أفكار وآراء

وقفة مع التهرب

27 مارس 2019
27 مارس 2019

مصباح قطب -

[email protected] -

وصلت جهود منظمة دول التعاون الاقتصادي والتنمية ، لحصار المتهربين من الضرائب ، عبر الاتفاقية المتعددة الأطراف لمكافحة التهرب والتجنب الضريبي «بيبس» ، إلى مرحلة متقدمة ، ولم يعد أمامها من تحد إلا أمرين: الأول كيفية فرض الضرائب على الشركات الرقمية الكبرى والعابرة للحدود بصفة خاصة، والثاني هو استكمال خريطة التصديقات على تبادل المعلومات بين الهيئات الضريبية في الدول الموقعة، وهو تبادل لأغراض الضرائب فقط، بغية محاصرة المتهربين. المعروف ان دولتين عربيتين فقط وقعتا على الاتفاقية ، وان عددا من الدول يدرس . يتطلب العامل الأخير إيجاد طريقة للكشف عن الحسابات المصرفية للممولين دون التعرض لسرية الحسابات المحكومة بقانون في الكثير من الدول، وفي هذا الصدد قال خبير بارز ان دولا عربية مختلفة وغير عربية تطبق بنوكها ومؤسساتها المالية قانون «الفاتكا» الأمريكي وتبلغ معلومات حسابات المواطنين الأمريكيين بها الى مصلحة الضرائب الأمريكية، ورغم أن القانون يتطلب موافقة الزبون على تمرير المعلومات إلا ان الزبون الممول لا مفر أمامه من ان يوافق وإلا سيتعرض للإدراج في قائمة سوداء تمنعه من التعامل مع أي بنك في العالم تقريبا، أيضا فإن مصلحة الضرائب الأمريكية تقوم من خلال الأجهزة الأمريكية بخصم مستحقاتها من أي بنك يوجد عنده حسابات لمواطنين أمريكيين أتوماتيكيا - باعتبار أن أمريكا مركز عملة الدولار وان تحويل أي دولار في العالم يجب ان يمر من هناك - وذلك بعد مرور مهملة معينة تمنحها للبنك وعميلها الأمريكي، ومن ثم فلم لا نفكر كدول عربية في طريقة للتعامل مع هذا الأمر بقوانين وطينة ، ومن خلال التوقيع على اتفاقية منظمة دول التعاون، وهي لا تلزم الموقع بالحزمة الكاملة لإجراءاتها وعملياتها، لتنظيم الأمر علما بأن تبادل المعلومات يتم بين طرفين يقبلان ذلك وان دولا مثل سويسرا - الأكثر تشددا في مجال السرية المصرفية - وافقت على تبادل المعلومات. واستكمالا لحلقات الإصلاح الضريبي العربي التي بدأتها منذ أسبوعين أتوقف اليوم في الحوار مع عمرو المنير - نائب وزير المالية المصري للسياسات الضريبية سابقا وخبير الضرائب الدولية المعروف - أمام التهرب الضريبي الذي ينقسم من حيث طبيعته التهرب إلى تهرب نتيجة عدم الإقرار عن الإيرادات بالكامل ، أو تهرب نتيجة عدم الوجود بالمنظومة الرسمية من الأصل ، ومن حيث الجغرافيا أو الموقع هناك التهرب الضريبي المحلي والتهرب الضريبي الدولي والأخير هو استغلال المعاملات بين المنشآت أو الأشخاص المقيمة في الدولة والأشخاص أو الشركات خارج الدولة ففي تهريب جانب من الإيرادات، وهو منتشر في العالم كله وبدأ التنبه إليه بعد الأزمة المالية العالمية 2008 وما تلاها، وقد تم اكتشاف أن أحد أسباب هذه الأزمة ما يسمي بالملاذات الضريبية والتهرب الضريبي الدولي وعليه تم عمل الخطة التي تبنتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وهي برنامج لمحاربة تآكل الوعاء الضريبي ونقل الأرباح وهذا البرنامج يضع 15 معيارا لمكافحة هذا النوع من التهرب ويعمل على زيادة الالتزام وحصول كل دولة على نصيبها العادل من الضرائب. مصر كانت من أوائل الدول الشرق أوسطية التي وقعت على الاتفاقية الدولية متعددة الأطراف لمنع تآكل الوعاء الضريبي.... ويمثل ذلك دفعة قوية لتحسين مناخ الاستثمار لأنه حين توقع دولة على اتفاقية دولية موقع عليها من معظم دول العالم يعني ذلك أنها ملتزمة بالمعايير العالمية مما يشجع المستثمرين على العمل في الدولة ويزيد من جاذبية مناخ الاستثمار وكذلك يساعد على المحافظة على موارد الدولة الضريبية وحقوق الخزانة العامة لدي الشركات الأجنبية العاملة في السوق المحلى، وجار العمل في مصر على الانتهاء من التصديق على الاتفاقية من مجلس النواب .

