشكوك.

وأما كل أصل لا يقع موقع الشكوك، وكان واضحا، فهو قائم بنفسه، والمخالف فيه مخالف للعدل، وذلك فيما يكون فيه الحق واحدا، من دعوى الأصول، أو من حكم البدع في الدين، فإذا كان الأصل مجتمعا عليه في معنى حكمه، لم يضره النكير في تخطيه ولا في الخلاف عليه. والحق فيه ما وافق الأصل الذي هو عليه، ولو اجتمع على نقضه جميع الخلق، فلن يكون ذلك، ولكن لو كان ذلك لما كانوا حجة، في نقض الأصل المجتمع عليه بالحق. وكذلك الأصول المجتمع عليها، لا ينفعها تصويب من صوبها، وحكم من حكم بتصويبها، ولو اجتمع على تصويبها الخلق كلهم، ولن يجتمعوا أبدا.

وإنما النكير حجة وتركه حجة في معاني ما يحتمل الحق والباطل، في حين أن ما يكون حجة إذا ثبت الحكم عند النكير ثبت الحكم، وكان إظهار النكير بعد ثبوت الحكم دعوى لا حجة، ولو ثبت الحكم على معنى الاحتمال.