أفكار وآراء

تشويه صور التنمية.. وقانون «تأثير الكوبرا»

17 مارس 2019
17 مارس 2019

أحمد بن سالم الفلاحي -

قد «نشر موقع الإدارة بالقيم في أبريل من عام 2004م أن ثلاثة أرباع المؤسسات لا تخصص موظفا لأخلاقيات العمل، وثلاثة أرباع المؤسسات ليس لديها برنامج أخلاقيات.

في حوار صحفي – نشر في مجلة «شرفات المجلس» التي يصدرها مجلس الدولة في عددها السادس – سألت الشيخ أفلح بن حمد الرواحي؛ العضو السابق في مجلس الدولة، وهو الذي حظي بالتشريف السامي الكريم بتكريمه بالتعيين في عضوية المجالس الثلاثة: مجلس الزراعة والأسماك والصناعة، والمجلس الاستشاري للدولة، ومجلس الشورى؛ مختتما تجربته البرلمانية بعضوية مجلس الدولة «نائبا للرئيس» سألته عن مجمل المناخات المهمة الأولى للمسيرة الشورية والتي كان لها فضل السبق في وصولها اليوم إلى هذا المتحقق التشريعي، من خلال تجربته الثرية في مسيرة الشورى في السلطنة؟

فرد قائلا: «أقول دائما إن مبادئ النجاح بشكل عام هي أربعة مبادئ: يأتي في مقدمتها الرؤية الواضحة للمشروع، هذه الرؤية هي التي تعطي خطوات للعمل الوطني، أو الاقتصادي، أو العمل الفردي، بحيث يصبح من الضرورة بمكان أن تكون هذه الرؤية واضحة ومشروعة، وهذه الرؤية لا يمكن أن تبقى هكذا حيث يجب أن تطبق، والمبدأ الثاني يجب أن تنفذ تنفيذا سليما متقنا، وهذا الإتقان يبقى من الضرورة بمكان أن يأخذ مجراه في كل العمل الوطني، والمبدأ الثالث في نظري؛ هو المحاسبة، وبالتالي يصبح من الضرورة بمكان أن نقوم بهذه الخطوة لمحاسبة ما أخفقناه في عملية التنفيذ، والمحاسبة يجب أن تكون محاسبة دقيقة، ومستمرة، والمبدأ الرابع والأخير هو تصحيح الخطأ، ويجب أن يكون تصحيحا علميا وفوريا، فهذه المبادئ الأربعة أرى أنها من الضرورة بمكان أن تؤخذ بعين الاعتبار في أي تجربة تنموية» – انتهى النص -.

والحديث هنا بشمولية التنمية، لا بتجزئتها، فللتنمية الشاملة استحقاقات مهمة؛ ليس فقط مهما أن تكون؛ بل أن تبقى وتستمر، وهذه الاستحقاقات مهم جدا أن يعيها كل فرد يعيش على الأرض التي يتم فيها صناعة التنمية، حيث لا يجب أن تتجاوز هذه الصورة «الاهتمام» جميع المكونات الاجتماعية التي تشكل الوطن الكبير، فالشرائح على مختلف أنواعها، وتوجهاتها، وتفصيلاتها الدقيقة، وتجاذباتها المختلفة، هي معنية بصورة مباشرة في تعزيز ما يسمى بـ «التنمية» وبشموليتها المعروفة، حيث لا تجزئة في مفهوم التنمية، وبالتالي؛ ووفق هذه الرؤية؛ ينظر الى أي إخفاق يحدث من أي فرد في المجتمع، هو سلوك متعمد في تشويه صورة التنمية.

يقول مايكل جونستون وهو مؤلف كتاب (متلازمات الفساد) وهو يشير الى الإصلاحات التي تخدم التنمية: «لن تنجح الإصلاحات على المدى البعيد ما لم تدرك شرائح واسعة من المجتمع أن لها مصلحة في نجاحها، وأنها قادرة على العمل من أجل تلك المصالح وهذا تطور يتطلب تنافسا سياسيا ملتزما ومستداما».

وهذه الصورة تقودنا إلى الحديث عن ضعف الإنتاجية في العمل، وهو الذي يعكس شعورا عاما لدى الكثيرين من المساهمين في برامج التنمية، بأنهم ليسوا الوحيدين المعنيين بحمل هم تحقيق نجاحات مختلف برامج التنمية، وهذه إشكالية كبيرة، مرجعها أخلاقيا بالدرجة الأولى، قد يقومها القانون المنظم في أية مؤسسة تشعر بخطورة نمو مثل هذا الشعور لدى موظفيها، ولكن المهم في ذلك يكون الشعور الذاتي لدى الموظف؛ بتحقيق النجاحات في برامج التنمية؛ أكبر من الشعور الذي يخلقه القانون عادة، لأن في الأول هو الوضع الطبيعي الذي يفترض أن يستشعره كل موظف، وأما في الثاني تسود حالة من عدم التوافق بين قوانين المؤسسة، وبين مجموعة العاملين فيها، حيث العلاقة المتأرجحة بين الطرفين، وهذه مرحلة؛ تعتبر؛ أخيرة في العلاقة بين الطرفين، وبالتالي فعلى الموظف عندما لا يستطيع أن يتخلص من هذا النوع من الشعور في المؤسسة التي يعمل فيها، عليه أن يقدم استقالته منها، ويعود الى منزله ليتشافى من هذا الضرر الذي ألم به، حتى وإن كان هذا الضرر هو ناتج عن سوء العلاقة بينه وبين مسؤوله الأعلى، وهذا يعتبر نوعا من التضحية لأجل الوطن، لأن البقاء على رأس العمل بهذه الصورة غير التوافقية بينه وبين محيطه الوظيفي يعتبر تشويها مباشرا؛ ليس فقط؛ على مستوى المؤسسة التي يعمل فيها، بل على مستوى التنمية الشاملة ككل.

