أفكار وآراء

العمود الفقري للموازنة

13 مارس 2019
13 مارس 2019

مصباح قطب -

[email protected] -

الضرائب هي العمود الفقري للموازنة العامة للدولة.. جملة تظل صالحة رغم كثرة ترديدها بصدق أم بدون. وعندما نقول إن الضرائب هي صانعة الأوطان الحديثة وعن حق، وانه مهما كانت موارد الدولة الطبيعية فلا مناص في المجتمعات الحديثة وعن قناعة من إيجاد وتطوير نظم قوية وعصرية ومتكاملة الضرائب. أكثر من ذلك انه عندما تمثل الحصيلة الضريبية نسبة فائقة من الإيرادات السيادية للدولة فهنا يجب النظر إلى كل ما يتعلق بالمنظومة الضريبية على انه جزء أساسي من مشروع قومي

في نفس الوقت فالضريبية موضوع حيوي للغاية بتشابكاته وهي لا تتعلق فقط بفكرة الاقتصاد الكلي أنما هي ركن أساسي في المنظومة السياسة والاجتماعية للدولة وكما يقول خبير الضرائب المحلية والدولية عمرو المنير (ونائب وزير المالية المصري للسياسات الضريبية سابقا) أنها تعتبر أي الضرائب نقطة التقاء وتفاعل أساسية بين الدولة والمواطن تأثيرا وتأثرا وهي في نفس الوقت خيار سياسي واجتماعي للقيادة السياسية في أي دولة فالسياسة الضريبية يمكن أن تكون جالبة للرضا والقبول أو للاستياء من جانب المواطن تجاه سياسات الدولة بصفة عامة وهذا يتوقف على درجة تأثر هذا المواطن بالسياسة الضريبية سلبا أو إيجابا ويمكن كما يقول المنير في حوارات معه من أجل البحث عن مشتركات في مجال العمل المالي والضريبي العربي المشترك.. للسياسة الضريبية أن تؤدي إلى استفادة فئة أو مجموعة أو طبقة على حساب طبقة أخرى ونرى أحيانا كيف تتهم السياسة الضريبية بالانحياز للهدف الاقتصادي والاستثماري للدولة فيقال عنها إنها تحابي الأغنياء على حساب الأقل دخلا وبالتالي زيادة حالة عدم المساواة في الدخل أو الثروة بين فئات المجتمع أو تتهم بالعكس بأنها تنحاز إلى الهدف الاجتماعي وهو تحقيق العدالة الاجتماعية على حساب تشجع الاستثمار.

ولذلك فالسياسة الضريبية وما يتعلق بها من إصلاح ضريبي من الأهمية بمكان ليس فقط لصالح الجانب الاقتصادي في الدولة ولكن للجانب السياسي بصفة عامة فهي تتأثر وتتفاعل مباشرة مع المواطن وكذلك فهي أيضا وسيلة فكلما تحققت إيرادات ضريبية أكثر تحققت معدلات نمو أكثر وتوفرت إمكانية لإعادة توزيع الثروة عن طريق الإنفاق على البنية الأساسية من التعليم والصحة وذلك هدف مهم جدا لكنه لن يحدث إلا بتحقيق إيرادات ضريبية كافية للموازنة العامة للدولة

وفيما يتعلق بتحقيق الإصلاح الضريبي قال المنير إنه يجب توافر عدد من المقومات الأساسية لتحقيق هذا الإصلاح وأول وأهم هذه المقومات هو توافر الإرادة السياسية لأنها هي العنصر الحاكم لإنجاح أي عملية إصلاح عموما وهذه الإرادة يجب ان تبدأ من القيادة حتى أقل عنصر من عناصر أي منظومة إصلاح مطلوبة ولا شك أن الإرادة السياسية متوافرة لدى القيادات العليا للدول العربية في المجمل وزاد من أهميتها الأوضاع المالية والاقتصادية الصعبة في العالم وفى عديد من الأسواق الناشئة.

ان نجاح عملية الإصلاح يتطلب إلى جانب التركيز على إصلاحات الإنفاق فيما يتعلق بسياسات الدعم وغيره يتطلب التركيز على الإصلاح الضريبي لتحقيق الإيرادات الضريبية المطلوبة فالحصيلة ليست هدفا في ذاتها ولكنها أيضا محورية في أهميتها وتأثيرها .

السؤال هو: هل تكفي اهتمامات القيادات العليا للدول لتحقيق الإصلاح الضريبي أم أن الرسالة يجب ان تصل إلى كل المستويات الأقل ؟

يرد المنير : لنكن واقعيين فإن فكرة الإصلاح الضريبي لا تلقى قبولا عند بعض الفئات وهذا يتعلق بصالح خاصة لمن هم من الممولين أو حتى من الموظفين ويتطلب ذلك عناية خاصة.

