عمان اليوم

الخليلي: على الأمة تدارك أمرها والحرص على استقامة عقيدتها وفكرها

26 مارس 2019
26 مارس 2019

عبّر عن حزنه العميق تجاه مجزرة نيوزيلندا -

تابع الجلسة : سالم الحسيني -

أكد سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة أن لدى الأمة المسلمة مقومات عديدة تمكنها من أن تكون لها الريادة في قيادة الإنسانية لما جعل الله سبحانه وتعالى من صفة الخيرية فيها، موضحا ان كل ما تصاب به الامة المسلمة من ابتلاءات هو امتحان وتمحيص من الله سبحانه وتعالى، وابتلاء حتى تراجع نفسها، فعليها أن تراجع نفسها وأن تراجع حساباتها، وأن تواجه هذه الابتلاءات بالصبر والاحتساب حتى تنال رضى الله ومغفرته، مؤكدا في الوقت ذاته ان عليها ان تسعى لما فيه عزتها ومكنتها التي ارتضاها لها سبحانه وتعالى.. جاء ذلك في الجلسة الحوارية «البناء الفكري لشخصية الفرد 2» التي نظمها مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم وأقيمت بجامع السيدة فاطمة بنت علي بولاية السيب مساء أمس الأول وأدارها الدكتور سيف بن سالم الهادي، وقد استهل سماحته كلمته في هذه الجلسة بالتعبير عن إحساسه بالألم الكبير للحادثة الأخيرة التي وقعت للمسلمين في نيوزيلندا وراح ضحيتها اكثر من خمسين من المسلمين، مقدما التعازي الحارة إلى أسر الضحايا خاصة وإلى الأمة الإسلامية عامة.

وأكد سماحته أن الأحداث التي تمر بها الأمة المسلمة وما يصيبها هنا وهناك وما يشن عليها من حرب ضروس من كل مكان يحتم عليها تدارك أمرها وأن تفيق من سباتها وأن تحرص على استقامة عقيدتها واستقامة فكرها حتى لا يصيب الأعداء منها ثغرة من الثغرات وعليها ان تكون حريصة على الاضطلاع بأمانة الله سبحانه وتعالى التي ألقاها على عاتقها من إصلاح شأنها متمثلا ذلك في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبهذا تستقيم أحوالها ويصلح شأنها مشيرا الى ان الله سبحانه وتعالى بيّن أن أمر هذه الأمة مرتبط بعضها ببعض بحيث يشعر كل عضو من أعضائها بآلام بعضها، مبينا ان الأمر الإلهي قدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قبل أمره بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة مع ان الإيمان هو واعي هذا الخير كله، وعلى الأمة أن تحس بمسؤوليتها وترجع الى ربها سبحانه، وكان لزاما عليها ان تقوم بهذا الواجب لأنه الفارق بينها وبين غيرها من الأمم متمثلا في هذه الخيرية التي قال الله سبحانه وتعالى عنها: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ). قد شرع لها من الهدى ما مكنها من التغلب على كل مشكلاتها والتعامل الصحيح مع كل المتغيرات في هذه الحياة والتواصل مع غيرها من الأمم، وهذا هو دين الله شرعه لعباده، حيث جاء هذا الدين الى الإنسانية جمعاء والله سبحانه وتعالى وشرع فيه من الإنصاف للإنسانية كلها فما من احد يحرم الإنصاف في شرع الإسلام قريبا كان ام بعيدا وكل الناس سواء في ميزان الحق سبحانه.

وأضاف: وقد جاءت الشريعة الغراء لتدعو الى الرحمة والتراحم بين أبناء الإسلام وبين أبناء الملل الأخرى، ضاربا مثلا باليهودي الذي ألصقت به تهمة السرقة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقد جاء القرآن الكريم ليكشف تلك المؤامرة التي حاكها بعض ضعفاء النفوس كشفا واضحا وبرأ اليهودي من التهمة التي ألصقت به ومع كونه يهوديا وهم اشد الناس عداوة للذين آمنوا ولكن مع ذلك فالعداوة شيء والعدالة شيء آخر، ولا يعني ذلك ان يحمل شيئا لم يقترفه، مشيرا الى ان معنى ذلك ان الإسلام يتعامل بمنتهى العدالة سواء كان ذلك بين أبناء الإسلام او بين أبناء الملل الأخرى، ولا يتمثل ذلك في وقت السلم فقط، بل حتى وقت الحرب حيث يقول سبحانه: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) وهذا يدل على الإسلام يتميز بحسن علاقة المسلم بغير المسلم وهكذا هو ميزان الشرع الحكيم في دين الله الحنيف. وقدّر سماحته الوقفة الإنسانية النبيلة والعواطف النبيلة التي أبدتها شريحة كبيرة من الناس من غير المسلمين في قضية الغدر بالمصلين في نيوزيلندا، قائلا: انه من لم يشكر الناس لم يشكر الله، مشيرا الى ان ذلك لا يعني ان يتساهل المسلمون في امر دينهم، ولا يعني ان يقف المسلمون موقف المتفرج عن الدفاع عن النفس تجاه الذين يتعدون عليهم.

ونأى سماحته عن أولئك الذين يشذون بأفكارهم عن الفطرة السليمة التي فطرها الله سبحانه وتعالى عليها هذا الانسان، مؤكدا ضعف ادراك الانسان للظواهر الكونية كما جاء ذلك في القرآن الكريم: (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) ، مبينا أن الفكر إنما هو تأطير لما يجب أن يكون عليه الإنسان في حياة ثابتة. والإنسان كما هو معلوم لا يمكن أن يتخلى عن المشاعر والأحاسيس لأنها جزء منه، ولكن يجب أن تكون هذه المشاعر والأحاسيس مقودة للفكر لا أن تكون قائدة للفكر؛ فالإنسان المسلم ينظر بعين الله ، فيقيس كل شيء بمقياس الحق، ويزنه بموازين القسط، ويعطي كل شيء حقه، وهذا ما سار عليه السلف الصالح، عندما يكون فكر الإنسان مستلهمًا من المنابع الصافية الرقراقة من كتاب الله سبحانه وتعالى، وسنة نبيه الكريم، موضحا ان الفكر الإسلامي الصحيح قائم على أن الإنسان عبد لله سبحانه وتعالى، وأن الإسلام مبني على الفطرة الصحيحة التي فطر الله الناس عليها، وعلى هذا الفكر يجب أن نصوغ بمقتضاه حياتنا، وأن نربي عليه أولادنا وأن نوجه إليه الإنسانية كلها، وهو أن تكون العبودية لله سبحانه وتعالى. وعلى الإنسان ألا يقوقع نفسه ويحبسها في محيط ضيق، وألا يكون بعيدا عن كل ما يحدث؛ فالإسلام ربَّى أبناءه على الانفتاح، فيجب على الإنسان أن يعرف ما يدور حوله ويدركه جيدا، ولكن يجب عليه أن يفرِّق بين الزائف والصحيح.