1135289
1135289
المنوعات

د. سالم البوسعيدي لــ«عمان الثقافي»: محاولة لجعل نظرة القارئ للسيرة النبوية أكثر عمقا ووعيا وتحقق له الأسوة الحسنة

17 فبراير 2019
17 فبراير 2019

صدر له هذا العام كتابا «حدثتني مكة» و«روح البيان في تدبر القرآن»

نزوى مكتب «عمان» : محمد الحضرمي -

صدر للكاتب العماني والباحث د. سالم بن سعيد البوسعيدي كتابان جديدان، يحمل الأول عنوان «حدثتني مكة»، محاكمة السيرة النبوية على ضوء المنطق القرآني والتاريخي والاجتماعي، والثاني بعنوان (روح البيان في تدبر القرآن)، رحلة حضارية واعية في كتاب الله بلغة معاصرة وأسلوب شيق.

وفي محاكمته للسيرة النبوية يحاول البوسعيدي أن يجعل قارئ الكتاب يطمح «إلى أن يجعل نظرته للسيرة أكثر عمقا ووعيا، ليتحقق له فكرة الأسوة الحسنة»، بلغة سهلة وأسلوب حواري ممتع وصور ضوئية تجسد له بعض من الأمكنة النبوية.

يقول د. سالم البوسعيدي في حديثه مع «$ الثقافي»: حول كتابه هذا: إن فكرة الكتاب خرجت من قراءة القرآن الكريم، والتدبر والنظر فيه، ومدى ملاءمة ما يذكره القرآن، عن حياة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، مع المرويات الموجودة، عن سيرته في المرويات الإخبارية، أو حتى عن المرويات التي وردت باسم السنة النبوية، فقمت بمقارنة بين ما ورد في القرآن الكريم، وبين ما ورد في روايات السيرة النبوية، ثم قمت بالمقارنة بين المرويات في السيرة النبوية، والجانب التاريخي، ثم قمت بالمقارنة بين هذه المرويات وبين الواقع الاجتماعي، والمجتمع الذي كان يعيش فيه الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فخرجت بقناعة أن هناك مفارقة كبيرة وضخمة بين الجانبين، بين ما هو موجود في المرويات، وبين المنطق القرآني والتاريخي والاجتماعي، فتشكلت فكرة هذا الكتاب من خلال استعراض سيرة الرسول في الفترة المكية، مدركين أن الثابت في مرويات السيرة في الفترة المكية قليل جدا.

الرسول محمد ليس خارجا عن الإطار البشري

وأضاف البوسعيدي: إن الكتاب ينهض بأمرين مهمين، الأول: باعتبار أن الرسول محمد هو رسول بشري، وليس خارجا عن الإطار البشري، أي ليس مؤيدا بالمعجزات الشخصية، ومعجزته هي القرآن الكريم، وتقديم الرسول باعتباره أسوة حسنة، ولو كان مؤيدا بالمعجزات والهالة الكبيرة جدا الخارجة عن المألوف البشري، لما أمكن اعتباره أسوة، لأنه يكون قد خرج عن الإطار البشري، مثال ذلك نزع «المضغة»، حيث تسرد المرويات أنه شق صدره ونزعت منه مضغة الشيطان، معنى ذلك أنه لا يوجد له حظ من الشيطان، ولا يسيطر عليه الشيطان مطلقا، لذلك لا يمكن أن يكون قدوة للبشر الذين تنتابهم وساوس الشيطان، والأحاسيس والعوارض.

ولادة النبي محمد جاءت بعد عام الفيل

وفي الجانب التاريخي قارنت بين ولادة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فكما في المرويات أنه ولد في عام الفيل، ولكن الثابت التاريخي يؤكد أنه ولد بعد عام الفيل بما لا يقل عن 15 عاما.

ومثال على الجانب الاجتماعي أيضا، فقد ورد في المرويات أن النبي محمد تعرض لعملية تعذيب واضطهاد جسدي، وأنه تعرض لمحاولة الخنق، ورميه بالحجارة، بينما القرآن الكريم لا يحدثنا إلا أنه صلى الله عليه وسلم ناله استهزاء فقط، والجانب الاجتماعي الذي يدحض هذه المرويات أن الرسول يعيش في بيئة قبلية، ولم يعبد بنوه هاشم الأصنام، وبالتالي فإن التناقض الاجتماعي واضح جدا، إذ نجد أنه لمجرد أن يسئ إليه أبو جهل باللفظ، يغضب عليه حمزة، فيضرب أبو جهل، تلك الغضبة وردة الفعل من حمزة سببها تطاول لفظي، فما بالك لو جاء شخص ما وتطاول عليه جسديا، هل يمكن أن يسكت بنو هاشم؟!.

وفي قضية إنزال الوحي، تحدثنا كتب السيرة النبوية على أنه صلى الله عليه وسلم لما أن نزل عليه الوحي رجع إلى زوجته خائفا، وقال لها: زملوني زملوني، وأنها ذهبت إلى ورقة بني نوفل، لكن القرآن يحدثنا عن هذه الحادثة بصورة مختلفة، في قولته تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر)، ويختم السورة بآية: (سلام هي حتى مطلع الفجر)، وإذن فهي كانت ليلة سلام واطمئنان.

كيف يبشر بن نوفل بنبوة النبي ولم يسلم؟!

