1117049
1117049
المنوعات

يوميات عراقية في نصوص نثرية يسجلها الشاعر علي وجيه

27 يناير 2019
27 يناير 2019

«الصوائت والصوامت»
حيدر الجابر - لمى العيساوي -

في أجواء هوليوودية، جرى حفل توقيع المجموعة الشعرية الجديدة للشاعر العراقي علي وجيه، هذه المجموعة التي سجلت إضافة أدبية للشاعر والمشهد الشعري العراقي. ابتداء من العنوان الذي اختزل ثيمة المجموعة «الصوائت والصوامت»، وهو العنوان الذي يحيل الى فهم أولي عن الحروف العربية الصائتة «العلة» والصامتة «بقية الحروف». وفهم آخر، هو الصمت مقابل البوح، وذلك من خلال جو الرعب الذي ساد النصوص السبعة والستين، والحوار الذي دار بين الشاعر وقاتليه مرة، ومهدّديه، مرة، وقدره أخرى.

وقد قدم الروائي العراقي الكبير أحمد سعداوي حفل التوقيع، حيث قرأ ورقة نقدية مرّ فيها على أبرز ملامح الشعر العراقي الحديث، ولا سيما بعد ٢٠٠٣، حيث أدرج قائمة صنف فيها الشعراء العراقيين حسب العقود، إلا أنه استدرك بتميّز الجيل الجديد للشعراء عن هذا التصنيف، حيث لا يمكن أن تحتويهم حقبة زمنية محددة، استنادا الى ملامح نصوصهم والمشترك فيما بينها.

وأنت تقرأ المجموعة الشعرية الأنيقة، التي أصدرتها دار الرافدين، ستشاهد حياة مواطن عراقي، وهو يمر بدورة يومية ضمن وطن أدمن الأزمات: بيت، وعمل، وحب، وزحام، وخوف، وموت، وإرهاب، وابتسامة، ووجع. من يعرف علي وجيه عن كثب، سيشعر أنه قرأ هذه القصائد سابقاً، ولكن يجب الحذر من أنها ليست مشاعر ومعاني مكررة، بل إنها إعادة قراءة لواقع مهموم، برؤية جديدة.

ويمكن أن نلاحظ دقة اللغة، وسلاستها، وتوظيف الخيال استنادا إلى مشاهد يومية. لذلك، تبدو القصائد وكأنها مفكرة يومية، لا تخلو من تهديد، يصدر عادة من جهة تمتلك القوة فقط، وتفرض نمط تفكيرها على الشاعر، الذي سيكتفي بموقف المراقب بعيدا عن أي رد فعل عملي.

تناص فارسي

لم يبالغ علي وجيه حين أعلن عن وليده الخامس (الصوائت والصوامت) ووصف كل كتاب شعري بأنه انتصار على العدم والنسيان بكتابة العدم والنسيان.

وعندما قرأت كتابه شعرت وكأنني أبحر في إحدى الفلسفات الشرقية، وتحديدا الفارسية منها، حيث التبريزي وابن المقفع وغيرهما من الشعراء والأدباء الذين اشتهروا بأدب الحكمة. وهذا لم يكن إلا دليلا على مراس هذا الشاعر اللغوي وإبداعه في اختيار المفردات دون تقليد.

ولا عجب في ذلك، فقد تمكن هذا الشاعر منذ زمن ليس بالقصير من مفردات لغته وصار يرسم المفردات بريشة الشاعر المتمرس ليخرج بديوان برغم سهله الممتنع إلا أنه يحث على الدهشة.. فكل قصيدة تحمل في طياتها نوايا خفية تجبر القارئ على شحذ عقله لاستيعابها، لأن الديوان يعرض أحداثا لم يتعرض لها الشاعر وحده، بل مر بها كل عراقي عاش في زمن علي وجيه. فجميعنا عشنا طفولة مالحة، وجميعنا استثقلنا توابيتا تركت حمرة على أكتافنا حين يشيع واحدنا الأخر، وجميعنا نقلت له الهداية عن طريق بصق الأولياء الصالحين بأفواهنا عند الولادة، وجميعنا كانت صور معاملاته برغم أهميتها المصيرية إلا أنها تخفي ما تحت جلده، كل ذلك حصل معنا ولا أحد منا استطاع أن يتقن الحديث عنه بتلك الروعة، حتى جاء علي ليتحدث بلسانك، وما أجمل أن يتحدث شاعر بلسانك.

«الصوائت والصوامت» بغلافه الخارج عن المألوف أثبت أن اللغة نهر لم ولن يجف، ما دامت الكلمات تتدفق بهذه الغزارة، وكأنه يغرف من هذا النهر مفردات، ويعيدها إليه بهيئة شعر.