1151841
1151841
مرايا

طرق فعالة وغير عقابية لمساعدة أطفالنا على تحسين سلوكهم

13 مارس 2019
13 مارس 2019

يشعر الآباء بالفرحة منذ الوهلة الأولى عند لقائهم بطفلهم الجديد، لا سيما وإن كان هنالك بعض الإعداد النفسي لهذا اللقاء في شهور الحمل التي تسبق ولادة الطفل، وقد تمتزج هذه الفرحة بالإحساس بالمسؤولية باتجاه ذلك الطفل القادم إلى هذه الحياة. فليس توفير الغذاء والسكن فقط هما ما يحتاجهما الطفل، ولكن يشعر الآباء أيضا بأنهم مسؤولون عن تربية أطفالهم ليكونوا أصحاب سلوكيات وأخلاقيات حسنة تناسب الأعراف الاجتماعية والدينية والأخلاقية المتعارف عليها.

فالأطفال يأتون إلى هذا العالم وهم لا يدركون معنى السلوك الحسن والسلوك السيئ، ومع نمو الطفل تبنى لديه تصورات وفرضيات عن السلوكيات المقبولة وغير المقبولة بحسب ما توضحه تجارب الأطفال في البيت والمدرسة والمجتمع.

هنالك بعض الآباء الذين يتصورون بأن الضرب والعقاب هما الخط الدفاعي الأول لتصحيح سلوك أبنائهم، معظم هؤلاء الآباء يتكون لديهم هذا التصور بناء على أعراف اجتماعية تشجع على العقاب والضرب، أو أن تجربتهم في بدايات حياتهم كانت مبينة على هذا الأساس.

ولكن: «من أين حصلنا على هذه الفكرة المجنونة التي تقول بأن تحسين أداء الأطفال يكون بأن نجعلهم يشعرون بالسوء في البداية؟» جين نيلسن التهذيب الإيجابي (Jane Nelsen، Positive Discipline)

معظم الآباء يشعرون بالدهشة عندما يلاحظون بعض السلوكيات غير المقبولة من أطفالهم، وهنا لا نشير إلى السلوكيات المتطرفة مثل السرقة والكذب فحسب، ولكن في الغالب هي الأشياء اليومية التي تبقينا على حالة من الإحباط والإحساس بالسوء، مثل ترك غرفتهم في حالة من الفوضى، ولا يأتون عندما ننادي عليهم، ويسيئون استخدام امتيازات الكمبيوتر الخاصة بهم، ولا يقومون بالواجبات المنزلية.

في الأوقات التي نشعر فيها بالإحباط الشديد قد نلجأ إلى أشكال العقاب الكثيرة، كأن نأخذ ألعابهم وألعاب الفيديو الخاصة بهم، أو نرسلهم إلى غرفتهم. نصحو، نتعقب، نلقي المحاضرات ونخبر أطفالنا أن يتصرفوا بشكل أفضل، وإلا!

العقوبة طريقة شائعة مع الوالدين لكنها غير فعالة بشكل عام، فعندما نجعل أطفالنا يشعرون بالسوء لما قاموا به ونحن نعاقبهم، فهم لا يشعرون عادة بالأسف على ما فعلوه، ولا يفكرون في كيفية القيام بعمل أفضل في المرة القادمة، وعادة ما يشعرون بالغضب والدفاع والانتقام، ومن المعروف أن العقاب يجعل الأطفال يكذبون أكثر ويبتكرون طرقًا أكثر سرية لفعل ما يريدون فعله.

نحن كآباء نحتاج إلى إيجاد طرق غير عقابية لمساعدة أطفالنا على تحسين سلوكهم، نحن بحاجة إلى دفعهم لفحص ضميرهم وإعادة تقويم البوصلة الأخلاقية الخاصة بهم، بحيث عندما لا نكون معهم فإنهم سوف يفعلون الشيء الصحيح، نريدهم أن ينظروا إلى أنفسهم بأنفسهم وأن يخرجوا بطرق لتحسين سلوكهم، هذا يبدو وكأنه أمر طويل ولكن يمكن القيام به.

إليكم 5 أشياء يجب وضعها في الاعتبار عندما يخطئ أطفالنا في التصرف حتى نتمكن من مساعدة أطفالنا على النظر داخل أنفسهم والعمل على تحسين سلوكهم.

