1118372
1118372
المنوعات

مـن مدينة البنـدقـية إلـى مسـقط .. رحـلـة مـن الإبهـار الأوبرالـي فـي 400 سـنة

28 يناير 2019
28 يناير 2019

[gallery size="large" ids="667155,667152,667151"]

«العمانية»: معرض «الأوبرا 400 عام من الإثراء الأوبرالي» المنقول من متحف «فكتوريا وألبرت» في مدينة لندن لمدينة مسقط في أول وجهة له خارج موقعه الأصلي وجهة ثقافية وفنية، يستحق الزيارة. ويقام المعرض في دار الفنون الموسيقية.
ويستعرض المعرض/‏‏‏ التحفة سبع روائع أوبرالية عالمية في سبع مدن تبدأ في البندقية وتنتهي في مسقط. وعبر استعراض التحف الأوبرالية السبع يستطيع الزائر أن يختزل 400 عام من الإثراء الأوبرالي الذي أعاد تشكيل الفن في العالم.
الزائر للمعرض لا بد أن يمر عبر «جسر الفنون» الذي يربط مبنى دار الأوبرا السلطانية بمبنى دار الفنون، من هناك تبدأ الحكاية ويبدأ الزائر الدخول شيئا فشئيا لمشهد الجمال الذي ينتظره.
أول محطة يمر بها زائر المعرض هي مدينة البندقية، وبالتحديد عام 1643، منتصف القرن السابع عشر، وكانت مدينة البندقية مدينة تتداعى، فقد تفشى فيها مرض الطاعون وحصد أرواحا أكثر من 30% من سكانها، ومع اكتشاف طرق بديلة للنقل البحري إلى آسيا وإفريقيا بعيدا عن جزرها وجدت البندقية صعوبة في الحفاظ على مكانتها السابقة كمركز قوي للتجارة البحرية. وعلى الرغم من ضعف وضع البندقية السياسي إلا أن الثقافة ازدهرت فيها وحافظت المدينة على الدور الذي احتلته على مدار قرنين من الزمان كأفضل وجهة للسائحين والباحثين عن الترفيه. وكان زوارها يبحثون عن الترفيه وقد وجدوه في صورة فن «الأوبرا».
وفي هذه المدينة كتب «كلاوديو مونتيفيردي» أول أوبرا عامة بعنوان «تتويج بوبيا»، وتدور أحداثها وفق ما يشرحه المعرض في لوحاته حول «أوتوني» الذي يعود بعد غياب طويل إلى صديقته «بوبيا» التي تطمح في الزواج منه لتصبح الإمبراطورة، وقد تضمنت تلك الأوبرا توزيعات الفرق الموسيقية في القرن السابع عشر باستخدام آلات مثل الهاربسيكورد والعود الأوروبي وأحيانا آلات نفخ.
ويجد الزائر الكثير من المقتنيات التي تعود إلى مدينة البندقية في منتصف القرن السابع عشر، كما يجد خارطة قديمة جدا تعود إلى القرن السابع عشر تظهر شوارع البندقية الضيقة وقنواتها الملتوية، وتزدحم فيها الكثير من أنواع السفن لتؤكد على أهمية الحياة البحرية للمدينة. كانت البندقية مستقلة في ذلك الوقت عن إيطاليا، غنية بالأعمال المسرحية. كما يجد القارئ لوحات تعود إلى القرن التاسع عشر مستوحاة من رسومات للفنان جيوفاني انتونيو عن الحياة في المدينة وتصف اللوحات سكانها، وتظهر ساحة سان ماركو قلب المدينة الروحي. كما يجد الزائر ملابس عرض أوبرا «الأعياد في البندقية» مستوحاة من الرسم التقريبي لإحدى جميلات البندقية لبييترو بيرتيلي.
ومن البندقية ينقلك المعرض إلى مدينة لندن، وبالتحديد إلى عام 1711. كانت مدينة لندن في ذلك الوقت قد شهدت بعضا من الرخاء والاستقرار أعقبت فترة الاضطرابات التي شهدتها خلال الحروب الأهلية، وعادت المدينة لتحتل دورا فاعلا على الساحة الدولية وأصبحت مركزا للأعمال التجارية. وبحلول عام 1711 كانت عروض الأوبرا قد انتشرت في الكثير من مدن أوروبا، وابتكر المؤلفون البريطانيون أمثال هنري بورسيل أسلوبا خاصا بالأوبرا يجمع بين الكلمة المنطوقة والمغناة باللغة الإنجليزية، لكن رواد الأعمال البريطانيين انتبهوا لروح أسلوب الأوبرا الإيطالية، وحرصوا على جلب هذا الشكل الترفيهي، وكان لحضور الموسيقار الألماني فريدريك هاندل إلى لندن دور مهم في نجاح هذا الشكل.
