1214364
1214364
روضة الصائم

نفحات إيمانية: الزواج طاعة لله

08 مايو 2019
08 مايو 2019

حمادة السعيد -

الأسرة هي أساس المجتمع, لذلك اهتم الإسلام ببنائها أشد الاهتمام ووضع لها رسول الله صلى الله عليه وسلم خطوات تسير عليها وحقوق تحترم من جميع أعضائها.

ولما كان الزواج هو السبيل المشروع لتحقيق رغبة كل من الجنسي تجاه الآخر وحفظا للنسل وتحقيق حكمة الله بأن جعل الإنسان خليفة له في الأرض رغب الإسلام في الزواج وجعل صاحبه مأجور على الزواج ، كما أنه يغلق عليه باب الفتنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثناء بيانه لما يثاب به العبد وتكتب له به الحسنات: [وفي بضع أحدكم صدقة]، والبضع هو من المباضعة - والمباضعة: هي الجماع- قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: [أرأيتم إن وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في حلال كان له بها أجر]، وهذا الحديث يبين أن الزواج من المباح الذي يتقرب به العبد إلى الله سبحانه وتعالى وكذلك قول رسول صلى الله عليه وسلم: [دينار تنفقه على أهلك، ودينار تنفقه على مسكين، ودينار تنفقه في سبيل الله، أعظمها أجراً الذي تنفقه على أهلك] (رواه مسلم). وفي هذا بيان أن النفقة على الأهل ومنهم الزوجة والولد من أحب النفقات وأعظمها أجراً عند الله سبحانه وتعالى وهذا كله إذا ابتغى المسلم وجه الله سبحانه وتعالى وجدد نيته وعقدها على ذلك لما جاء في حديث سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: [واعلم أنك لن تنفق نفقة صغيرة ولا كبيرة تبتغي بذلك وجه الله إلا أجرت عليها حتى اللقمة تضعها في فم امرأتك] (متفق عليه).

جاء في كتاب»الزواج في ظل الإسلام» لعبد الرحمن بن عبد الخالق اليوسف :هناك من يرى وجوب الزواج وأن من تركه مع القدرة عليه فهو آثم مستدلين بعدد من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وهذا رأي ابن حزم وقول من أقوال الإمام ابن حنبل وعموم الفقهاء والأئمة على استحباب ذلك ولكن لا يخفى مع هذا أن من تركه زهادة فيه وهو آمن على نفسه من الفتنة وانشغالاً بأعمال أخرى من البر والدعوة والجهاد فنرجو ألا يكون مثل هذا آثماً بتركه. فقد جعل الخالق سبحانه استمرار النوع الإنساني على الأرض منوطاً بالتزواج، واستمرار النوع هدف وغاية للخالق سبحانه وتعالى كما قال جل وعلا عن نفسه في سورة السجدة آيتين 7،8: {الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين} ، ولذلك أيضاً جعل الله سبحانه وتعالى الإضرار بالنسل من أكبر الفساد في الأرض كما قال تعالى: {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد} سورة البقرة الآية 205.

والنسل الذي يصلح لعمارة الأرض وخلافتها وسكناها هو النسل الذي يأتي بطريق نكاح لا بطريق سفاح، فالنسل السوي هو نسل النكاح. وأما نسل السفاح فهو مسخ يشوه وجه الحياة ويشيع فيها الكراهية والمقت. ولا يغيب عن بال قارئ مثقف في عصرنا ما يعانيه العالم الآن من أولاد السفاح الذين خرجوا إلى الأرض بأجسام بشرية وبنفوس حيوانية مريضة ملتوية، قد فقدت الحنان في طفولتها ولم تعرف الأرحام والأقارب فغابت عنها معاني الرحمة.

والنكاح بأصوله وحدوده وقواعده كما شرعه الله سبحانه وتعالى هو الوسيلة السليمة لاستمرار النوع الإنساني وبقائه وقد أمرنا سبحانه بابتغاء النسل عند معاشرة النساء حيث قال سبحانه في سورة البقرة آية 187: «أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ و....» فيهيئ الزواج لكل من الرجال والنساء متعة من أعظم متع الدنيا فهي سكن وراحة نفسية، وإمتاع ولذة جسدية. قال تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} الروم: 21. والسكن إلى المرأة يشمل سكن النفس وسكن الجسم والمودة والرحمة من أجمل المشاعر التي خلقها الله فإذا وجد ذلك كله مع الشعور بالحل والهداية إلى الفطرة ومرضاة الله سبحانه وتعالى كملت هذه المتعة ولم ينقصها شيء، وقد ساعد على ذلك بالطبع الأصل الأول للخلق، وغريزة الميل التي خلقها الله في كل من الذكر والأنثى للآخر وابتغاء هذا المتاع، والسكن بالزواج مطلوب شرعاً والاستمتاع بالنساء لا ينافي التعبد الكامل بل هذا النبي صلى الله عليه وسلم سيد العابدين والمتقين يقول: [حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة]. فمحبة الطيب والنساء لم تمنعه صلوات الله وسلامه عليه أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم للعالمين وأن يكون سيد العابدين المتقين والشاهد من هذا كله أن متع الزواج الحسية والنفسية من خير ما خلق الله من متاع لعباده في الدنيا، وابتغاء هذا المتاع وفق تشريع الله وهديه من الأسباب التي توصل إلى مرضاة الله سبحانه.

وجاء في كتاب «سبل الوفاق إلى أحكام الزواج والطلاق» للدكتور صلاح محمد سالم أن للزواج فوائد منها الولد؛ وهو الأصل وله وضع النكاح، والمقصود إبقاء النسل وألا يخلو العالم عن جنس الأنس، وإنما الشهوة خلقت باعثة مستحثة، فالحكمة اقتضت ترتيب المسببات على الأسباب مع الاستغناء عنها إظهاراً للقدرة، وإتماماً لعجائب الصنعة، وتحقيقاً لما سبقت به المشيئة، وحقت به الكلمة وجرى به القلم، ومن ثمار تحقيق الولد رغم الأمن من الفتنة، موافقة محبة الله بالسعي في تحصيل الولد لإبقاء جنس الإنسان وطلب محبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تكثير أمته ومباهاته بهم، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -:تزوجوا الولود الودود، فإني مكثر بكم الأمم، وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال - صلى الله عليه وسلم -: (تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة، ولا تكونوا كرهبانية النصارى). وطلب التبرك بدعاء الولد الصالح بعده، ولا يوصل إلى الولد إلا بالنكاح، ودعاء المؤمن لأبويه مفيد براً كان أو فاجراً، فهو مثاب على دعواته وحسناته، فإنه من كسبه وغير مؤاخذ بسيئاته، فإنه لا تزر وازرة وزر أخرى؛ ولذلك قال - جل جلاله -: «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ « أي ما نقصناهم من أعمالهم وجعلنا أولادهم مزيداً في إحسانهم. ثم طلب الشفاعة بموت الولد الصغير إذا مات قبله.