أفكار وآراء

هل إفريقيا مسرح للمواجهة بين الولايات المتحدة والصين؟

23 يناير 2019
23 يناير 2019

ديفيد بيلينج - الفاينانشال تايمز -
ترجمة قاسم مكي -

حين أزاح جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي الستار عن خطة ترامب «استراتيجية إفريقيا الجديدة» في واشنطن في شهر ديسمبر الماضي أشار إلى حادثة وقعت عام 2018. في تلك الحادثة، حسب المزاعم، سلط عسكريون صينيون أشعة ليزر من شأنها أن تعمي البصر على طيارين اثنين تابعين للقوات الجوية الأمريكية. كان الرجلان ينفذان مهمة بالطائرة فوق أجواء دولة جيبوتي الإفريقية الإستراتيجية. لقد ظل الجنود الصينيون والأمريكيون في جيبوتي يراقبون بعضهم البعض في حذر منذ افتتاح بيجينج أول قاعدة عسكرية لها خارج أراضيها في ميناء جيبوتي العام الماضي.

بعدما أشار بولتون إلى هذه الحادثة في حديثه عن الخطة الأمريكية لم تظهر إفريقيا كبطل (لحكايتها) بقدر ما ظهرت كخلفية أو شاشة خضراء تنعكس عليها المجريات «المهمة» للتنافس بين «القوى العظمى». رغما عن ذلك قد يتضح أن المبادرة الأمريكية فرصة لبلدان القارة التي يبلغ عددها 54 بلدا. ومن جانب آخر ذكرت هذه الوثيقة التي تتناول السياسة الأمريكية في إفريقيا اسم الصين 14 مرة. ولم تحظ لا جنوب إفريقيا أو نيجيريا وهما صاحبتا أكبر اقتصادين في إفريقيا وحليفتان طبيعيتان لواشنطن بأية التفاتة. أما روسيا وهي بعبع بولتون الآخر فقد ورد اسمها ست مرات رغم وجودها المتواضع نسبيا في إفريقيا.

لم تكن إستراتيجية ترامب الإفريقية تتعلق بافريقيا إطلاقا، حسبما يرى بريشس لونجا رائد الأعمال الزمبابوي في مجال تكنولوجيا الصحة. فهي في نظره «رد سريع على الصين وروسيا وتكاد أن تبدو مثل عودة إلى الحرب الباردة حينما كانت إفريقيا ساحة تتصارع فيها هذه القوى».

رسم بولتون صورة سلبية تماما تقريبا للقارة. أي كبالوعة للفقر والمرض والإرهاب والفساد. وعلى الرغم من أن القارة لديها نصيبها من هذه العلل إلا أن بولتون لم ينتبه إلى التقدم الذي تحقق في إفريقيا خلال العقدين الماضيين. وهي فترة تراجعت فيها الحروب والانقلابات وكانت اقتصادات إفريقية عديدة أثناءها من بين الاقتصادات الأسرع نموا في العالم.

عن الإستراتيجية الأمريكية يقول ديلي أولوجيد، المعلق النيجيري الحائز على جائزة بوليتزر، «هذه الوثيقة ردود أفعال على عدة مستويات، إنها رد فعل على الصين ورد فعل على روسيا. ولم يتم استهلالها بالإقرار بالنفوذ غير العادي الذي تتمتع به أمريكا سلفا في القارة».

يرى اولوجيد أن القوة الناعمة للولايات المتحدة في أفريقيا لا تبارى، مشيرا إلى قيم الحرية والديمقراطية الثقافية وبرنامج مكافحة الأيدز المنقذ للحياة الذي دشنه الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش. ويقول إن «الولايات المتحدة ليست بحاجة إلى المنافسة مع الصين حول عدد الجسور التي يمكن أن تشيدها».

لقد أورد بولتون في خطابه الكثير الذي لا يمكن أن يعترض عليه أغلب الناس. فهو يقول على الولايات المتحدة الكف عن إهدار أموال العون، ويعني بذلك أن سياسة العون الأمريكي حتى الآن ليست أكثر من إفراغ لدولارات دافع الضرائب الأمريكي في جوف أقرب بئر في قرية إفريقية. ويرى أن على أمريكا سحب دعمها لعمليات حفظ الأمن الأممية غير الفعالة والتخلي عن مساندة الحكومات الفاسدة.

يقول بولتون «بموجب مقاربتنا الجديدة فإن كل قرار نتخذه وكل سياسة نطبقها وكل دولار «عون» ننفقه سيخدم أولويات الولايات المتحدة». وإذا كانت نظرة بولتون لإفريقيا تبسيطية فإن العديدين ممن سمعوا الخطاب يرون أيضا تبسيطا في تصويره للصين. فهو يعتقد أن الصين «تستخدم الرشاوى والاتفاقيات غير الشفافة والتوظيف الإستراتيجي للديون كي ترتهن الدول في أفريقيا لرغبات ومطالب بيجينج». أما النظرة إلى الصين في إفريقيا فمختلفة. يقول أولوجيد «مرحبا بالصين في إفريقيا. فنحن نحتاج إلى طرق وجسور. وحين يتجاوز (الصينيون) حدودهم ويحاولون فرض سيطرتهم بقدر أكبر مما ينبغي (في إشارة منه لاستخدام بيجينج المزعوم للديون لبسط نفوذها) سيكون هنالك رد فعل. لذلك لايقلقني (وجود الصين في إفريقيا) لا يقلقني إطلاقا».

ومن جانبها تقول أوبري هروبي، المؤسسة المشاركة لشبكة خبراء إفريقيا، أن بعض الخير قد يأتي من خطاب سعى على الأقل الى بلورة استراتيجية. وتضيف أن الصين نبهت واشنطن إلى التفكير بطريقة أكثر جدية حول قارة تجد فيها شركات من تركيا الى البرازيل ومن الهند إلى كوريا الجنوبية فرصا (استثمارية) أكثر مما تجد تهديدا. وحتى مؤخرا مثلا كان ترامب يميل إلى التخلص من مؤسسة الاستثمار الخاص لما وراء البحار التي تم التقليل من قيمة دعمها لمنشآت الأعمال في أسواق صعبة واعتبر هذا الدعم «رفاهية» للشركات. لكن بدلا عن ذلك تراجع ترامب عن ذلك مدفوعا بفكرة أن الصين تسطو على مسيرة (الاستثمار) في أفريقيا وغير أفريقيا وزاد من مخصصات موازنة المؤسسة بأكثر من الضعف إلى 60 بليون دولار. وخلافا للفكرة النمطية السائدة فإن الاستثمار وليس العون هو الرسالة التي تجد هوى في أفريقيا. لقد تعين على الصين استخدام أشعة الليزر (في حادثة جيبوتي) حتى تتحرك واشنطن وتدرك ذلك.