أفكار وآراء

الصراع المعقد بين أمريكا وروسيا في الشرق الأوسط

22 يناير 2019
22 يناير 2019

عاطف الغمري -

تشهد منطقة الشرق الأوسط أدوارا مختلفة لكل من الولايات المتحدة بتواجدها التاريخي في المنطقة، وما يلحق به من تطور في التفكير والأهداف، ولروسيا بسعيها لخلق تواجد لها يعوضها عما كان لها في عصر الدولة السوفييتية، ثم ضاع منها، وإن كان فكرها وأهدافها مختلفين عن النمط الأمريكي. وكلاهما يلعب دوره في ظروف نظام دولي يبدو وأنه في مرحلة تحول كامل.

الملاحظ بالنسبة للولايات المتحدة إنها من بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى التسعينات، كانت تمتلك استراتيجية عالمية Grand Strategy تعرف تماما أهدافها، وتتوافر لها إمكانات وآليات التنفيذ وصواب التقدير لنتائج سياساتها وعملياتها الخارجية. واستندت الاستراتيجية الأمريكية على مخزون من أهل الخبرة والتخصص المرموقين العارفين تماما، بالاتحاد السوفييتي الذي يدور معه صراع الحرب الباردة، وبكل الدوائر الإقليمية والدولية التي يدور فيها الصراع بين القوتين الكبيرتين.

ثم بدأ العالم يشهد تحولات هائلة في بنية النظام العالمي، نتيجة صعود قوى دولية جديدة، تشكل منافسا لا يستهان بتأثيره للولايات المتحدة، التي كانت قيادة العالم شاملة دول الغرب، والدول الحليفة في العالم الثالث، محسوبة لها، وأخذت تظهر تداعيات ذلك فيما حدث من نشأة فراغ غير متوقع في عالم الفكر السياسي الأمريكي، وعدم القدرة على صياغة مبدأ جديد يشغل مساحة هذا الفراغ.

وتمثلت مظاهر هذه التغيرات، في إدراك الولايات المتحدة أنها تفاجأت بأحداث في أنحاء العالم لم تكن تتوقعها، وتطورات صارت غير قادرة على الإمساك بزمام تحريكها حيث تريد، وانعكس ذلك كله في تناقضات في السياسات الخارجية، وحدوث انقسامات في وجهات النظر تجاه ما يحدث في العالم، داخل الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس الأمريكي في البيت الأبيض، بدءا من رئاسة أوباما، واستمرارية ذلك في إدارة ترامب، في سلسلة متتابعة من التردد والتناقضات في المواقف، شملت التغييرات المتتابعة في أركان حكومته، ثم قراره عن سحب القوات الأمريكية بالكامل من سوريا، فيما اعتبره العالم، بما في ذلك حلفاؤه في أوروبا، انسحابا سيكون لصالح تنظيم داعش الإرهابي، حتى ولو كان يزعم أن النصر قد تحقق على هذا التنظيم، ويحدث ذلك بينما كان ترامب يعلن من حين لآخر أن الحرب على داعش والقضاء عليه هو على رأس أولوياته السياسية.

بالرغم من كل ذلك لا يمكن تصور أن الولايات المتحدة قد بلغت مرحلة النهاية في إدارة استراتيجيتها العالمية بشكل يحمي مصالحها، لأن بها مؤسسات حتى ولو كان ترامب على خلاف مع بعضها، إلا أن هذه المؤسسات الراسخة، لها وظيفة يومية ومستمرة في التنظير والتفكير والعمل على بلورة رؤية جديدة لاستراتيجية الأمن القومي، وبناء توجه للدولة بصرف النظر عن الرئيس الموجود في الحكم، بما في ذلك استراتيجيتها في الشرق الأوسط.

على الجانب الآخر، فيما يتعلق بالدولة المنافسة للولايات المتحدة، سواء في الشرق الأوسط أو في مناطق الصراع الساخنة في أوروبا، فإن لروسيا توجهات تحكمها أوضاعها الداخلية، وطموحات الرئيس بوتين، وما تملكه من قدرات على تحقيق ما تريده لتواجدها خارج حدودها. وتستند سياسات روسيا تجاه منطقة الشرق الأوسط على كون هذه السياسات جزءا من معادلة علاقتها بالولايات المتحدة، - قربا أو بعدا – وارتباط ذلك بحرص روسيا على أن تستعيد وضع القوة العظمى الذي كان لها في فترة وجود الاتحاد السوفييتي. وإن كانت عودة روسيا إلى المنطقة تسير في مسار مختلف عن المسار السوفييتي السابق، وبمبادرات تختلف عن سياسات الولايات المتحدة، والغرب عامة. وإلى جانب هذا الهدف، فإنها تريد التوسع في العلاقات مع دول المنطقة، خاصة ما يعود عليها بمنافع اقتصادية. في هذا الإطار كان تدخلها عسكريا في سوريا، والذي استغلت فيه حالة السلبية التي سادت الموقف الأمريكي خاصة تجاه توسع شبكات الإرهاب الخارجية في الأراضي السورية. ولكن كثيرا من المراقبين يرون أن التدخل العسكري الروسي في سوريا، يمثل حالة استثنائية، ولا يتوقعون أن يتكرر في حالات أخرى في المنطقة، وهي تدرك أنها لن تكون في وضع المنافسة مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

ولا شك أن الأبواب المفتوحة أمام روسيا في المنطقة، لخلق علاقات سياسية واقتصادية، يساعد عليها ما كان قد انتاب الولايات المتحدة من تردد في الوفاء بالتزاماتها التاريخية تجاه أمن بعض دول المنطقة، وإنتاجها سياسات تمثل إغراقا في التحيز لإسرائيل على حساب القضايا العربية، وتزايد لهجة المطالبة بأن تتحمل دول المنطقة أعباء ما تقوم به الولايات المتحدة من تحركات ومواقف، كانت تقوم بها في الماضي وهي تعلم أنها إذا كانت تحمي مصالح دول المنطقة، فإنها تدعم مصالح الأمن القومي الأمريكي في الوقت ذاته.