1155794
1155794
المنوعات

تحولات الكائن البشري في ثلاثية الروائي عز الدين شكري فشير

10 مارس 2019
10 مارس 2019

ليلى عبدالله -

سعى الروائي المصري «عزالدين شكري فشير» عبر مشروعه الروائي إلى صناعة شخصية تخضع لتقلبات هائلة في زمن يجرد الإنسان من إنسانيته ويحوّله إلى كائن بائس يفتش عن طرق يهرب فيها من ذاته، يخرج فيها من جلده؛ ليكون مسخًا في النهاية!

برع الروائي في ثلاثيته الروائية التي بدأها برواية «مقتل فخر الدين» 1995م وأعيد طباعها عام 2009م عن دار المصرية اللبنانية، ثم أتبعها برواية ثانية «غرفة العناية المركزة» التي صدرت عن دار الشرقيات عام 2008م ثم أخيرًا «أبو عمر المصري» دار الشروق 2010م، لا شك أن القارئ سيلمح المدة الزمنية الفاصلة بين هذه الروايات الثلاث التي تم دمجها وتحويلها لمسلسل درامي مصري عرض في شاشات الموسم الرمضاني 2018م، سيناريو وحوار الكاتبة المبدعة «مريم نعوم» .

في روايته الأولى «مقتل فخر الدين»: تبدأ بمقتل شخصية البطل «فخر الدين» ويبدأ الراوي في مساعيه البوليسية إلى كشف أسباب مقتل البطل وإدراج أسماء متوقعة ساهمت في مقتله وتشيع هيئات قتله، فاختلفت الروايات، منهم من يقول أنه ثقب بالرصاصات، ومنهم من يقول إنه تعرض لماس كهربائي وآخرون يرون أنه احترق. لكن طوال الرواية يظل مقتل البطل في مقام التشكك، وفي النهاية أكثرهم يرجح أنه مخطوف أو مسافر لبلاد بعيدة لاسيما وأن جثته تكون غير موجودة في مكان الحادث ولا يراها أحد، فخر الدين هنا كان إنسانًا بسيطًا له صداقات طيبة مع أصدقائه، كان محاميًّا ناجحًا ينافح عن الفقراء والمعدمين من بطش الأثرياء ولهذا دفع الثمن باهظا!

في روايته الثانية «غرفة العناية المركزة» التي وصلت للقائمة القصيرة لجائزة بوكر العالمية 2012م، يستعرض الروائي أشخاصًا تحت الأنقاض، أشخاصًا كانوا ضحية انفجار للقنصلية المصرية في السودان والذي فجر هذه القنصلية يظل مجهولا ويكون مصدر صراع الأساسي في الرواية، وكل الشخصيات تلك تحت ركام المبنى المتفجر يبدأون في سرد حيواتهم ما قبل حصول الكارثة وجلد ذواتهم وهم يختنقون ويكادون يفقدون وعيهم كما لو أنهم في قبورهم المظلمة، كل واحد منهم يستعيد دوره في مطاردة «فخر الدين» وإلى محاولة اغتياله، تظهر لنا شخصية فخر الدين الذي كان مقتولا في روايته الأولى «مقتل فخر الدين»، هذا البطل الذي على ما يبدو يسترجع حقه بيده، فيغدو في هذه الرواية ضحية وذنبا في آن، ضحيةً حين يستعيد الذين وقفوا في وجهه مواقفهم المعادية في حقه، ويغدو قاتلاً حين يلمح الكاتب أنه وجماعته الدينية التي انظم لها سبب وراء انفجار القنصلية، وجاء منتقمًا لكل من تسبب في ضياعه، كل من كان وراء التحول الوحشي الذي أصبح فيه!

أما الرواية الثالثة التي حملت عنوان «أبو عمر المصري» فهي جاءت مكتملة، هنا يظهر التحول الكبير لشخصية «فخر الدين» وتتضح كل الحقائق الغامضة، لتكشف الرواية أن الذي قتل في الجزء الأول من الرواية هو ابن خاله وليس هو، من هنا يتفاقم القهر لديه، فيتوعد «فخر الدين» بقتل كل أشرار العالم عبر انضمامه للجماعات الإسلامية، لقد أختار طريق القتل والتدمير كي يطفئ قهره تجاه كل من اغتاله معنويًّا، على الرغم من أنه تمكن من انتحال شخصية ابن خاله «عيسى» كي يفر إلى باريس ويدرس في بعثتها كما كان «عيسى» يتمنى قبل أن يقع ضحية مؤامرة كبرى، غير أن «فخر الدين» يرى أنه بانتحال حياة ابن خاله يعيش حياة مستلبة، مستعارة، متخفية، حياة ليست له ولا تشبهه، وحين تموت المرأة التي أحبها وهي تلد ابنه «عمر» تسقط كل أسباب تخفيه وراء شخصية منتحلة، فيجد نفسه صيدًا جاهزًا للجماعات الإسلامية، ليعيش في تركيبة شخصية صنعها وأرادها في ظروفه المعتمة تلك ليكون «أبو عمر المصري» وهي مستقاة من شخصية واقعية لأحد الجهاديين المصريين، لتكون أقرب للحقيقة كما بين الروائي.

والغريب في رسم الروائي لهذه الشخصية رغم أنها عنيفة في ردودها، أن «أبو عمر المصري» الذي يلقّب بالنسر في الجماعة لمهارته في القنص، غير أنه في دخيلة نفسه يبدو إنسانًا لطيفًا لا يمت لهذه الشخصية بصله، شخصية تلبسها كي يتنحى عن آلامه، كي ينسى، غير أنه يرى أنه يضيع حياته سدى ويقتل أناس أبرياء لم يؤذوه يومًا، حتى القارئ يتعاطف معه، ويشعر أن شخصيته قريبة من الثائر «جيفارا» البطل المحبوب، سرعان ما يستعيد «فخر الدين» رشده، ويترك جبة «أبو عمر المصري» في أفغانستان وينطلق إلى مصر ويقف أمام أولئك الذي يستحقون الموت، أولئك الذين جعلوه سفاحًا.

فتبدأ سلسلة انتقاماته الشخصية، وينجح في قتل كل من حطمه، ويجد القارئ نفسه أمام رجل في هيئته الأخيرة، رجل قاتل، صار كل غرضه في الحياة هو أن يصفّي كل من أذاه، لقد صار مسخًا حقيقيًّا!

ثلاثية الروائي «عز الدين فشير» أكثر ما يميزها هي بنائه للشخصيات، ليس شخصية واحدة فحسب بل مجموع من الشخصيات يتنامون في عدة بيئات ومجتمعات، نجدهم في كل مكان وفي أي مكان. لقد صنع ببراعة شخصية المقاوم، شخصية الإنسان الناجح في عمله، شخصية الجهادي، شخصية الضابط السيئ، شخصية ضابط المخابرات الصالح، شخصية الصحافي النبيل، شخصية الصحافي المستغل إلى لا آخره، لقد خلق الشخصية وتناقضها في آن، والشخصيات يدركون هذا التحول الهائل في ذواتهم، ويكادون يلمسون أسبابها، بل يشعرون وكأنه تحوّل طبيعي لدورة الإنسان في حياته وما تقتضيه ظروفه.