salem
salem
أعمدة

نوافذ :الإرهاب الأبيض

18 مارس 2019
18 مارس 2019

سالم بن حمد الجهوري -

[email protected] -

ما حدث في نيوزيلندا يثبت أشياء كثيرة في مسألة التطرف التي يتبناها اليمين العنصري في العديد من الدول سواء كانت غربية أم شرقية، وقتل 50 مسلما بدم بارد في مسجدين ناتج عن أن حكومات العالم تواجه أزمة حقيقية في مواجهة الإرهاب ولم تستطع القضاء عليه، ولا يمكنها ذلك، طالما أنها أفسحت المجال أمام الحريات الشخصية في اقتناء السلاح من الأسواق كشراء الطماطم، وتراخت عن مكافحة العنصرية التي تتصاعد من أحزابها وأفرادها يوما بعد آخر، وأغلقت أعينها عن الكثير من الحقائق بين أفراد مجتمعها الذي تراه بصورة نرجسية أكثر من اللازم لأنه الرجل الغربي الذي لا يخطئ.

العالم كله وضع في مأزق كبير للغاية بسبب ما ارتكبه ذلك الإرهابي الأسترالي برنتون تارنت ومجموعته في بلد آمن يكاد لا يسمع عنه الكثير، واختار ضحايا مجزرته التي شبهها بالحفلة قبل أن يهم بالنزول من سيارته، وهو يتأبط بندقيته التي أختارها من مجموعة بنادق كانت في مركبته ولعله اختار الأشد فتكا بينها في القضاء على الآمنين في مساجد الله، والاعتداء الآثم على الكبار والصغار والنساء وعلى الهواء مباشرة لإشباع رغبته ورغبة مؤيديه الذين ينتظرون فعلته الكارثية على البشرية. كشفت الحادثة عدة أمور لعل أولها هي أن اليمين المتطرف لم يجد من يلجمه حتى الآن في دول الغرب ويستطيع أن يفعل أكثر من ذلك في نيوزيلندا وغيرها من الدول، تحت ذريعة إيقاف الهجرة المسلمة إلى هذا البلد أو غيره من البلدان الأوروبية. وثانيها تنامي الكراهية بين هذه الفئة والمسلمين، ولن تكون هذه الحادثة الأخيرة التي يسدل عليها الستار بل التوقع أن تكون هناك حوادث مماثلة في المستقبل ضد المسلمين أينما وجدوا في هذه الدول. أيضا هناك عدم تأمين لدور العبادة التي تخص المسلمين فيها وترك هذه الأماكن دون حماية كما هو حالها معنا في الدول العربية التي تؤمن العديد من الكنائس وتحمي المصلين من الاعتداءات المتوقعة.

أما الثالث فإن التعايش بين الأديان يحتاج إلى المزيد من الجهد والمراجعة من القائمين على ذلك، لاسيما منظمات الأمم المتحدة التي عليها الدور الأكبر من خلال إيجاد منابر تستطيع أن تؤثر في البشرية.

كما أن الجهود التي تبذلها الحكومات الغربية في حماية مصالح المواطنين المسلمين فيها ما زالت ناقصة وبها العديد من الثغرات، ولا يمكنها أن تؤمن حياتهم في ظل تعاظم التهديدات اليومية لهم لدور عبادتهم وانتشار التيار اليميني من خلال المنتديات الإلكترونية، الذي يلاقي الكثير من الترحيب في أوساطه. الفاجعة فتحت عيون العالم على أنه يواجه خطرا واحدا وهو الإرهاب والتطرف والكراهية من جميع الأديان ولا توجد أمة في مأمن من ذلك وهذا يزيد من حجم المسؤولية على المجتمع الدولي ويضعه أمام مفترق تاريخي للحد من مخاطرها. فمرتكب جريمة المسجدين في نيوزيلندا تلاحقه الشبهات منذ شرائه الأسلحة وما يكتبه عليها و على الفيسبوك من توجهات عنصرية وبثه لبيان حول ما سيقوم به خلال دقائق، ولعله وصل إلى رئيسة الوزراء النيوزيلندية قبل الفعل بتسع دقائق، ثم إن الرجل سافر بحثا عن مآربه إلى تركيا التي أصدر فيها قبل الحادثة بيانا بإعادة الكنيسة آيا صوفيا إلى ما كانت عليه، والى دول أخرى أوروبية أيضا، وربما كان لاختيار أهدافه التي يريد من خلالها تحقيق أكبر قدر من الضرر فيها، إضافة إلى أنه بحث عن أفضل أوقات تجمع المسلمين، فاختار الجمعة التي تكون الأعداد أكبر للصلاة وأقل تأمينا على مرتادي المساجد، ففعل ما فعل وارتقى شهداء الأمة إلى بارئهم بهذه الأعداد المؤلمة والقاسية على كل مسلم على هذا الكوكب.