أفكار وآراء

فنتك وأثرها على العمل المصرفي

24 أبريل 2019
24 أبريل 2019

د. عبد القادر ورسمه غالب -

المالية الالكترونية «فنتك» أتت كمولود طبيعي من رحم الثورة التقنية الحديثة التي عمت مشارق الدنيا ومغاربها وغطت كل أمور حياتنا اليومية بما في ذلك الأمور المالية والبنكية. وبدأ النشاط المصرفي الإلكتروني عبر الصراف الآلي الذي حل فيه جهاز الحاسوب الآلي مكان موظف البنك الطبيعي الذي يخدمك وهو مبتسم. ومن هنا بدأ عصر «فنتك» وفرح الكثيرون من هذا التطور التقني لأسباب عديدة منها سرعة اتمام العملية والسرية المطلقة، اضافة لتوفر أجهزة الصرف الآلي الموجودة في كل أركان المباني في المدن والبوادي.

وتكاثرت أعمال التقنية المصرفية الالكترونية، وثبتت دعائم «فنتك»، لعدة أسباب من أهمها تبني البنوك للتقنية لنشر أعمالهم المصرفية وزيادتها بالتكاثر. وهذا أمر طبيعي وتطور لازم لمعاصرة الأحداث المتسارعة بوتيرة التقنية التي تزداد مع كل لحظة. وهكذا، تطورت التقنية المصرفية لتشمل العمليات المصرفية عبر الانترنت والانترانت والهاتف والموبايل ووسائل التواصل الاجتماعي المتعددة. وكل هذه من وسائل التقنية الحديثة التي وجدت طريقها المعبد للوصول للبنوك وأفئدة التنفيذيين، وكل ذلك يتم بترحيب تام من الزملاء. وهذا الوضع الجديد، بدوره دفع السلطات الرقابية وادارات البنوك لتقنين الأوضاع الجديدة ووضعها في الأطر القانونية المطلوبة. وهكذا، أصبحت المالية الالكترونية «فنتك» أمرا واقعا تدثر بجلباب الممارسة والتشريع والقانون. وعليه أصبح التعامل «عن بعد» ومن بعد من أهم مقومات العمل المصرفي. وعبر هذا التعامل الآلي يستطيع الزبون ومن أي مكان التواصل والتعامل مع ادارات البنك المختلفة في شتى المعاملات المصرفية صغيرها وكبيرها وحيثما توجد البنوك وفروعها. ومن هذا التطور التقني الآلي، والتعامل مع الآلة، انتهت المسحة الانسانية في التعامل المصرفي لأن الآلة الصماء البكماء عديمة الإحساس والمشاعر وتعمل وفق ما تم برمجتها للعمل.

ومع سير الأيام، توسعت عمليات المالية الالكترونية «فنتك» وأصبحت البنوك تستخدم تقنية البلوكشين «سلاسل الكتل» الحديثة في عملياتها المحاسبية والمصرفية عبر أسس اللوغريثمات المحاسبية المعروفة والمستخدمة في شتى المجالات بما في ذلك النقود الالكترونية «كربتوكرنسيس» . وكذلك، عبر تقنية الذكاء الاصطناعي تستخدم البنوك الروبوت في مكاتبها وهو مبرمج تقنيا لاستقبال الزبائن ولتقديم الردود الجاهزة للعديد من الاستفسارات ونقل الملفات دون أن يري محتوياتها، وعبر تقنية «البايومترك» تتم العمليات المصرفية عبر البصمة التقنية والتي يتم التعامل المصرفي التقني عبرها دون قيود أو اجراءات مصرفية تقليدية.

وجميع هذه الأعمال تقوم بها الآلة نيابة عن البشر وتدريجيا ستحل الآلة وتقوم بكل الوظائف التي ظل يقوم بها البشر منذ بداية الحياة الطبيعية. وبالطبع لهذا الوضع الجديد مخاطر جمة من الصعوبة حصرها لكنها قطعا، وبدءا من آلة الصراف الآلي الثابتة الي آلة الروبوت المتحركة، ستغير معالم الحياة البشرية. وكنتيجة طبيعية لما ينجم من تطور فان عمليات «فنتك» ستغير معالم العمليات المصرفية والقطاع المصرفي برمته.

ولهذا الوضع الجديد العديد من الايجابيات ولكن لا تنقصه السلبيات. ومن أهم الايجابيات، سرعة العمل وتنفيذه من أي مكان وفي كل وقت، السرية المطبقة لأن الآلة لا ترى ولا تسمع ولا تتحدث، دخول آفاق وتنفيذ عمليات جديدة بفضل التوسع والانتشار، تقليل التكاليف وغيره. ومن أخطر السلبيات تقليل دور اليد البشرية والذهن البشري واحلال الآلة مكانهما، أخطاء البرمجة للآلة، عدم الفهم الصحيح للبرمجة مما يأتي بنتيجة خطأ، فقدان التعامل الانساني بين الزبون وموظفي البنك، اندثار الأفكار والبرامج الجديدة لأن الآلة للتنفيذ فقط ولا تأتي بالجديد بل تظل على ما هي عليه للأبد والتجديد والتطور والابداع لا يأتي الا من العقول البشرية الحية والمتطلعة للجديد المفيد.

من دون شك، نحتاج للتقنية الحديثة ونحتاج للمزيد من «فنتك» في البنوك وغيرها ولكن وبنفس الدرجة، ان لم نقل بأكثر منها، نحتاج للذكاء البشري الطبيعي ونحتاج لتلك اللمسة البشرية الدافئة الطبيعية التي استند عليها العمل المصرفي في التطور والاستمرار والبقاء. وفي ايجاز، نحتاج للذكاء الاصطناعي والاستفادة من الآلة عبره في عدة مجالات ولكن يجب ألا ننجرف خلف هذه التقنية للدرجة التي تسيطر فيها الآلة على الانسان وتحل محله بالتمام والكمال. بل، يجب العكس حيث يظل الانسان هو المسيطر على الآلة وتسخيرها لفائدته المطلقة. وهنا نقول، وكما أتت الثورة الصناعية «الرابعة» بالآلة لتحل محل البشر في كل الاتجاهات، فإننا من دون شك نحتاج لظهور الثورة الصناعية «الخامسة» سريعا، والتي نأمل أن تعيد الذهن والعقل والذكاء البشري لمكانته الطبيعية لأن هذا هو الأصل كما ورد من المولى جل جلاله «لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم» وهذا يشمل ذكاء الانسان الطبيعي الذي أتى بالذكاء الاصطناعي لخدمته وتحت سيطرته، ومن هذا يتطور الذكاء البشري وتتطور الخدمات لخدمة البشرية.

[email protected]