كما ناقشت في كتابه شخصية ورقة بن نوفل، إذ يرى أغلب المؤرخين والمفكرين أن لا وجود لهذه الشخصية في التاريخ النبوي، وقيل: إنه خال السيدة خديجة، والإجماع أنه لم يسلم، ولذلك تطارحت هذا السؤال: كيف لم يسلم وهو من بشَّر نبينا محمد أنه نبي مرسل، وما المبرر في عدم دخوله الإسلام؟. خاصة إذا ما توقفنا عند بعض الروايات التي تقول: إن ورقة بن نوفل مرَّ على بلال بن رباح وهو يعذب، فقال له: اصبر.

ويتحدث الكتاب د. سالم البوسعيدي أن كتاب «حدثتني مكة» ينهض بأمرين، الأول فكرة الأسوة الحسنة، بحيث لا تتناقض مع فكرة الاقتداء به، ولا تخرج الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم عن الإطار البشري.

كما يطمح الكتاب الاستفادة من هذه السيرة النبوية، وكيف نعيش السيرة في القرن الحادي والعشرين، عن طريق الحوار ورد الشبهات، فقدمها الكاتب بأسلوب سردي قصصي، وهي أقرب إلى أسلوب الحوار، فهو يريد أن يقدم طريقة التفكير في تقبل الأخبار وردها، ولا يدعو إلى قبول الأخبار، بل إلى أن يتوقف الإنسان أمام ما يقرأه من أخبار، ويعرضه على المنطق القرآني والاجتماعي والتاريخي.

روح البيان في تدبر القرآن الكريم

كما تحدث عن تفسيره الجديد للقرآن الكريم والذي صدر بعنوان: «روح البيان في تدبر القرآن»، وهذا التفسير مكمل للتفسير السابق والذي صدر بعنوان «الوجيز في تفسير كتاب الله العزيز»، الذي هو خلاصة 150 تفسيرا في القرآن الكريم، فانتخب منها الكاتب أفضل الأقوال وأقربها إلى نفسه، وقدمها في التفسير الوجيز.

يقول د. سالم البوسعيدي مفصلا أكثر عن تجربته الجديدة في تفسيره «روح البيان»، إنه بقيت الآراء التي أراها أنا شخصيا، فكتبت تدبر القرآن في رؤية للأفكار الشخصية، هناك منطق أحتكم إليه، وهو أن القرآن يفسره الزمان، ومن فسره في القرن الرابع الهجري، لا يمكن أن يساير بتفسيره ذلك العصور اللاحقة، هذه مقولة تروى عن ابن عباس، أن القرآن الكريم يفسره الزمان، وهي مقولة رائعة تثبت حصافة الصحابة في نظرتهم للقرآن الكريم، وأن الرسول لم يفسر القرآن، وكذلك الصحابة لم يفسروا القرآن، وقد كان مفهومهم له أن القرآن قادر على مسايرة كل زمان، هذا التفسير ينهض وفق المعطيات الحضارية اليوم في قراءة القرآن الكريم، وخضع لمعيارين، الأول: أن يكون السياق الحضاري هو الحاضر في تفسير القرآن الكريم، وهذا الكتاب مقدمة للتفسير الحضاري الكبير الذي سأخرجه لاحقا بإذن الله، والأمر الثاني أن يكون واضحا في أسلوبه وطرحه، بحيث يكون قريبا من القارئ وجدانا ولغة، إضافة إلى أن كتاب التدبر جاء في حدود الصفحات القرآنية نفسها، ولم يتجاوز 604 صفحات، وظل ضمن إطار المصحف نفسه، فيقدم هذه الومضات التدبرية ضمن الصفحة القرآنية، لكنه يمرُّ على جميع الآيات القرآنية، ولم ينتخب آيات مخصوصة بعينها، واهتممت كثيرا بقضية السياق، لأني أرى أن الآية يضبطها السياق، فقد يرد لفظة معينة في سورة ما، ونفس اللفظة ترد في سورة أخرى، لكن السياق نفسه هو الذي يفرض معنى الآية، لأن اللغة العربية حمالة أوجه.

النظر إلى السياق والاعتماد على اللغة

وأضاف أيضا: إن النظر إلى سياق الآية عميق جدا، والاعتماد الثاني بعد السياق في تفسير القرآن هو كتب اللغة وليس كتب التفسير، فأنا رجعت إلى كتب اللغة، ونظرت إلى المعنى العميق للكلمات، مثال على ذلك، ورد في قوله تعالى: (لقد خلقنا الإنسان في كبد)، فكلمة «كبد» تدل على الضعف أي من ضعف، ولكني بعد أن اطلعت على كتب اللغة، وجدت أن كلمة كبد قد تعني القوة، وهذا أنسب للسياق، لأن ما بعد الآية هو (أيحسب أن لن يقدر عليه أحد).

السياق هو مهم جدا، صحيح أن اللفظة لها أكثر من معنى، ولكن الذي يقدم أفضلية المعنى هو السياق، فأنا احتكمت على السياق والمعاني اللغوية في معاجم اللغة. ويضيف أيضا: ما خرجت منه في هذا التفسير هو أننا قدمنا على القرآن الكريم أقوال البشر وجعلناها هي الحكم، فكفَّر بعضنا بعضا لسوء فهمنا للنص القرآني، بلغت إلى مصادرة الفكر، والقرآن به المعنى الحضاري الذي نساير به العصر.

الكتاب إنساني شامل، يدل الأمة على كيفية التعامل مع نفسها ومع غيرها من الأمم، باعتبار أن العنصر الإنساني يجمع الجميع، فهو كتاب يدعو إلى الإتلاف، وينبذ الاختلاف، وحتى الاختلاف جعله في إطار هامشي بسيط جدا.

الذي خرجت منه أن القرآن الكريم كتاب حضاري، وعلى الإنسان أن يتحرك حضاريا وأن الأمة يجب أن تتحرك حضاريا أيضا.