أفكار وآراء

نحو اتحاد عربي للمؤسسات الضريبية

24 أبريل 2019
24 أبريل 2019

مصباح قطب -

أعود الى ما وعدت به، فعبر ثلاثة مقالات سابقة، عرضت للجديد في مجال الإصلاح الضريبي عالميا، وبعض الخبرات من تجربة مصر مع الضرائب والضاربة في القدم، فضلا عن انها اول دولة في المنطقة وضعت قانونا حديثا للضرائب وكان ذلك في عام 1939، وأنهيت بالإشارة الى مقترح بإقامة اتحاد عربي للسلطات او الهيئات الضريبية، ليكون منبرا للحوار حول اهم المستجدات في هذا الحقل المعقد والحيوي، ولتبادل المعارف وخلاصات التجارب. اليوم اكمل ، فهناك اولا اتحاد عربي للسلطات الجمركية، وهناك رابطة للسلطات الضريبية في الدول

الإسلامية، مضى على اقامتها اكثر من 15 عاما، فما الذي سيضيفه اقامة اتحاد عربي للضرائب وكيف يستفيد من النظم القائمة اقليميا اوعالميا ؟.

نشأت الفكرة خلال بداية 2017 حين وجهت دولة الإمارات العربية المتحدة دعوة الى عمرو المنير - نائب وزير المالية المصري للسياسات الضريبية وقتذاك - لحضور منتدى خاص بالضرائب على هامش التوجه لبدء تطبيق القيمة المضافة هناك، حيث اتيحت لي فرصة الاطلاع المسبق على الكلمة التي سيلقيها النائب هناك، ووجدت فيها اشارة الى اهمية التعاون العربي في مجال الضرائب بالفترة المقبلة، خاصة بعد ان اصبح السير باتجاه بدء تفعيل فرض ضرائب سائدا في دول مجلس التعاون الخليجي كلها، بعد غياب (لم تكن هناك تقريبا ضرائب ولا جمارك طوال عمر الدولة الحديثة في ذلك التجمع). رتبت التطورات الاقتصادية والاجتماعية، فضلا عن أوضاع الميزانيات في ظل تزايد التزامات الدولة، مع تراجع اسعار النفط، خلفية لهذا التطور. منذ تلك اللحظة اصبحت فكرة اقامة تجمع عربي للمؤسسات الضريبية شاغلا.

عزز من اهمية الموضوع ايضا ما يجري على الساحة العالمية من نقاشات ساخنة حول الضرائب بعد ان اصبح نقص الحصائل الضريبية وشيوع التهرب والتجنب الضريبي على المستوى الدولي خطرا يهدد ليس فحسب الاستقرار الاجتماعي ولكن ايضا الديمقراطية ذاتها حتى في اعرق الدول الغربية، وقد يذكر قارئ «عمان» انني أشرت مرارا الى خطة منظمة دول التعاون الاقتصادي والتنمية لمكافحة تآكل الوعاء الضريبي ومجابهة التجنب والتهرب واستخدام الملاذات الضريبية لتقليل ما يتم دفعه من ضرائب او الوصول به الى صفر احيانا، وكذا خطط ايجاد سبيل عملي لفرض الضرائب على الشركات الرقمية الكبرى (وكلها أمريكية)، وعرضت اسهامات مهمة لعمرو المنير نفسه، والدكتور مصطفى عبد القادر - وكان رئيسا لمصلحة الضرائب المصرية - في تلك القضية وهما من الخبراء العرب البارزين في مجال الضرائب الدولية.

تأسيا باستراتيجية رابطة الكيانات الضريبية بالدول الإسلامية يمكن القول ان التجمع العربي للمصالح الضريبية يجب ان ينشغل بعدة ملفات اساسية تغطي ركائز اي تطوير ضريبي وهي: ( سياسات - تشريعات - رفع كفاءة الادارة الضريبية وتحقيق الرضا الوظيفى للعامين بها - بناء الثقة والتفاعل مع الممولين ونشر الثقافة الضريبية )، وبالطبع بحث الآليات المختلفة للتحاور ونقل المعارف وتبادل الخبرات. من الناحية التفصيلية وفى ضوء تجربة الرابطة الاسلامية وتجارب اخرى، هناك عناوين لأغنى عن طرحها وتعميق فهمها في كل الكيانات الضريبية العربية وعلى رأسها: تحسين الالتزام الضريبي الطوعي كمدخل لاغنى عنه في العصر الحديث لتحقيق أهداف الحصيلة وزيادة الايرادات وتقليل تكاليف جنيها، ولا يمكن للالتزام الطوعي ان يتم بعيدا عن معرفة محاسبية عامة جيدة خاصة في المؤسسات الصغيرة، ودرجة قبول واسعة لمستوى الخدمات المقدمة من الدولة وللسياسات والقوانين الضريبية، ومعاونة صادقة من مكاتب مساعدة الممولين. يرتبط بما سبق تعليم دافعي الضرائب من خلال وسائل الإعلام والتوعية المختلفة ومن خلال ورش العمل والندوات والمحاضرات، وتحسين وتطوير الإدارة الضريبية، وتعزيز التشريعات

الضريبية لتواكب التحديات الراهنة والتغييرات السريعة التي تحدث في العالم مع مراعاة طبيعة الاوضاع الضريبية فى الدول القريبة بخاصة.

