أفكار وآراء

أمريكا والجولان وإحياء عصور الاستعمار

30 أبريل 2019
30 أبريل 2019

عاطف الغمري -

بعد حوالي 60 عاما من احتفال العالم والأمم المتحدة بتصفية الاستعمار، ونهاية عهوده المناقضة لحقوق الإنسان، وللقوانين والمواثيق الدولية، تأتي الولايات المتحدة الآن لتضفي شرعية ليس لها أي أساس إنساني أو قانوني، على الاستعمار الجديد الذي تمارسه إسرائيل في الأراضي العربية المحتلة، بالقرار الذي أصدره الرئيس ترامب بالاعتراف بالجولان السورية المحتلة جزءا من إسرائيل.

وطبقا لتقارير الأمم المتحدة، والدراسات الدولية العديدة حول هذه الظاهرة، يتضح عدم وجود أي فروق بين الممارسات الإسرائيلية المدعومة بمواقف أمريكية، وبين الاستعمار الذي نبذه العالم منذ إعلان تصفيته.

وطبقا لما تنص عليه القوانين الإنجليزية في تعريف الاستعمار الاستيطاني، فهو عملية تقوم فيها دولة ما، بفرض سيطرتها على إقليم أو أكثر من أراضي آخرين.

وكما جاء في تقارير الأمم المتحدة مؤخرا، فإن الاستعمار الاستيطاني هو ممارسته لإخضاع شعب آخر والسيطرة عليه سياسيا واقتصاديا.

وكان عام 1960 قد تم تعريفه بأنه عام إفريقيا، نسبة إلى سلسلة الأحداث التي شهدها هذا العام، ممثلة في استقلال 17 دولة إفريقية، وتتويج لانتصار حركات التحرر الوطني في إفريقيا.

وفي الوقت نفسه أعلنت اللجنة الخاصة بتصفية الاستعمار التابعة للأمم المتحدة، إن تصفية الاستعمار كانت عملية لتقرير المصير، ولتأكيد حقوق الإنسان، بسقوط الإمبراطوريات الاستعمارية الأوروبية.

ثم يفاجأ العالم بعد هذه السنوات، بخطوة معادية لتصفية الاستعمار، ليس فقط بإعلان ترامب ضم الجولان لإسرائيل، بل أيضا بنشر إدارته خريطة رسمية جديدة لإسرائيل، تظهر ضم الجولان لإسرائيل، في تدشين لنوع من الاستعمار الجديد، وبالصورة نفسها الاستعمار القديم وبكل تفاصيلها.

وإذا كانت إسرائيل تتعلل في احتلالها الجولان، وأطماعها في ضمها إليها، بموقعها الاستراتيجي بالنسبة لأرض إسرائيل، إلا أن هناك هدفا استعماريا يزيد أهمية بالنسبة لها وهو استغلال أراضي الجولان الخصبة والغنية بالثروات الزراعية، وبالمياه، وحيث إن مياه الجولان تمثل منذ وقت احتلالها نسبة 50% من مصادر إسرائيل من المياه، بالإضافة إلى قيام إسرائيل في عام 2013، بإنشاء شركة AFEK للتنقيب عن البترول والغاز في الجولان، وحيث أعلنت هذه الشركة أن بترول الجولان سيغير من مستقبل اقتصاد إسرائيل.

ومنذ احتلال الجولان عام 1967، أنشأت إسرائيل 34 مستوطنة و 167 مشروعا اقتصاديا في الجولان، وأقدمت على هدم البنية السكانية هناك، وشردت 130 ألف سوري من بيوتهم، وهجرت 400 ألف آخرين.

وأصبح المستوطنون اليهود يسيطرون على اقتصاد الجولان، الذي تشمل منتجاته اللحوم، والفواكه، والمياه المعدنية، وكلها تمثل جزءا مهما من احتياجات الدولة الإسرائيلية، كما أنها تصدر 20% من إنتاج مستوطنات الجولان إلى 20 دولة، منها كندا، وأستراليا، والولايات المتحدة، وبعض دول أوروبا.

ومن إجمال النهب الإسرائيلي لثروات الجولان، فقد بلغ دخل إسرائيل من منتجات الجولان الزراعية، أكثر من 500 مليون شيكل، أي ما يساوي 145 مليون دولار.

وبالتوازي مع السيطرة السياسية الاستعمارية، والاستغلال الاقتصادي، فإن إسرائيل تمارس أقصى درجات التمييز العنصري ضد السكان السوريين، وإهدار حقوق الإنسان، وهو ما سبق أن اتهمتها به الأمم المتحدة، وسجلت وقائع الانتهاك لحقوق الإنسان في الجولان.

ولا يخفي الساسة والاقتصاديون في إسرائيل، وإن كان ذلك بعبارات غير مباشرة - الربط بين احتلال إسرائيل للجولان، وبين الاستيلاء على ثرواته، معلنين أن إسرائيل تخشى دائما من أي انسحاب لها من الجولان، يمكن أن يخنق اقتصادها.

إن الممارسات الاستعمارية الاستيطانية الإسرائيلية في الجولان، تمثل امتدادا للاستعمار القديم، في خروج صارخ على القانون الدولي، وحقوق الإنسان، وتقرير المصير، ونبذ العنصرية، وهو ما كانت الأمم المتحدة قد احتفلت به في الستينيات، لانتهاء عهوده البغيضة والسوداء، التي قامت على نهب ثروات المستعمرات، واستغلالها اقتصاديا، وبعد ذلك يأتي قرار ترامب تعبيرا عن سلوك استعماري Colonialism، وكأنه يعيد فتح صفحة طواها العالم، أو كأن ترامب يمجد هذه الحقبة البشعة من الاستعمار الاستيطاني، ويحتفي بها.