1152083
1152083
المنوعات

متنزه حصن سلّوت الأثري يكشف «كنزا ثمينا» .. وحكاية بُعد الزمان وقوة الإنسان

06 مارس 2019
06 مارس 2019

[gallery type="rectangular" ids="678770,678769,678771"]

العثور على جرتين فخاريتين ممتلئتين بـ36 كجم نحاس وسبائك ومقتنيات أخرى -

تغطية - نــوال الصمصامية -

كشف أمس بمكتب مستشار جلالة السلطان للشؤون الثقافية نتائج اكتشافات الحفريات الأخيرة لمتنزه حصن سلّوت الأثري بولاية بهلا بمحافظة الداخلية بالتعاون مع البعثة الأثرية الإيطالية من جامعة بيزاز.

وأكدت البروفيسورة أليساندرا أفنزيني رئيسة البعثة الأثرية الإيطالية العاملة في عُمان في مؤتمر صحفي أن الحفريات الأثرية الأخيرة تدل على عراقة سلّوت وأصالتها؛ كونها قلب حضارة مجان في عمان التاريخية، وتدل أيضا على وجود تواصل حضاري بين سلّوت وحضارات العالم القديم في الألفية الثالثة قبل الميلاد، وتم العثور على أدلة للتواصل الحضاري مع حضارات العالم القديم مثل حضارة وادي الأندوس، وبلاد فارس، وبلاد الرافدين.

وعن أبرز الكشوفات الأخيرة، أوضحت البروفيسورة أنه تم العثور على إحدى الحفر الاختبارية في أكبر المصاطب في المدينة عن وجود تربة محفورة، قد تكون مؤشرا على زراعة الأراضي؛ حيث قام العمانيون القدماء بتشكيلها عن طريق بناء الجدران المحيطة ثم إعادة حشوها بالتربة للوصول إلى سطح مستوٍ. ولا تزال الحفريات مستمرة في مصطبة ضخمة بنيت على السفح، وعثر فيها على ما يمكن تسميته بالصهريج الكبير أو البئر، ووصلت الحفريات حتى الآن إلى عمق أكثر من 8 أمتار، كما توجد عدة عناصر «كالتخطيط الواسع للمستوطنة، وانتظام المباني، والشبكة الداخلية للممرات والشوارع، ونظام تصريف مياه الأمطار، ووجود الأماكن المحصنة، واحتمالية وجود المباني التخصصية» التي تؤشر إلى وجود مشروع تخطيط متطور في قاعدة بناء المستوطنات، وهذا النظام الرائع للتخطيط، يدل على أن سلّوت كانت مركزا متحضرا.

تواصل حضاري

وأضافت رئيسة البعثة الأثرية الإيطالية العاملة في عُمان: الأدلة والمعثورات الأثرية في مدينة سلّوت تكشف أيضا عن وجود مبان ومناطق تخصصية ارتبطت بالحرف والممارسات اليومية لسكان المدينة منها منطقة تحتوي على حفر الأفران التي كانت على الأرجح تستخدم في صناعة النحاس، واكتشاف جرتين فخاريتين تحتويان على ما مجموعُه 36 كيلوجراما من بقايا النحاس والسبائك «سبائك، وقطع مكسورة، وقطع ذائبة» في إحدى الغرف؛ مما دل على أهمية هذه الأنشطة في الموقع، كما يشير العثور على جرتين ضخمتين في إحدى الغرف إلى أن الغرفة كانت تستخدم للتخزين، كما تدل الأعداد الكبيرة للفخار أن الموقع لا بد أن يحتوي على مكان مخصص لصناعة الفخار. وتم تأريخ عينة الكربون المشع «C14» وأظهرت نتائج التحاليل دليلاً على التاريخ العريق لمدينة سلوت؛ فهي تعود إلى النصف الأول من الألفية الثانية قبل الميلاد «العصر البرونزي الوسيط».