1. ترك الغضب:

وفقًا لمايمونيدس، عندما يقوم طفلنا بإساءة التصرف، نحتاج إلى توجيه اللوم لهم بشكل خاص وبطريقة لطيفة. هذا يعني أنه لا يمكنك تأديب الطفل عندما يتصرف بجنون، ولكن يتطلب تأديب طفلك أيضًا الدافع المناسب، عليك أن تؤمن بأنك توجه طفلك لفائدته فقط.

عندما نكون غاضبين فإننا في بعض الأحيان نميل الى الغضب والصراخ على أطفالنا لكي نوقف الفعل السيئ الذين يقومون به، فبدلا من أن نطرد الصوت الداخلي الذي يجب أن يقول لهم: «لقد ارتكبت خطأً ما، كيف يمكنني جعل هذا أفضل؟ بدلا من ذلك، يفكرون، «لماذا يصرخ في وجهي؟ ما هي أسرع طريقة لجعله يتوقف؟ ما هو الخطأ؟ ما هي مشكلتي؟».

عندما نكون هادئين، يمكن لأطفالنا أن يسمعوا ما نقوله لهم وكلماتنا تكون مفهومة أكثر. فبدلا من أن ينفقوا طاقاتهم في الدفاع عن أنفسهم بإيجاد الأعذار أو بالاختباء، فإنك قد ترى الأطفال أكثر رغبة في الاستماع وحتى التفكير في أفعالهم، والقيام قليلا بالبحث عن الفعل الصحيح.

2. الهدوء هو المفتاح:

ليس من السهل البقاء هادئًا في مواجهة سوء السلوك، من المفيد أن تتذكر أن الأطفال عادة لا يسيئون التصرف عن قصد، أو لمجرد إزعاجك، أو لأنهم سيئون حقا. من المحتمل أن يكونوا غير مدركين للقواعد أو السلوكيات الحسنة أو أنهم يقمون بذلك لانهم مجهدين ومتعبين، أو جوعى، أو محبطين من أشياء مرت عليهم بيومهم في المدرسة أو البيت. إذا كنت تفترض أن طفلك جيد في الأساس، ولكن بعد اللحظات سيئة فستجد نفسك أقل عرضة للغضب واللجوء إلى العقاب كأداة تأديبية.

3. أعلم أنك لم تقصد..

الآن بعد أن أصبحنا هادئين ونحن نضع اهتمامنا في مصلحة أطفالنا، وربما قد لاحظنا أنهم لا يعنون عادة أن يكونوا سيئين، فماذا نفعل عندما يسيئون التصرف؟

يمكننا ويجب علينا تحذير أطفالنا، ولكن نريد أن نفعل ذلك بطريقة تسمح لهم بمعرفة أننا نؤمن بخيرتهم الأساسية، نحن نريد أيضا أن نترك لهم مجالا لحفظ ماء الوجه، وهذا يتيح لهم مواجهة سوء سلوكهم والاستماع إلى ضميرهم الأخلاقي.

قد نبدأ بالقول: «أنت عادة لا تتصرف بهذه الطريقة.. رأيت أنك دفعت نوح من الأرجوحة ...»

«من المحتمل أنك لم تكن على علم بأن هذه مشكلة، لا يُسمح بأخذ ألعاب من الفصل الدراسي دون إعلام معلمك».

«أعلم أن هذا ربما كان شيئًا لمرة واحدة، لكن يجب الحفاظ على قواعد عبور الطريق».

ثم نحتاج أن نوجههم بلطف لإيجاد طرق لإجراء التعديلات. يمكننا أن نقول:

«نوح يبدو مستاء جدا. هل يمكنك التفكير في أي شيء من شأنه أن يجعله يشعر بالتحسن؟

«لنحرص على إعادة هذه اللعبة إلى المعلمة غدًا. هل يمكننا إخبارها أننا نفهم القواعد الآن؟ تبقى الألعاب المدرسية في المدرسة».

«أحتاج أن أعرف أن قواعد عبور سيتم الالتزام بها في المرة القادمة. هل لديك أي أفكار عن كيفية تجنب ذلك في المستقبل؟

هذا النهج اللطيف يساعدهم على التفكير في ما قاموا به من خطأ، لا يدفعهم للدفاع عن أفعالهم، بينما يسمح لهم بمعرفة أننا نعتقد أنهم قادرون على وضع الأمور في نصابها الصحيح.