لقد «نشر موقع الإدارة بالقيم في أبريل من عام 2004م أن ثلاثة أرباع المؤسسات لا تخصص موظفا لأخلاقيات العمل، وثلاثة أرباع المؤسسات ليس لديها برنامج أخلاقيات، ولا تخدم الموظفين في تعليم الأخلاقيات، كما نشر موقع التوظيف العالمي في العام نفسه، أن (61%) من الموظفين لا يثقون برؤسائهم في العمل»، كما جاء في كتاب «أخلاقيات العمل المهني والارتقاء بالأداء الوظيفي».

فهذه كلها صور مشوهة للتنمية، وتظل مراجعتها مسالة محورية في ثقافة عمل المؤسسة، أي كان الدور أو المساهمة التي تقوم بها مؤسسة ما في برامج التنمية، والتحايل على القوانين والأنظمة الإدارية الحاكمة أو الضابطة للعلاقة بين طرفي المعادلة الإدارية (الموظفون/‏‏ المؤسسة) هي علاقة ملتبسة باستمرار، وهذا الالتباس يساهم فيه الموظف والمسؤول على حد سواء، متجاوزين من خلاله قيم المؤسسة وأنظمته وقوانينها، وهذه من صور العلاقة الـ «باهتة» بينهما، والموظف البسيط يتأثر أكثر من غيره من إشكاليات هذا الالتباس، ويرى فيه أنه الأكثر استهدافا لحقوقه، بينما الواقع أن كلا الطرفين هما معول هدم لمختلف القيم؛ ليس فقط؛ للمؤسسة ذاتها، وإنما للصورة العامة للتنمية، لأن المؤسسة الواحدة هي جزء لا يتجزأ من منظومة كبيرة تشكل مختلف المناخات المعززة للتنمية.

من جملة ما تناقلته الرسائل الـ «واتس أبية» خلال الأسبوع المنصرم؛ وأقيمه مثالا حيا؛ للعلاقة الملتبسة بين طرفي المعادلة، أو هو نوع من المقاربة لهذه العلاقة الملتبسة، هو ما يعرف بقانون ما يسمى بتأثير الكوبرا؛ حسب النص؛ حيث تقول الرواية، ما نصه بتصرف: «إبان الاستعمار الإنجليزي للهند لاحت لأحد المحافظين فكرة للتخلص من ثعابين الكوبرا القاتلة التي امتلأت بها الشوارع والبيوت في المحافظة، فأعلن مكافآت مالية كبيرة لكل من يقتل كوبرا ويأتي بها للمحافظة، سلم تستلم «كاش داون» (...) وأنه «نحو شهور تزاحم الناس بالملايين إلی المحافظة يحملون الكوبرات الميتة ويتلقون المكافآت المالية، لكن في الشهر الرابع، عكس التوقعات بانخفاض معدل القادمين بالكوبرات الميتة، ازدادت أعدادهم أضعاف الأشهر الأولى، فذهب المحافظ في جولة تفقدية لمعرفة السبب، حيث أصيب بالصدمة عندما علم أن الهنود قاموا بإنشاء مزارع لتربية الكوبرات وبيعها بالدستة للراغبين في قتلها وحملها للمحافظة. الكارثة أنه بعد أن تعرف المحافظ علی أسباب زيادة الثعابين، قام بإلغاء مشروع المال مقابل الكوبرا المقتولة، وبذلك القرار اضطر أصحاب مزارع تربية الكوبرا لإطلاق سراح الثعابين لأنها لم تعد ذات فائدة فامتلأت الشوارع وتدفقت بالثعابين السامة المميتة وشرد كل سكان المحافظة للنجاة بأرواحهم، منذ ذلك التاريخ أطلق الخبراء علی أي مشروع غير مدروس وتأتي نتيجته أسوأ من الوضع الأول، بقانون (تأثير الكوبرا)».

وحسب المصدر السابق لـ «مايكل جونستون» يقول: «يتمثل الضرر بعيد المدى على شكل فرص ضائعة في أحداث التغيير والتكيف، وفي انتشار روح من اللامبالاة وعدم الثقة في البيانات والسياسات الرسمية». وإلا لما حدث هذا التحايل، كما هو المثال، في قانون الكوبرا، فهذه طبيعة بشرية تظل على استمرائها في الخروج عن القانون، والتكور أكثر على مصالحها الخاصة جدا، ويبقى القانون هو المعول عليه لإحداث التغيير من خلال إرباك مجموعة الصور النمطية القائمة بين المؤسسات وموظفيها بشكل عام، وبين مجموعة الموظفين بمستوياتهم الوظيفية في المؤسسة الواحدة بشكل خاص، فتجريد المسؤولين الصغار من صلاحياتهم وفق القانون، والخلافات القائمة بين المسؤولين في المؤسسة الواحدة، وعدم شيوع ثقافة مساءلتيه قادرة على الضبط مختلف العلاقات القائمة في المؤسسة الواحدة، مما يحد من بناء مؤسسات سياسية قوية في بنيوياتها الفنية والإدارية، وقيمها التنظيمية.

كل ذلك يأتي على حساب التنمية في استدامتها، وفي شموليتها، حيث تبقى تنمية مشوهة، في جوانب عطاءاتها المختلفة، مما يجعل صاحب القرار في بحث دائم عن حلول، حيث تظل المعضلة قائمة، وهذه أكبر إشكالية في شأن مفهوم التنمية الشاملة المستدامة، التي تعزف على استمراريتها، وتسخير كل الطاقات لبقائها قادرة على العطاء بمختلف الحكومات في كل التجارب التنموية.