أفكار وآراء

الحقيقة أجمل .. أو الحقيقة في بساطتها

13 مارس 2019
13 مارس 2019

علي الصراف -

كشف الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية معالي يوسف بن علوي عن الحقيقة في بساطتها، ليرى الجميع كم أنها أجمل.

وهي في بساطة جمالها لا تحتمل التأويل. حتى لتبدو خالية من كل زوائد القول، في قضية لم تحمل مثلها ما حملت.

قال الرجل، بفصاحة الحقيقة ومباشرتها إنه لا تطبيع مع إسرائيل وأن عمان تتمسك بالمرجعيات الدولية المتعلقة بحل الدولتين، وأنه لا بد من خلق نظرة تضمن قيام الدولة الفلسطينية، وأن عُمان لا تتفاوض نيابة عن أحد، ولا تفرض على أحد شيئا، وتستجيب لمن يطلب المساهمة في خلق الظروف الملائمة لإيجاد حل.

هذا كلام واضح، مباشر، ولا ينطوي على أي شيء يستوجب أن يُضاف عليه، أو أن يُنقص منه.

إنها عُمان التي، إذا التقى مسؤولوها مسؤولين فلسطينيين أو إسرائيليين أو من أي مكان في الدنيا، قالت الشيء نفسه.

إنها عُمان التي صنعت من السلام والتعاون أيقونة في السياسة وفي العلاقات الخارجية.

وهي عُمان التي إذ نزعت الى النأي بالنفس عن النزاعات والصراعات، فليس لأنها تخشى الحق، بل لأنها تسعى إليه.

ومثلما أن لكل حق وسائله، فإن الوسيلة الباردة، أو الناعمة، أو الهادئة (سمها ما شئت)، هي وحدها الطريق في حقل ألغام لا يني يتفجر من حين الى حين.

وهي وسيلة عقل وعزم لا يلين.

لا وسيلة انفعالات تغلي وتهدأ ولا تسفر إلا عن المزيد من الضرر.

لقد حفرت عُمان لنفسها مكانا مشهودا في العلاقات الإقليمية والدولية، لا لتكون «سويسرا» في الحياد بين المتنازعين، بل لتكون عُمان نفسها.

إذ لا حياد في الحق، ولا خروج عن قواعده وشروطه ومستلزماته، بينما ظل «أهل مكة أدرى بشعابها»، بمعنى أنها لا تحل محل أحد.

فأهل الشأن، هم في النهاية، أهله.

جاء نتانياهو أو ذهب. لا شيء يختلف. يمكن لرئيس الوزراء الإسرائيلي أن يعتبر لقاءاته مع أي من المسؤولين العرب «اختراقات»، ولكنه يعرف أنها تتطلب منه أن يخترق شيئا ما في جبهته هو.

هل عاد نتانياهو من كل لقاء وكأنه اكتشف قارة جديدة؟

لا بأس. هذا انطباع مفيد في الواقع. إنه انطباع يلزمه بأن يبني عليه شيئا ماديا ما. ولكنه «انطباع» يشبه الانطباعية في الفن. بمعنى أنه صورة عن الواقع، وليس الواقع نفسه.

وفي السياسة، فأنك تحتاج أن تنشئ واقعا قابلا للصمود كواقع، لا أن ترسم لوحة.

الاختراق الحقيقي هو هذا: أن يكتشف نتانياهو وكل أقرانه الآخرين، أن السلام يتطلب العودة الى الأسس. كما أنه يتطلب القبول بحل متفاوض عليه، لا بحل يفرضه طرف على طرف.

أنه اختراق أيضا، ضد منطق القوة، الذي جعل من إسرائيل تتغطرس على الفلسطينيين وتغتصب حقوقهم المشروعة كل يوم.

وهو اختراق نحن الذين نصنعه، إذ نقول لإسرائيل أن بوسعها أن تعيش بأمن وسلام، إذا أرادت.

ولكن لا سلام يقوم على ظلم واضطهاد وجريمة وتعسف.

المسألة ليست مسألة قوة وضعف. إنها مسألة عقل ومنطق.

يمكن استدعاء من يمكنه أن يشهد بأنه ما من شعب يكون حرا إذا اضطهد شعبا آخر. هذا جانب من المنطق.

كما يمكن استدعاء القوة أيضا. فهل تبدو إسرائيل، لنفسها قوية؟

القوة شيء نسبي تماما. وبمقاييس القوة، إذا جمعتها، فإن إسرائيل ليست بعبعا، على الإطلاق. وهي في الواقع أضعف كثيرا مما تبدو.

قوتها الحقيقية – بمعادلات اليوم- إنما تمكن في قدرتها على صنع السلام لتجعل من وجودها وجودا غير متنازع عليه. فإذا فشلت، وإذا أخذتها العزة بالإثم، فلا وجود حقيقيا ولا مكان.

هذا جانب آخر من المنطق.

والفلسطينيون ليسوا ضعفاء أبدا. إنهم شعب يعيش على أرضه ويقاوم كل ضغوط الاحتلال وتعسفه ومظالمه. ومثلما صبر سبعين عاما، فإنه سيظل قادرا، بقوة من نفسه، على البقاء ليظل تحديا وجوديا لا محيد عنه، وليظل الصراع قائما على سؤال مفتوح لكل إجابات التاريخ، ولكل تقلبات القوة والضعف. لقد جربت إسرائيل هذا وذاك وذلك. كما جرب الفلسطينيون والعرب، هذا وذاك وذلك أيضا.

الاختراق الوحيد في هذه الدائرة المغلقة من التجارب، هو أن توجد فسحة لاستئناف العقل والمنطق بين المتنازعين.

إنها الأشياء البسيطة التي تكشف عن جمالها الساطع.

وهي الحقيقة التي، إذا تجردت من كل زوائد القول، جعلت من نفسها شمسا تنير ظلام الطريق.