1146309
1146309
إشراقات

المـــــرأة بين تكــريم الإســــلام وادّعاءات التحرير

07 مارس 2019
07 مارس 2019

شقائق الرجال -

حمود بن عامر الصوافي -

«المرأة صنو الرجل في الإسلام أوجب الله لها من الأحكام والقوانين ما يحفظ لها ذاتها وكيانها وينمي مهارتها ويساعدها على بذل الجهد لصلاحها وصلاح المجتمع فهي شقيقة الرجل في كل شيء ولا تختلف عنه إلا ما يتناسب مع طبيعتها وما يكون سببا رئيسا لتكامل المجتمع وتعاونه».

لا أخالك تسمع حديثا يدور في مجلس أو حكاية تروى في منتدى أو قصة تسرد في محفل إلا كان للنساء منها الحظ الأوفر والنصيب الأعظم يا ترى لماذا النساء في كل أمر؟ ولماذا الحديث عنهن بشكل مفرط؟

منذ قديم الزمان وسالف العصور والأيام والمرأة مربط الفرس ومحل التنازع والأخذ والعطاء فمن ظالم لها معتبرها رأس الخطيئة وعون الشر ومن مقدّس لها ورافع شأنها فوق مستوى البشر ولا أدلّ على ذلك وأجمل ما صاغه الشعراء فيها، فيقول قائل منهم:

إن النساء شياطين خلقن لكم نعوذ بالله من شر الشياطين

ورد عليه آخر على تشدده وعده النساء حبائل الشيطان ورأس الخطايا لكنه أبعد النجعة كذلك لما بالغ في وصفهن وتمجيدهن قائلا:

إن النساء رياحين خلقن لكم فكلنا نشتهي شم الرياحين

وتوسط أحدهم فيهن قائلا:

إن النساء كأشجار نبتن معا منهن مر وبعض المر مأكول

ومهما يكن من أمر فطبيعة النفس الإنسانية لا تستقر على حالة واحدة ولا على منوال واحد بل متقلبة ففيها القبح والحسن، والشين والزين سواء كان من عوالم النساء أو الرجال. فإذا تنوعت النساء واختلفت توجهاتهن فكذلك الرجل مثلهن أكثر تمايزا وتغيرا إلا أن المرأة جعلت في بؤرة الشعور عند كل فرحة أو ملمة وعند كل مصيبة أو بشرى ولم يجعل ذلك للرجل.

ربما لأن فرح النساء يتعدى حدود المعقول وحزنهن وإعجابهن يفوق الوصف والمعتاد وربما غضبهن أيضا يتجاوز الرجال بمراحل وذلك لأن طبيعة المرأة مركبة من عاطفة جياشة وأحاسيس فياضة مشوبة بالعقل طبعا إلا أن القلب والعاطفة يغلبان العقل والمنطق فتسير وفق عاطفتها وقلبها أكثر من سيرها وفق عقلها ومنطقها. وهذا لا يقلل من شأنها أو يحقر أمرها بل هو سر عظمتها وقوتها ولولا هذا التنوع لفسد العالم كله وضاق العيش بأهله لأن التكامل بين الرجل والمرأة يقتضي وجود شيء عند الآخر لا يوجد عند قرينه وذلك لأن الرجل عكس المرأة يغلب عليه العقل والمنطق على المشاعر والأحاسيس لذلك كان رديفا للمرأة في التكامل والتجانس والتعاون.

وهذا التكامل يجب أن يفهم فهما واضحا لأن أي تغيير أو تحوير في هذا الجانب يؤدي إلى ضياع أشياء أخرى كثيرة مرتبطة به فأنت لا تستطيع أن تطلب من سكان القطب الجنوبي أو الشمالي أن يعيشوا في خط الاستواء والعكس بالعكس صحيح، فقد دأب أولئك على عادات لن يستجيبوا لغيرها ونحن اعتدنا على عادات لن نستجيب لأولئك. فكل يعيش على حسب طبيعته وهواه وحريته لكن بشرط ألا تتعدى حرية الآخرين ولكن يمكن من باب النصيحة أن يبدي كل واحد ما يراه صوابا.