وأردفت: أدت الحفريات الأخيرة في محيط المدينة إلى الكشف عن مجمع للمدافن، حيث تم التنقيب في 30 مدفناً تعرضت جميعها إلى أعمال النهب والتخريب، وقد تم بناء أحد المدافن على أساسات حجرية تعود إلى فترات أقدم، واحتوت هذه المدافن على معثورات أثرية ارتبطت بمظاهر الترف والبذخ كأواني الشرب البرونزية، وأهمها الإناء ذو المصب على شكل الحصان، وإناء آخر على شكل حيوان هجين بوجه بشري، بالإضافة إلى الزمزميات وجرار التخزين، والأواني النحاسية، والأواني الزجاجية الرومانية، ومجموعة كبيرة من السيوف ورؤوس السهام والحراب الحديدية والبرونزية، وهو ما يدل على أنها مدافن مخصصة للمحاربين ارتبطت بمعركة حربية قامت في سلّوت. كما تؤكد المعثورات في هذه المدافن الجديدة على وجود تواصل حضاري بين سلّوت وحضارات العالم القديم، كحضارة بلاد الرافدين، وبلاد فارس، واليمن، والإمبراطورية الرومانية، كما تم الكشف عن مجموعة من المدافن البرجية على المرتفعات المحيطة بمدينة سلّوت الأثرية بأشكال مختلفة، وتم الانتهاء من ترميم عدد منها للحصول على فهم أكبر حول أصول المواد التي تحتويها وعرضها للمختصين وغير المختصين.

مشاريع مقبلة

وأشار الدكتور سعيد بن ناصر السالمي مدير عام مكتب مستشار جلالة السلطان للشؤون الثقافية في مداخلته إلى أن جميع المقتنيات التي تم العثور عليها في المتنزه سيتم عرضها في الموقع؛ حتى يتسنى للزوار الاطلاع عليها، فيما أوضح وليد بن سلطان المزيني المشرف على المتنزه المشاريع المقبلة لمتنزه حصن سلّوت الأثري، حيث يعمل المكتب حاليا على تطوير هذا الموقع ليكون متنزها أثريا متكاملا بجميع المكونات سواء كانت مكونات أثرية أو إضافات أخرى تساعد أن يكون هذا المكان مقصدا متكاملا بمكنوناته الأثرية للزوار العمانيين وغيرهم.

وأضاف المزيني: بدأنا بمشروع مزرعة عمانية تقليدية تضم 300 نخلة، وهناك مشروع آخر في هذه المزرعة سيرى النور مستقبلا، كما أن المتنزه مفتوح الآن للزوار بمقابل رسوم وتذاكر، ووصل عددهم خلال ثلاثة أشهر إلى أكثر من 700 زائر أكثرهم عمانيون، وهذا يدل على اهتمامهم بالإرث التاريخي لهذا البلد العريق.

وقد بدأت أعمال الحفريات والتنقيب في متنزه حصن سلّوت الأثري منذ عام 2004م تحت إشراف مكتب مستشار جلالة السلطان للشؤون الثقافية بالتعاون مع البعثة الأثرية الإيطالية من جامعة بيزا، وبنهاية عام 2015م، تم الكشف عن جدار صخري ضخم يرجع إلى فترة العصر الحديدي كان جزءاً من مستوطنة ضخمة: «مدينة سلوت القديمة». وبفضل أعمال الحفريات اتضحت معالم المدينة بشكل أكبر؛ فقد عُثر على عدد من المباني منها ما يزيد عن غرفتين تفصل بينها الشوارع الضيقة، كما تم بناء مصاطب صخرية في محيط الهضبة بأسرها. وهذه هي أهم الاكتشافات التي تمت خلال الحفريات الأخيرة.

كما أن استمرار الاكتشافات الأثرية في سلّوت تؤكد على ثراء تراثها الثقافي الذي يعود لعصور مبكرة من الحضارة الإنسانية، ويوحي الموقع الأثري في سلّوت ببُعد الزمان وقوة وطاقة وإرادة الإنسان العماني منذ تلك العصور في بناء الأنظمة الحضارية.