من الامور الجوهرية ايضا جمع وتحليل ونشر المعلومات حول قضايا الضرائب، وقد لفتنا الباحث الفرنسى الشهير توماس بيكيتى الى الأهمية البالغة للبيانات الضريبية وكشف في كتابة «الرأسمالية في القرن الحادي والعشرين» النقص الفادح في الاحصاءات العربية الخاصة بمن يدفع اولا يدفع الضرائب ( كفئات وليس كأفراد فسرية بيانات الافراد الضريبية مكفولة في حدود القوانين ). وفي كل الاحوال سيكون هناك مؤتمر سنوي لقيادات التجمع الضريبي العربي ليتم فيه عرض بحوث محكمة واستضافة خبراء عالميين ومناقشة آخر المستجدات في الاصلاحات الضريبية في كل بلد عربي وتبادل الآراء بشأنها. وطوال العام يمكن ان يتم تنظيم ندوات وورش عمل ودورات تدريبية وفق قواعد معلنة،الى جانب اصدار مجلة فصلية للأغراض ذاتها التي قام من اجلها التجمع ونشر انشطته وبرامجه مع موقع الكتروني قوي وتفاعلي. وفي تقديري فإن اقامة هذا الكيان ستقود حتما الى تقوية التعاون بين المهنيين العرب العاملين في حقلي المحاسبة والمراجعة الأكثر ارتباطا بالضرائب وأيضا بين الجمعيات المهنية الوطنية المعنية بالضرائب. من الضروري أيضًا تعزيز قدرة الإدارة الضريبية على اكتشاف المتهربين من الضرائب وكشف الحيل والأساليب المستجدة، فلا يجب ابدا ان يكون مستوى معرفة رجل الضرائب اقل من الممولين ومساعديهم سواء كانوا شركات محلية او عالمية.

من المهام الجوهرية كذلك بحث كيفية زيادة نسبة الضريبة إلى الناتج المحلي الإجمالي وهي كما هو معلوم شديدة التراجع عربيا قياسا الى الدول المماثلة في مستوى النمو ؛ وبحث افضل اساليب الربط بين برامج الإصلاح الاقتصادي والإصلاح الضريبي، وكيفية توسع القاعدة الضريبية، ومعالجة نقاط الضعف الهيكلية في الهيئات الضريبية وما تقوم عليه وما يوجد بها من تعقيدات عجيبة خاصة في عمليات التقدير والفحص والربط النهائي والإخطارات والطعون وغيرها، والنظر في شأن معدلات الضرائب المرتفعة او المنخفضة بشدة للوصول الى توافق عربي حول معدلات منطقية تشجع الاستثمار من جانب وتحسن ايرادات الدولة وتحقق العدالة الضريبية من جانب آخر. وهناك حاجة ماسة ايضا الى تحقيق تقارب عربي في شأن النظر الى الهيكل الضريبي ومساهمة كل من الضرائب المباشرة وغير المباشرة في اجمالي الحصيلة وانهاء الجدل الذي لا يريد ان ينتهي حول مدى عدالة او عدم عدالة الهياكل الحالية. وتجاوبا مع التطور العصري المتسارع في مجال توظيف التكنولوجيا في المجالات المختلفة ومنها دفع الضرائب سيجد المشاركون العرب انهم بحاجة الى الحوار حول افضل البرامج والأساليب التكنولوجية لتحقيق تلك المهام وكيفية تحقيق اعلى درجة من التيسير وتقليل تدخل العنصر البشري وفي نفس الوقت اعلى درجة من حماية وتأمين البيانات الضريبية في عصر العمل في بيئة خالية من الورق كما يقولون. تبقى قضية التعامل مع المؤسسات الصغيرة والمتناهية الصغر بل والمتوسطة ضريبيا وكيفية دمج ما هو غير رسمي منها في القطاع الرسمي عبر سياسات وحوافز مناسبة، وكذا جعل تعاملات الكيانات الرسمية ذاتها مع الضرائب اكثر انضباطا ورسمية، وجعل جميع أصحاب المصلحة يشعرون بانهم طرف اصيل في تعزيز مبدأ «انا دافع الضرائب...» في بلادنا.

إن طريق الإصلاح دائمًا صعب وشاق كما يقال لأنه ينطوي على تغيير الأفكار ومواجهة مصالح مستقرة سواء في المجتمع الضريبي او في المؤسسات الضريبية ذاتها وسيكون موضوع التعامل مع مقاومة التغيير احد المواضيع المطروحة لوقت طويل للنقاش العربي، ثم ان الإصلاح عملية مستمرة في عالم سريع التغير، ولا يستطيع أحد أن يقف ساكنا حيالها، ومواكبة الأفكار الجديدة والأساليب الحديثة هى فرض عين على كل فرد او كيان ضريبي. ان الامر الطيب ان وجود اتحادات مختلفة حالية تحت مظلة الجامعة العربية يمكن ان يقدم ارشادات تجعل تأسيس الاتحاد او الكيان الجديد سهلا ومن المؤكد انه لن يقع خلاف حول دولة المقر او كيفية تشكل هيئة المؤسسين ثم قيادات الكيان وهيئة المكتب بعد ذلك، فكيان من هذا النوع يجب اولا ان يكون شديد الرشاقة والرشادة وبتطلب من أعضائه بذل جهد فائق ومخلص للمصلحة العامة العربية، ولا مغانم فيه.