روضة الصائم

كسرى ملك الفرس .. أسلم تسلم فإن أبيت فان عليك اثم المجوس

07 مايو 2019
07 مايو 2019

رسائل الرسول إلى الملوك والزعماء -

إعـــــــداد: مـــــــيرفت عزت -

في كتاب «رسائل ورسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والأشراف»، يقول شيخ الإسلام الإمام، أبو الفرج عبد الرحمن بن على، عن الشفاء بنت عبدالله- رضي الله عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعث عبدالله بن حذافة السهمي رضي الله عنه منصرفه من الحديبية إلى كسرى، وبعث معه كتاباً مختوماً. أرسله فى أوائل المحرم سنة سبع للهجرة.

وعبد الله بن حذافة بن قيس السهمى القرشى، يكنى أبا حذافة، أسلم مع بدء الدعوة، هاجر إلى الحبشة مع الفوج الثانى، وكان معه أخوه خنيس زوج حفصة بنت عمر رضى الله عنهما، شهد غزوة بدر، وفي خلافة عمر رضى الله عنه أسره الروم، فأغري وعذب ليدخل فى النصرانية فأبى، وهو محارب وشاعر ذو دعابة مستحبة، اختاره النبي صلى الله عليه وسلم لحمل هذه الرسالة لأنه كان يتردد في أسفاره على بلاد فارس، شهد فتح مصر، وعاش بها إلى أن توفي في خلافة عثمان رضي الله عنه سنة 33هـ-653م.

نص الرسالة:

«بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد عبدالله ورسوله، إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأدعوك بدعاء الله، فإني رسول الله إلى الناس كافة، لأنذر من كان حيا، ويحق القول على الكافرين. فأسلم تسلم، فإن أبيت، فإن عليك إثم المجوس».

وفي مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة لمحمد حميد الله، وقد وردت في صحيح البخاري، أن ثمة اختلاف في بعض كلماتها، ففي بعض الروايات من محمد رسول الله بدلاً من «عبد الله ورسوله»، وفي بعضها «عظيم الفرس» بدلاً من «عظيم فارس»، وفى بعضها «أسلم» بدلا من «فأسلم»، وفي بعضها «فإنما عليك» بدلاً من «فإن عليك». والمجوسية- بالفتح- نحلة، والمجوسي منسوب إليها، والجمع مجوس.

يذكر الشيخ عبدالله بن محمد بن حديدة الأنصاري في كتاب المصباح المضيء في كتاب النبي الأمي صلى الله عليه وسلم ورسله إلى ملوك الأرض: أما كسرى فاسمه أبرويز هرمز بن أنو شروان ومعنى أبرويز المظفر، وهو الذي كان غلب الروم، فأنزل الله تعالى في قصتهم:« ألم غلبت الروم في أدنى الأرض»، وأدنى الأرض هي بصرى وفلسطين، وأذرعات من أرض الشام، واغتيل في السجن سنة 628م.

ولما قدم عبدالله بن حذافة على إيوان كسرى، وطلب الإذن بالدخول عليه لتسليم الرسالة، وأبى أن يسلمها إلا إليه، فلما دخل ورأى كبرياءه وكبرياء أصحابه قال: يا معشر الفرس، إنكم عشتم بأحلامكم لمدة أيامكم بغير نبي ولا كتاب.

ثم خاطب الملك فقال: ولا تملك من الأرض إلا ما في يدك، وما لا تملك منها أكثر، وقد ملك الأرض من قبلك ملوك أهل دنيا وأهل آخرة، فأخذ أهل الآخرة بحظهم من الدنيا، وضيع أهل الدنيا حظهم من الآخرة، فاختلفوا في سعى الدنيا، واستووا في عدل الآخرة، وقد صغر هذا الأمر عندك أنا أتيناك به، وقد والله جاءك من حيث خفت، وما تصغيرك إياه بالذي يدفعه عنك، ولا تكذيبك به بالذي يخرجك منه، وفي وقعة ذي قار على ذلك دليل.

ثم دفع إليه الرسالة، فلما قرئت عليه مزقها وألقاها على الأرض وقال: لي ملك هنيّ، ولا أخشى أن أغلب عليه، ولا أشارك فيه، وقد ملك فرعون بني إسرائيل، ولستم بخير منهم، فما يمنعني أن أملككم وأنا خير منه؟ فأما هذا الملك، فقد علمنا أنه يصير إلى الكلاب، وأنتم أولئك تشبع بطونكم وتأبى عيونكم، فأما وقعة ذي قار، فهي بوقعة الشام.وكان عبدالله قد التقط الرسالة بعد أن رماها كسرى، وضمها إلى صدره، ثم أخذها معه وانصرف عائداً إلى المدينة، فلما أخبر النبي- صلى الله عليه وسلم- بذلك دعا عليهم أن يمزقوا كل ممزق.

عن ابن عباس رضى الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابه إلى كسرى مع عبدالله بن حذافة السهمي، فأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه مزقه.

وفي حديث ابن عباس رضى الله عنه عن البخاري، أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: مزق ومزقت أمته.

ومن شعر عبدالله بن حذافة في رسالته إلى كسرى وقدومه عليه:

أبى إلا أن كسرى فريسة

لأول داع بالعراق محمدا

تقاذف فى فحش الجواب مصغرا

لأمر الغريب الخايصين له الردا

فقلت له أورد فإنك داخل من اليوم في البلوى ومنتهب غدا

فاقبل وأدبر حيث شئت فإننا لنا الملك فابسط للمسالمة اليدا

وإلا فأمسك قارعا سن نادم أقر بذل الخرج أو مت موحـدا

سفهت بتمزيق الكتاب وهذه يتمزق ملك الفرس كفى مبـددا

وفي دراسة لرسالة الرسول- صلى الله عليه وسلم- فقد كتبت بالمداد الأسود على رق مصقول مستطيل الشكل، بخلاف سائر الرسائل، وموقع الخاتم فيها مرتفع إذا قورنت بالرسائل الأخرى، وهي مكونة من خمسة عشر سطراً، واثنتين وخمسين كلمة مع كلمات الخاتم، والأسطر فيها غير مستقيمة، وبخاصة اليسرى، فإنها تميل إلى الارتفاع، والأحرف غير متماسكة، والكتابة ليست متناسقة، فبعض الكلمات صغير، وبعضها أكبر حجماً، فيها شق طولي، يخترق النصف، فإنه لما كان لا يتمزق بسهولة، اكتفى بتمزيقها من الوسط وإلقائها إلى الأرض، وقد محى – أو كاد – جزء كبير من الكتابة في الطرف العلوي من الشق، وتدل الحالة التي وصلت إليها الرسالة على أنها لم تحفظ بصورة جيدة، مما أدى إلى تآكل أطرافها ومحو العديد من كلماتها.