ولئن كانت المرأة مختلفة عن الرجل بخلقتها وطبيعتها فلماذا يلزمها بعضهم أن تكون نسخة طبق الأصل من الرجل وهذا لا يمكن أن يكون أو يستحيل أن يحصل وتسير دفة الحياة بأمان. لذا يقال إن أحبت المرأة عمل البيت أو أعجبت بالجلوس لتربية الأولاد بدلا من مزاولة الأعمال الشاقة في الخارج فلا تلزمها فيضيع عملها وأولادها بل اترك لها حرية الاختيار وأخذ الأولى لها. فلا نقول لا يجوز عملها خارج البيت لكن لا ينبغي لنا أن نتركها تزاول مهنا تسيء إليها أو تصعب عليها أو تؤدي إلى ضياع عملها الجبار في تربية الأبناء فلا بد من تقدير الأمور واختيار الأفضل والأنسب للمرأة ومثلها الرجل.

فالتكامل بين الرجل والمرأة اقتضى أن يكون بينهما تباين واختلاف لتحقيق الغرض الأسمى من وجودنا في هذه الحياة، والهدف الأنسب الذي تصلح به مركبة الحياة وتسعد به. فالأم إن لم تغلب فيها رهف العاطفة والمشاعر فمن يتحمل حمل ورضاعة ثلاثين شهرا ناهيك عن أيام المخاض الصعبة التي لا يتحملها أشداء الرجال. وكذلك في المقابل من يقوى على حمل الصخر وشق الآبار والعمل ليل نهار في الشمس الملتهبة والصقيع البارد غير الرجال. فالنساء جعلت لهن المشاعر والأحاسيس والرجال جعل لهم المنطق والقوة والتحمل فكل منهما يكمل الآخر. وهذا التكامل والتجانس ولّد اختلافا ليس أساسه ظلم المرأة أو تحقيرها أو الإساءة إليها وإنما هو لصالحها وصالح البشرية جمعاء فما أعطى الرجل ضعف الرجل في الميراث إلا وأخذ منه في مكان آخر وألزم بنفقات قبل الزواج وبعده وجعل ذلك من واجبات الزوج على زوجه.

فإذا كانت المرأة محمولة مزمولة فيما يتعلق بنفقتها وكسوتها وأبنائها وأولادها ألا يحق للزوج أو الرجل أن يحصل على الضعف من الميراث؟ ناهيك عن الالتزامات القبلية والعشائرية التي تلزم الرجل أن يدفع ويشارك بماله ولا تلزم المرأة بها. كما أن هناك حالات تتساوى فيها المرأة مع الرجل في الميراث كحالات الإخوة من الأم فكل شيء في الميراث محسوب بدقة متناهية لا يمكن أن يحدث فيه ظلم أو أن يشوب الأحكام أي تنقيص. فهل بعد هذا تحقير أو انعدام المساواة بين الرجل المرأة؟ فإذا تفكرنا في هذا وأجلنا نظرنا أدركنا ذلك وعلمنا أن الله وضع كل شيء في موضعه.

وقد يزعم أحدهم انعدام المساواة في جعل شهادة الرجل مقابل شهادة امرأتين لا يشير هذا إلى أن المرأة أضعف فهما وأقل عقلا وأكثر سذاجة، ليس كما فهمت بل ذلك من صالحها فلو تمعنت أكثر لأدركت أن الإسلام راعى ظروف المرأة وما تعتري حياتها من ولادة ورضاع واهتمام بالأمومة وانشغال عما سواها. فتركيزها الأموي واهتمامها الأسري يجعلانها تنسى ما ليس من شأنها وأولوياتها كشهادة المحاكم والدخول في عوالمه المعقدة والرجل ليس بدعا عنها فما هي ذكرياته في عالم الثياب والأزياء والانتقاء منهن أو عوالم الطبخ فكل يركز على ما يثير اهتمامه. وأريد كذلك للمرأة أن تجنب مثل هذه الأمور وتشغل بما هو أولى وأجدر بالعناية به.

