الاقتصادية

دور مجالس الإدارة في عصر التقنية

04 أبريل 2019
04 أبريل 2019

د. عبدالقادر ورسمه غالب -

[email protected] -

لا يختلف شخصان في أن دور مجالس الإدارة في عصرنا التقني أصبح أكثر صعوبة وأشد تحديا وأعظم مسؤولية، وذلك نظرا لظروف عصر التقنية الخاصة به التي يتغير العالم بسببها في كل يوم ولحظة. ومع هذه التغييرات العصرية التقنية المتسارعة، تتغير المسؤوليات والواجبات لكل فرد في الشركة وعلى رأسهم مجلس الإدارة، رأس الرمح المسنون لقيادة الشركة نحو ارتياد الآفاق التقنية الأثيرية. وهنا تكمن المشكلة أو المعضلة التي يجب على مجالس الإدارة تفهمها ثم مواجهتها والتفاعل معها لمصلحة الشركة وكل أصحاب العلاقة.

قبل فترة، ليست ببعيدة، كانت النظرة العامة لمجالس الإدارة تشريفية اجتماعية تمثيلية أكثر منها تنظيمية قيادية استراتيجية. ولكن مع تطور العمل المؤسسي والنظريات الإدارية الجديدة، وخاصة بعد صدور وتطبيق مبادئ حوكمة الشركات، تغير الوضع تماما وأتت نظرة جديدة تماما تأخذ بيد مجالس الإدارة للنهوض، بل وتنص صراحة على ضرورة أن يقوم مجلس الإدارة بدور القائد الهمام لقيادة الشركة نحو الريادة والسيادة. ولقد تم النص في مبادئ الحوكمة، على الدور الفاعل المتفاعل لرئيس مجلس الإدارة في القيادة والقدوة والعمل باجتهاد متواصل لرفع مستوي كل أعضاء المجلس وتدريبهم للمشاركة بفعالية واقتدار من أجل الشركة، وكذلك العمل على تنفيذ مهام المجلس بصورة جماعية عبر لجان مجاس الإدارة الخاصة مثل، التنفيذية والتدقيق والتعيينات والترقيات والحوكمة وخلافه، مع الأخذ في الاعتبار، مصالح الشركة والمساهمين وأصحاب المصلحة وعلى رأسهم المجتمع.

إن مبادئ حوكمة الشركات، وضعت معايير إدارية جديدة وأضافت مسؤوليات مباشرة من أجل رفعة العمل المؤسسي بصفة عامة والشركات بصفة خاصة. وبالطبع هناك من يراقب كل ما يحدث ولماذا يحدث وما عواقبه، ثم، وأين دور مجالس الإدارة من كل هذا ؟ وللمزيد نقول، إن الحوكمة تطالب بانتهاج كل الوسائل الحديثة المتوفرة لإدارة الشركة. وعلى رأسها التقنية وكل ما تمخض عنها من منتجات وخدمات تقنية. وهنا، بيت القصيد الجديد لمن يستفيد.

التقنية، في العصر التقني، تأتي بالجديد الحديث مع كل صباح، مثل البلوكشين والذكاء الاصطناعي ومتغيرات السوشيال ميديا وإنترنت الأشياء وسحابية الإنترنت والمعاملات الذكية والمدن الذكية وغيره. وعلى الشركات الاستفادة من كل جديد في الثورة التقنية وتطبيقه وفق المعطيات، وإلا ستجد نفسها خارج التاريخ وداخل المزبلة. ومن يتحمل هذا الدور العظيم المتعاظم ومستجداته ومتغيراته وتوابعه ؟ إن هذا الدور أمام مجالس الإدارة وفي واجهتها في كل الاتجاهات والأوقات. ولذا، يجب على مجالس الإدارة تجديد نفسها وفكرها ورؤيتها ثم فتح الباب واستقبال التقنية بحفاوة، ثم التوجيه بالامتثال للتقنية وتطبيق مخرجاتها والإشراف على التطبيق السليم، وإلا خرجت الشركة من السوق وفقدت قابليتها التنافسية. ألا يعني هذا، أن مجالس الإدارة في عصر التقنية تواجه مخاطر مهنية وإدارية وقانونية لا حصر لها، وأنها تجلس على صفيح ساخن وصاعق، ومن لا يتحمل عليه الابتعاد والهروب بجلده.

وأكثر خطورة من هذه المستجدات، ذلك الجانب الأسود من التقنية والمتمثل في الجرائم الإلكترونية السبرانية التي أتت من رحم التقنية في عصر التقنية. وهذه الجرائم تسبب الصداع ولها آثار مدمرة على الشركات والزبائن وغيرهم من أصحاب المصلحة. ولكن لمجالس الإدارة دفن رؤوسها في الرمال في هذه الأوقات. والجرائم السبرانية تنتشر بسرعة البرق وهي متعددة الأيادي كالأخطبوط. ومنها التي تسرق الشركات، أو تتجسس، أو تبدل المعلومات، أو تكشف الحسابات والتقارير السرية، وكل هذا يؤدي بالشركات للهلاك والدمار والإفلاس وغيره. وحينها ستسأل مجالس الإدارة ماذا فعلت وكيف فعلت ولماذا فعلت؟ إن تقنية العصر التقني، ذات حدين، المفيد والضار. وفي جميع الأحوال، هذا أصبح واقع الشركات وطريقة العمل المؤسسي، وهنا دور مجالس الإدارة التي يجب أن تكون على قدر المسؤولية والتعامل المهني، وإلا سيحدث ما لا يحمد عقباه، وقد يأتي التدخل للمعالجة ولكن بعد فوات الأوان وبعد أن يقع الفأس في الرأس.

لذا، نقولها وبقوة، هناك حاجة ماسة وهناك ضرورة قانونية إدارية مؤسسية، لوجود مجالس إدارة «نوعية»، متمكنة مقتدرة ومتآلفة للقيام بالدور المتماشي مع التقنية في عصر التقنية. ونقول، أيضا، لا بد من وجود الكفاءات الإدارية في القمة التنفيذية للشركة والكفاءات المهنية في كل الطواقم الإدارية والفنية العاملة بالشركة، ولا بد من إعداد وتوفير كل هذه الكفاءات في الشركة. ولكن، كل هذا يعود لهمة مجالس الإدارة نفسها بصفتها «رأس الرمح» في جسم الشركة. فإذا كان رأس الرمح حادا وقويا يكون مفعوله بالطبع نافذا وسليما، وإلا فكل كتائب الجيوش لن تنجح لفقدان القيادة.

نلاحظ، ما وصلت إليه الشركات التي تنتهج التقنية في أعمالها ووصولها للقمم والمجد وانتزاع المراكز الأولية من الشركات التقليدية التي ظلت تعمل لقرون. إن سر نجاح الشركات التقنية العصرية، يعود أساسا، لخروجها من التقليدية واعتمادها على التقنية وعلى مجالس إدارة تتنفس التقنية وتتحدث التقنية وتبرمج التقنية للحاضر والمستقبل، وهكذا وبسبب التقنية وصلت للقمم. وهذا هو المطلوب الآن من كل مجالس الإدارة في كل الشركات لتتماشي مع الواقع والعصر.