ونتيجة هذا التوقيع تم الاتفاق مع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بمشاركة منظمة «الايتاف» (منظمة الإدارات الضريبية الأفريقية) على برنامج لبناء الكفاءات بمصلحة الضرائب وهو برنامج طموح جدا وتم تدريب عدد غير قليل من العاملين في مصلحة الضرائب عليه وهذا البرنامج تحت رعاية الاتحاد الأوربي. الطريف أن مكاتب المحاسبة الكبيرة تقول عادة إن المصالح الضريبية غير مؤهلة لتطبيق مثل تلك الاتفاقية والتعامل مع ملف الضرائب الدولية بكفاءة وفي نفس الوقت فإن تلك المكاتب استقطبت على الأقل ثلث من تلقوا تدريبا من العاملين بالضرائب على هذا الملف واستقال عدد آخر منهم ليعمل بدول الخليج، مما يدل على ان مجال العمل في ذلك التخصص واعد للشباب الذي يدرس مالية عامة وضرائب ومحاسبة .

وعن تبادل المعلومات وسرية الحسابات قال الدكتور «باسكال سان امان» - مدير السياسات الضريبية بمنظمة دول التعاون الاقتصادي والتنمية - ، والمسمى برئيس جمهورية مكافحة التهرب والتجنب الضريبي في العالم ، خلال زيارة أخيرة لمصر ، ان إتاحة المعلومات البنكية للهيئات الضريبية لا يتعارض مع الحفاظ على سرية معاملات الممولين المصرفية ، بل ويجب ان يترافق مع الإتاحة اتخاذ خطوات أخرى للتشديد على الالتزام الصارم بعدم نقل البيانات أو استخدامها الى ومن خلال أي جهة أخرى بخلاف المسؤولين عن الملف في الضرائب ، ولفت إلى ان ما يتهرب الآن ليس الشركات الرقمية المعروفة فقط ولكن شركات كبيرة عابرة للحدود ، ولذا يجب التيقظ . ويقول عمرو المنير ان أفريقيا تخسر إيرادات ضريبية بقيمة نحو 50 مليار دولار سنويا بسبب السرية المصرفية ، وأن دولا كثيرة في أنحاء العالم خففت من القيود علي اطلاع الإدارات الضريبية ويشير إلى ان القوانين الخاصة بمكافحة غسيل الأموال تمكن الحكومة ( وحدة مكافحة الغسيل ) والبنك المركزي ، من الاطلاع على الحسابات الخاصة بمن يثبت وجود يقين وحتى شك في تورطهم في غسل الأموال وكل هذا يساعد على محاربة التهرب الضريبي الدولي ويمكن ان تكون الآلية الخاصة بإتاحة المعلومات البنكية هي إتاحتها من خلال وحدات غسيل الأموال إلى الجهة الضريبية المعنية وفق الضوابط المقررة ، ويضيف لدى مصر تعليمات إرشادية متكاملة متعلقة بتسعير المعاملات عبر الحدود أو ما يسمي بالسعر المحايد ومعها نظام للاتفاق المسبق على أسعار السلعة أو الخدمة (والمشكلة أعقد في الخدمات كما نعرف) لتيسير تحديد الضريبة الواجبة، وصدرت هذه التعليمات في نهاية 2018 وتم اعتماد الاتفاق المسبق من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مما يساعد علي مكافحة التهرب الضريبي وزيادة الحصيلة الضريبية من الشركات متعددة الجنسيات. وينتهى المنير بإعادة التأكيد على أن من أهم أركان السياسة الضريبية التشريع الضريبي والإدارة الضريبية والمجتمع الضريبي، ومن المهم برايه ان يكون هناك توعية مستمرة وفعالة للمجتمع الضريبي فيما يتعلق بضرورة تسديد الضرائب من خلال مجموعة من البرامج وضرورة وجود إدارة للتواصل بين وزارات المالية والمصالح الإيرادية وبين المواطنين للرد على تساؤلاتهم ووجود موقع إلكتروني متطور وتفاعلي لكل مصلحة ضرائب، وخط ساخن بين الإدارة الضريبية والمواطنين بصفة عامة والممولين بصفة خاصة، وتقوية بروتوكولات التعاون بين الضرائب وجمعيات صاحبات وأصحاب الأعمال في كل بلد . جدير بالذكر انه وحسب المنير، فإن حجم الاقتصاد الرقمي حول العالم بلغ 27 تريليون دولار، خلال عام 2017 مرتفعا بنحو تريليوني دولار عن العام الذي سبقه ، وأن فرض ضريبة على حجم الإعلانات المنشورة على السوشيال ميديا، يمثل تحديا كبيرا لكل دول العالم وان كانت بعض الدول قد وجدت طريقها لتفعيل ذلك، ويبقى أن المشكلة التي تواجه الدولة في تطبيق الضريبة على الاقتصاد الرقمي، تكمن بالأصل في حق الدولة في فرض الضريبة على غير المقيم وكيفية تحصيلها منه؟. الأسبوع المقبل حلقة أخيرة حول مقترح اتحاد عربي للهيئات الضريبية.