بدأ هاندل مشواره الفني في لندن بتقديم «رينالدو»، وهي أول أوبرا غنائية باللغة الإيطالية في المدينة التي ظهرت كمركز تجاري عالمي، لقد اعتمدت الأوبرا على تقديم مؤثرات بصرية ساحرة مثل نيران ومياه وطيور حقيقية أبهرت الجماهير، حيث تكيفت لندن في القرن الثامن عشر مع أسلوب الموسيقى المستوحى من الطراز الأوروبي، ونجح الثنائي الرائع هاندل ومدير مسرح آرون هيل في تحويل الأوبرا إلى وسيلة الترفيه الرائجة في ذلك العصر، وقد صُمم المسرح التاريخي بتصاميم الفنان الإيطالي جياكومو. ويجد الزائر للدار نموذجا تقريبيا مستوحى من عرض رينالدو الأصلي.
ويجد الزائر الكثير من اللوحات في ركن مدينة لندن، حيث يجد لوحتين تمثلان كيف استطاعت مدينة لندن النهوض بعد الحريق الكبير في عام 1666، حيث اعتنقت المدينة العمارة الكلاسيكية، واستمدت إلهامها المعماري من المهندس الإيطالي أندريا بالاديو.
ثم ينتقل الزائر إلى مدينة فيينا وإلى العام 1786 حيث كانت المدينة قلب أوروبا النابض بالموسيقى والأوبرا، إضافة إلى كونها مدينة التنوير ومنصة انطلاق الازدهار ومركز للنقاشات الثقافية والفكرية.
في هذه المدينة ظهرت التحفة الأوبرالية «زواج فيجارو» وهي لموتسارت، وهي أوبرا فكاهية. وتم رسم شخصيات الأوبرا من الحياة اليومية حيث اعتمد موتسارت على أفكار مأخوذة من مسرحية بومارشيه الأصلية لتقديم الخدم كأشخاص طموحين مساوين للأرستقراطيين. ويجد الزائر شاشة تعرض لباسا عصريا ترتديه « الكونتيسة» و«الكونت ألمافيفا»، إلى جانب مثال على ملابس الرجال الرسمية في ثمانينيات القرن الثامن عشر، وعرض حياة الأرستقراطية والخدم في زمن موتسارت، موضحا كيف أن موتسارت رفع نفسه اجتماعيا من خلال الموضة وتردده على صالونات الثقافة.
وفي جناح مدينة فيينا يجد الزائر نموذجا لآلة البيانو التي تعود إلى عام 1788 وهي مشابهة للآلة التي قام موتسارت بالعزف عليها.
ومن مدينة فيينا تسير الرحلة في المعرض إلى مدينة ميلانو وبالتحديد إلى عام 1842، كانت ميلانو مثل غيرها من المدن الإيطالية واقعة تحت الحكم النمساوي، وكانت المدينة تشهد الكثير من الاضطرابات والقلاقل، ولكن كانت دار أوبرا «لا سكلا» في قلب الحياة الثقافية والسياسية، حتى أصبحت مقصورات المسرح الخاصة ملتقى الإيطاليين الراغبين في مناقشة الأحداث الجارية.
في هذه الأجواء بدأ المؤلف الموسيقي جوزيبي فيردي مشواره الفني، وقد جذبته ميلانو لكونها العاصمة الثقافية لشمال إيطاليا ومركزا للأوبرا، وهناك استمد الإلهام وتم تكليفه بكتابة أوبرا مأخوذة من قصة «نابوكو» والتي تتناول موضوعات قوية عن الهوية والوطنية والحرب، وحققت أوبرا «نابوكو» نجاحاً غير مسبوق ورسخت اسم فيردي على الساحة الدولية.
وفي عام 1861 كانت مدينة باريس تجذب تشكيلة متنوعة من الفنانين والموسيقيين والتجار، حيث حققت الأوبرا مكانة عالية في العاصمة الفرنسية. واعتادت العائلات الأرستقراطية استئجار مقصورة في الأوبرا كل عام بمبالغ باهظة للاختلاط بالمجتمع الراقي. هذا ما يستطيع الزائر أن يستوعبه من أول وهلة لدخوله جناح مدينة باريس في المعرض.