4. إعطاء الكثير من الاهتمام لسلوكهم الإيجابي:

الأطفال بحاجة الى الاهتمام، ومن عجيب المفارقات، أنه كلما زاد الاهتمام الذي نوليه لسلوك الطفل السيئ، أو حتى الانتباه السلبي بالمعاقبة أو الصراخ، كلما عززنا ذلك السلوك. فمثلا إذا كان طفلك الصغير يضغط على شقيقه الصغير قليلاً، فنحن عادةً ما نقضي الكثير من الوقت في تحذيره: «توقف عن الضغط على أخيك الصغير بشدة، هذا يؤلمه».

هذا فقط يتيح لهم معرفة أنهم إذا احتاجوا إلى عناية أو لفت الانتباه لهم فإن عليهم فقط الضغط على أخيهم الرضيع بقوة. بدلا من ذلك من الأفضل تعليمهم كيفية لمس الطفل بشكل مناسب و ربما تمثيل ذلك: «انظر، تعلم كيف تلمس الطفل برفق. تضع يدك على ذراعه وساقيه، هذا هو المكان الذي يمكنك فيه لمس الطفل».

هذا يعمل للأطفال الأكبر سنا أيضا، فمثلا إذا كان طفلك لا يريد أن يأتي لتناول العشاء ولكنه عندما جاء تذمر طوال الوقت، فإننا قد ننفق الكثير من الطاقة مشيرين إلى سلوكه غير المناسب فقط: «واضح عليك الغضب, هذه ليست الطريقة التي تتصرف بها على مائدة العشاء» هذا يسمح لهم عن غير قصد أن يعرفوا أن الشيء السيئ الذي يقومون به يحظى بالاهتمام فقط.

بدلا من ذلك يمكننا التركيز على حقيقة أنه جاء على أي حال، على الرغم من مقاومته: «أعلم أنك لم ترغب في الحضور لتناول العشاء. نحن نقدر حقًا أنك قد بذلت الجهد للانضمام إلينا، نحن سعداء حقا أنك هنا. عندما تكون مستعدًا، نحب سماع أخبار رحلتك المدرسية».

5. الانضباط بحزم وطيبة:

يشرح فابر ومازيش في كتابهما «كيف تتحدثي حتى الأطفال» الخطوات البسيطة التي يمكن للوالدين اتخاذها لتأديب أطفالهم.

فمثلا عندما تطلب من طفلك للمرة العاشرة الخروج من الحاسوب ولم يذعن لك، يمكنك:

- وضح رفضك التام للسلوك: مثلا بقول أشعر بالإحباط عندما لا ينزل الأطفال من جهاز الحاسوب عندما يُطلب منهم ذلك.

- ضع توقعاتك للسلوك الصحيح: أتوقع منك إتباع القواعد التي وضعناها لاستخدام الحاسوب في هذا المنزل.

- اعرض على الطفل كيفية إجراء التعديلات: يمكنك الخروج من جهاز الحاسوب الآن، واسمح لي بمعرفة ما هي خططك في المرة التالية التي تستخدم فيها الحاسوب. اسمح لي أن أعرف كيف ستساعدك على الالتزام بالقواعد.

- تقديم خيارات لحل المشكلة: هل ترغب في إيقاف تشغيل الحاسوب أو هل ترغب فقط في إغلاق الغطاء؟

- دع الطفل يختبر عواقب سلوكه: سوف نغلق الكمبيوتر المحمول لبضعة أيام الآن. عندما يكون لديك الوقت سنتحدث عن بعض الأفكار التي قد تكون لديك حتى يمكن اتباع القواعد قبل إعطائك إياه مجددا.

المفتاح هنا هو الحفاظ على الهدوء والحياد وعدم المواجهة، فيمكن القيام بتأديب الأطفال دون عقاب. إن الحفاظ على الهدوء، ومساعدة الأطفال على الاعتقاد بأنهم قادرون، وأننا نؤمن بهم، ونجعلهم يشعرون بعواقب سلوكهم كلها طرق يمكن أن تنجح.

دكتور يحيى بن خالد الكلباني

اختصاصي الطب النفسي- وزارة الصحة