sharifa
sharifa
أعمدة

وتر: كلمـــــات

20 مارس 2019
20 مارس 2019

شريفة بنت علي التوبية -

من الأفلام الرائعة التي شاهدتها، فيلم (the words) والذي تدور أحداثه حول كاتب طموح يبحث عن فكرة يكتبها، فيعثر على رواية داخل حقيبة قديمة وينشرها باسمه، تحقق الرواية مبيعات كبيرة ويحقق الكاتب شهرة واسعة، لكن الكاتب الحقيقي والذي أصبح عجوزاً يكتشف ذلك، ويعرف أنها روايته التي كتبها في يومين دون توقف، حيث كانت الكلمات تتدفق ولا يعرف من أين تأتي كما يصف، وحينما انتهى ذهب بها إلى زوجته التي كانت تعيش حالة من العزلة والاكتئاب في بيت أهلها بعد موت ابنتهما الصغيرة والوحيدة، لكنها نست الرواية في القطار، يغضب الكاتب وينفصل عن زوجته، تتطور الأحداث ويعترف الكاتب بأن الرواية ليست له، ويعد الكاتب الحقيقي بإرجاع حقه الأدبي والمادي، لكنه الكاتب الحقيقي يقول له أنه لا يريد استعادة الرواية بل استعادة حياته وحُب عمره لو يستطيع، «نعم أنت سرقت حياتي ونسبتها لنفسك، لكني لا أود استعادتها، فمأساتي كانت أني أحببت الكلمات أكثر مما أحببت المرأة التي ألهمتني كتابتها».

يتضح للمشاهد جانب خفي من حياة الكاتب، والذي ربما الكاتب نفسه لا يعرفه أو لا يعترف به، ذلك الجانب الذي يجعله مفتون ومشغول بمطاردة الكلمات، ناسياً أشياء أخرى في الحياة، متخّذاً من أشد الأحزان عمقاً في القلب مفتاحاً سحرياً للسرد والقصيد، يعيش لذة كتابة الحزن ليقدّمه لقارئ يبحث عن لذة مشابهة، لذلك كثير من الكتّاب ليسوا سوى كائنات ورقية وأبطال من كلمات، وما أكثر الذين نقرأ نظرياتهم العظيمة في الحب والجمال، وهم ليسوا سوى بشر تعساء لأنهم لا يعيشوا علاقات عاطفية صحيحة، فطبيعة الكاتب تشبه طبيعة الكتابة في الميل للعزلة، والعاطفة بالنسبة لبعضهم ليست سوى خيال وكلمة، عمرها بعمر اللحظة التي كتبت فيها، فطوبى لكاتب يجد شريك يحبه إلى درجة الإيمان به، ويفهم مزاجه المتقلّب بتقلّبات طقس الكتابة، فالكاتب غالباً يعيش حالة انفصال عن الواقع، فهو يعيش مع شخصياته التي يخلقها في نصوصه أكثر مما يعيش مع الأشخاص الحقيقيين، وحينما يحاول الخروج من عالمه الخيالي، يفشل في الصمود أمام الحياة الحقيقية، بما فيها من وقائع وحقائق لا يستطيع التعايش معها أو الاستسلام لها، ولكن الحياة تخرجه من عالمه الخيالي المكتوب بسحر كلماته «وعليه أن يقف أمام خيار صعب بين الحياة والخيال، لأن كلاهما متقاربان جداً ولكن لا يتلا مسان أبداً في الحقيقة، فكلاهما أمران مختلفان جداً» كما قال الكاتب الأصلي للرواية في نهاية الفيلم.