ومن خلال شاشات عرض سيجد الزائر نموذجا معروضا لثوب ارتدته الإمبراطورة أوجيني زوجة نابليون الثالث، تحت إشراف الإمبراطور وبارون هوسمان. كما يجد الزائر صورا لقصر جارنييه بينما كان قيد الإنشاء في وسط هذا المشهد الحضاري الجديد.
كانت فرقة الباليه جزءا مهما من الأوبرا الباريسية، كما أن بعض الرسومات الثمينة للرسام الانطباعي الشهير إدغار ديجاس تظهر راقصي الباليه على المسرح وكواليس المسرح، ومع اختلاف شكل مدينة باريس طرأ تغيير على المجتمع أيضا، حيث قدم ريتشارد فاجنر العرض الأول لأوبرا «تانهويزر» بعد أن راجعها خصيصاً لتلائم العرض في المدينة واستطاعت أن تستقطب الجماهير الفرنسية.
يكشف المعرض أن نابليون أراد تحويل مدينة باريس إلى مدينة عصرية، فعهد إلى البارون جورج أوجين أوسمان حاكم منطقة السين في ذلك الوقت، أن يدخل تغييرات جذرية على المدينة ويقوم بإعادة بنائها وبناء شوارعها الضيقة لتصبح جادات جميلة واسعة ومتنزهات عامة ومشاهد تسر الناظرين، ووضع أوسمان تخطيطا لمدينة اعتمد فيه على استخدام شبكة هندسية جميلة، تمكن الزائر من مشاهدة بعض تفاصيلها. كما يجد صورة بانورامية لمسرح «شاتليه» الذي طلب أوسمان تأسيسه وتم افتتاحه بالفعل عام 1862.
وفي عام 1859 وقعت محاولة اغتيال للإمبراطور في أحد الشوارع الضيقة للمدينة أمام مسرح «بيلوتي» وفي اليوم التالي أصدر نابليون قرارا بدافع التحدي ببناء دار أوبرا جديدة في وسط باريس. كان ذلك القرار يدل على مكانة الأوبرا في المجتمع في ذلك الوقت من القرن التاسع عشر في باريس. ووضع تصميم دار الأوبرا الجديدة شارل جارنييه وسميت بعد ذلك «قصر جارنييه» وهي قائمة إلى اليوم.
أما المحطة الأخيرة من محطات معرض الإثراء الأوبرالي فتنقلك إلى القرن الحادي والعشرين وبالتحديد إلى 12 أكتوبر من عام 2011 في مدينة مسقط حاضرة سلطنة عُمان.
وكانت عمان قد اهتمت بالتطوير الثقافي بوصفه ركيزة من ركائز تقدم البلاد وتم إرساء معايير عالمية لتنمية الفنون، بما في ذلك الحفاظ على التقاليد الموسيقية والفنية للسلطنة.
وفي أكتوبر 2011 افتتح حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - دار الأوبرا السلطانية مسقط إيذانا ببدء مرحلة جديدة في مسيرة التطور الثقافي في سلطنة عُمان. وقد أعلن المايسترو بلاسيدو دومينجو قائد أوركسترا العرض الافتتاحي أن دار الأوبرا السلطانية مسقط «جوهرة ثقافية» حقيقية، وهو نفس رأي المختصين وخبراء الفنون الأدائية حول العالم. وبهذه المناسبة قدمت مؤسسة «أرينا دي فيرونا» أوبرا «توراندوت» لجياكومو بوتشيني من إخراج فرانكو زفيريللي، حيث سيتمكن زوار المعرض من مشاهدة نماذج من التصاميم والأزياء والصور الفوتوغرافية لهذا المعلم الفني المهم ودوره في التعاون الدولي مع مسارح الأوبرا العالمية.
لا يخرج الزائر كما دخل، سيكون متخما بتاريخ أوبرالي حاضري قوامه 400 عام من الفن والإبهار الفني الذي لا يقاوم. وسيكون أمامه متسع من الوقت لاستقراء خارطة الفنون في العالم وسيكون شديد الفخر أن سلطنة عمان موجودة على نفس الخارطة مع كبار عواصم الفنون في العالم.