ولم يظلم الإسلام المرأة كذلك لما أباح للرجل أن يتزوج من كتابية ومنع المرأة ذلك لأن المرأة قد تميل أحيانا مع زوجها وتؤثر رضاه في كل حالاته بحكم أنها تستعمل أنوثتها وقلبها ومشاعرها للتجانس معه وهو يستعمل قوته ومنطقه وعقله للتأثير عليها لذلك قد تُغلب المرأة على أمرها فيخترق الرجل عالمها ويغير دينها تهديدا لها أو لأولادها. وقد يقول قائل إن هناك بعض الحالات نجحت ولم تغير المرأة دينها ولم يتأثر أبناؤها بوالدهم سيقال عن ذلك بأنها حالات قليلة لا يلتفت ولا ينظر إليها.

كما أن الإسلام إن أباح للرجل ذلك فليس معناه أنه شجع عليه بل عد الزواج من المرأة التقية أفضل وأولى وأحسن قال تعالى: (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ). وقد يقول قائل لماذا أباح الإسلام التعدد للرجل دون المرأة ألا يعد ذلك ذلا للمرأة وإهانة للعشرة بل هو رفع ظلم عنها؛ لأن الرجل إذا لم يجد بغيته أو حاجته الضرورية من المرأة قد تحدثه نفسه بالطلاق منها ورميها للشارع أو تركها عانسة في بيت أبيها فتضيع الأسرة ويتشتت الأولاد. كما أن الرجل قد تضطره الظروف إلى الزواج من أخرى لما يعتري المرأة من حالات مرضية لا سيما وقت الحيض والنفاس وربما بعض أوقات الحمل كالشهور الأولى والأخيرة ناهيك عن تقلب المرأة بين حمل ورضاعة وأمراض يجعلها لا تلبي حاجات زوجها الضرورية كما أن طبيعتها النفسية يحتم عليها أن تكون في أحضان زوج واحد عكس الرجل فاستعداده الفطري يمكنه أن ينوع على حسب حاجته.

كما أن كثرة النساء وارتفاع عددهن وازدياد العنوسة يحتم على المجتمعات فتح باب التعدد الذي يجعل للمرأة حظا من الزواج فلو لم يفتح باب التعدد لبقيت مجموعة كبيرة من النساء تعاني الأمرين وهو فقدهن للأمومة وحرمانهن من الغريزة الجنسية فلا يؤمن عليهن من الأمراض النفسية والوساوس الشيطانية. فالتعدد وسيلة من وسائل رفع الآصرة والأمراض عن النساء كما أنه وسيلة لحفظ المجتمع من الانحرافات التي من أسبابها رغبة النفس في تفريغ الطاقات الغريزية فإذا لم تفرغ في الحلال عن طريق الرابطة المقدسة فبماذا ستفرغ؟. وقد يقول قائل لماذا تستر المرأة جسمها كاملا ألا يوحي ذلك بتزمتها وتشددها وتسلط الرجال عليها، ولكن يقال لهم: لبس المرأة لم يكن فيه أدنى شبهة للتسلط عليها أو إلزامها ما لم يتوجب عليها أو التقليل من شأنها بل لباسها الشرعي فيه جمالية وعفة بحيث يتجنب لئام البشر الاقتراب أو محاولة النيل منها لأنهم يعرفون أن اللباس عنوان للعفة فلا يقتربون منها ولا يحاولون إغواءها لأنهم أدركوا ألا مطمع لهم فيها، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًاِ) فإذن المرأة صنو الرجل في الإسلام أوجب الله لها من الأحكام والقوانين ما يحفظ لها ذاتها وكيانها وينمي مهارتها ويساعدها على بذل الجهد لصلاحها وصلاح المجتمع فهي شقيقة الرجل في كل شيء ولا تختلف عنه إلا ما يتناسب مع طبيعتها وما يكون سببا رئيسا لتكامل المجتمع وتعاونه.