ويواصل: من مقومات الإصلاح الضريبي أيضا التأكيد على استقرار أهداف السياسات الضريبية ومدى فاعلية وكفاءة تصميم هذه السياسة من حيث القدرة على صناعة الاستقرار البناء أي الذي لا يعني الجمود ويلزم كذلك وجود آلية قوية وتصميم وواضح وفعال على تطبيق هذه السياسة ولكن لابد من توافر قدر من المرونة عند التطبيق فنحن لا نتحدث عن فكر جامد فمثلا عندما شرفت بالعمل كنائب وزير مالية كان أول شيء أكدت عليه للجميع هو أهمية استقرار السياسة الضريبية وأهمية وجود أهداف واضحة لهذه السياسة وهو ما لم يكن متوفرا بشكل كاف في فترات سابقة.

ولم أنظر إلى الحصيلة الضريبية كأرقام مجردة فالهدف من الحصيلة الضريبية أن نصل لرقم معين في زيادة الحصيلة أو معدل نمو معين وبدون مؤشرات أو أساس علمي للتنفيذ لتحقيق هذه الحصيلة الضريبية فلا أمل في جني ثمار حقيقية. بمعنى آخر كانت الحصيلة أو الإيرادات الضريبية للناتج المحلي الإجمالي بمصر حتى نهاية العام ٢٠١٥ نحو 12.5% وعند مقارنة ذلك بالمعدلات العالمية التي تقترب من 20% أو أكثر تعتبر متدنية ولذلك كان الهدف هو زيادة الحصيلة الضريبية للناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1% سنويا لتصل إلى حوالي من 17% إلى 18% خلال عام 2021-2022. هذا مثال لأهمية المعيارية والقياس

ويجب ان يستمر هذا الهدف نصب أعين كافة المسؤولين في كل بلد نام عموما وباختلاف الظروف للوصول إلى الهدف المرجو وهو ان نقترب من النسب العالمية تدريجيا وبدون ذلك لن نحقق أيا من أهداف الضرائب التي أشرنا إليها. يؤكد المنير ان المقوم الثالث من مقومات الإصلاح الضريبي هو ضرورة إشراك كافة الأطراف المعنية في تصميم تلك الإصلاحات سواء من داخل الإدارة الضريبية من داخل الوزارة أو مصلحة الضرائب أو من خلال (الشركاء) أو الأطراف المعنية كلها لضمان وجود قاعدة عريضة من التأثير لهذا الإصلاح لان أي إصلاح من المؤكد أن تواجهه قوى معارضة سواء من داخل المنظومة لعدم رغبتها في التغيير حيث لديها أوضاع مستقرة وترى ان التغيير ليس في صالحها ولذا ترغب في استمرار الأمور وأكبر قدر من المقاومة يأتي عادة من هذه الجهات بالإضافة إلى قوى معارضة من خارج الإدارة أو المنظومة الضريبية من مصلحتها استمرار الأوضاع كما هي سواء للرغبة بالتهرب من الضرائب أو عدم الكشف عن إيراداتهم الحقيقية أو كل ما يتعلق بفكرة تجنب سداد الضريبية . لذا نعود إلى القول بأهمية وجود خطة ناجحة وواضحة تبدأ أولا بالتشاور مع كافة الأطراف المعنية بهذه الخطة وكسب تأييدهم لها، وثانيا تسويق هذه الخطة وبرنامج الإصلاح الضريبي لكافة الأطراف المطلوب ان تشارك في هذا الإصلاح وبما في ذلك المجتمع.

ويعتقد المنير ان ما قام به أثناء فترة عمله في وزارة المالية عند كثير من الإصلاحات وعلى رأسها قانون ضريبة القيمة المضافة مفيد كتجربة عامة فقد التقينا مع كافة الجهات المعنية من مهنيين وعاملين في الحقل الضريبي واتحادات الصناعات والغرف التجارية ورجال الأعمال وكل من له صلة بالقانون وأعضاء مجلس النواب وعملنا العديد من اللقاءات للشرح والاستماع ونتج عنها عمل تعديلات كثيرة في مشروع القانون من خلال شرح وتسويق القانون وكان هذا أحد أسباب نجاح تطبيق هذا القانون بدرجة كبيرة.

فيما يتعلق بالإصلاح الضريبي أيضا في التشريع الضريبي بعد مهم وحاكم ومعه الإدارة الضريبية التي تقوم على تطبيق هذا التشريع ومدى ميكنتها وتطورها وفهمها لدورها. والخبرات الدولية الحديثة في ملف الإصلاح الضريبي ومكافحة التهرب والتجنب الذي يشغل العالم كله وربما يكون للحديث بقية فقد يحرك ذلك تيارا عربيا يدفع إلى الإصلاح والتحديث وقد يتحمس من يعنيه الأمر لإقامة اتحاد عربي للهيئات الضريبية يكون محفلا لتبادل الخبرات والمعرفة .