أفكار وآراء

الصين وحلفاء الولايات المتحدة

18 يناير 2019
18 يناير 2019

جيم هوجلاند– نيويورك تايمز -
ترجمة قاسم مكي -

شنت الصين حملة استراتيجية استهدفت مغازلة أو زعزعة أو السيطرة على البلدان التي ظلت على مدى فترة طويلة تساند أهداف الولايات المتحدة وأحلافها في الخارج. شجعها على ذلك انتقاص (عدم احترام) إدارة ترامب حلفاء الولايات المتحدة التقليديين في أوروبا والمناطق الأخرى وتهديدها بالتخلي عنهم.

رسم وزير الدفاع الصيني الخطوط العريضة لهذه الحملة بعبارات لا تكاد تخفي شيئا في خطاب ألقاه أثناء اجتماع مغلق مع ممثلي مجلس الأمن الدولي في بكين مؤخرا. ويقول دبلوماسيون متمرسون حضروا الاجتماع أن تأثير هذا المسعى الصيني يقوى ويتزايد.

يقول دبلوماسي غربي كبير “توصل الصينيون إلى تقدير صحيح فحواه أن حلفاء أمريكا باتوا يشكون شكا مطلقا في إمكانية اعتمادهم على الولايات المتحدة مرة أخرى في مجالات عديدة. ويقول “يجسد الرئيس ترامب (من خلال تصرفاته)، كما يبدو، ما يكفي من شكوك وعدم ثقة من جانب الشعب الأمريكي في البلدان الأجنبية بحيث صار يلزمنا جميعنا مراجعة موضعنا في النظام العالمي.” من الواضح أن البيت الأبيض (الترامبي) على علم بالطموحات الصينية التي احتدمت مؤخرا. فمستشار الأمن القومي جون بولتون خصص معظم خطابه الذي ألقاه في مؤسسة هيرتدج فاونديشن في 13 ديسمبر لاتهام الصين بتوظيف “الرشاوى والاتفاقيات غير الشفافة والاستخدام الإستراتيجي للديون بقصد ارتهان افريقيا لرغبات ومطالب بيجينج.” وأشار تحديدا إلى المبادرة الاقتصادية المسماة “حزام واحد طريق واحد” كأداة لتحقيق “الهيمنة الدولية للصين.” لكن رد البيت الأبيض على الحملة الاقتصادية والدبلوماسية الصينية ينطوي على إخفاقين شديدي الوضوح. فالقصر الرئاسي الأمريكي لا يعترف بدوره في ايجاد الظروف التي تجعل الحلفاء يتشككون في عزيمة ودعم الولايات المتحدة ولا يسعى لتصحيح هذا الدور. كما لم يتفطن إلى توسع الأهداف الإستراتيجية الصينية كي تشمل تقويض القيادة الأمريكية في المؤسسات عبر الأطلسية والدولية التي أعانت على حفظ الاستقرار العالمي منذ الحرب العالمية الثانية. فموظفو البيت الأبيض إما غفلوا عن واجبهم أو أنهم، وهو الأرجح، غضوا الطرف عمدا عن السلوك الغريزي للرئيس.

إن ترامب لا يخفي نواياه. فبصراحته المذهلة كان قد أبلغ زعيما واحدا على الأقل من زعماء الناتو أن حملته للقضاء على الممارسات التجارية غير النزيهة للصين تمهيد لمسعى سيقوده “للقضاء” على ممارسات الاتحاد الأوروبي التي أوجدت اختلالا تجاريا مع الولايات المتحدة. اعتبر هذا الزعيم تعليق ترامب مسمارا يدق في نعش التعاون عبر الأطلنطي خلال فترة إدارة ترامب وربما ما بعدها أيضا، بحسب مساعد له حكى المحادثة التي جرت بينهما واشترط عدم ذكر اسمه.

لقد تخلل الوعي بعجز القيادة الأمريكية في الخارج الملاحظات التي أدلى بها وزير الدفاع الصيني وي فينخ هيه أمام أعضاء مجلس الأمن إبان زيارتهم لبكين يوم 26 نوفمبر. وكان القصد من ذلك الاجتماع التركيز على دور الصين في البعثات الدولية لحفظ السلام. لكن المشاركين يرسمون (عما دار في الاجتماع) صورة فحواها أن وزير الدفاع الصيني كان يركز بشدة على الحاجة إلى زعامة جديدة في الأمم المتحدة والشؤون الدولية وعلى قدرة الصين ورغبتها في لعب دور أكبر في كلا المجالين إذا تعاونت معها الدول الأخرى.

وقال أحد الدبلوماسيين من بين من كانوا حضورا في الاجتماع وهو يتحدث عن وزير الدفاع الصيني: “لقد كسا بالجلد عظام شعار - حزام واحد طريق واحد - كمفهوم استراتيجي. وأوضح أن على البلدان الأخرى اختيار نوع التحالفات التي تنضم إليها أو تظل داخلها.” ثم بعد أسبوعين لاحقا أدان بولتون بشدة برنامج “حزام واحد” الخاص بالقروض والاستثمارات والذي قصد منه تطوير طرق تجارة تنطلق من الصين وتعود إليها. وشكا من أن الصينيين يستخدمون نفوذهم الاقتصادي للاستيلاء على الموانئ الإفريقية والصناعات الوطنية وفي جيبوتي لإنشاء قاعدة عسكرية للتشويش على قاعدة أمريكية قريبة منها. لكن خطاب بولتون كان أيضا مشحونا بشكاوى (شبيهة بشكاوى ترامب) من إهدار العون الذي قدم لإفريقيا في الماضي. كما تضمن أيضا إيحاءات بأن المساعدات الأمريكية في المستقبل ستكون مشروطة بالولاء السياسي من جانب الذين يحصلون عليها. حقا تجنب بولتون الألفاظ غير المحبذة في الحديث عن البلدان الإفريقية.

وفي الأثناء تتحول الصين بسرعة إلى منافس استراتيجي في أوروبا التي تستهدف فيها الاستثمارات والقروض الصينية البنيات الأساسية وأصول التقنية الجديدة. فالصين استثمرت في أوروبا أكثر من تسعة أضعاف استثماراتها بالولايات المتحدة في النصف الأول من العام الماضي، بحسب الشركة القانونية العالمية بيكر مكنزي. كما كسبت الصين أيضا سيطرة مالية على منشآت الميناء الرئيسي في العاصمة اليونانية أثينا وأدرجت نفسها في الجدل السياسي للاتحاد الأوروبي من خلال الروابط القوية التي طورتها مع البلدان الفقيرة في شرق أوروبا والبلقان. وركزت مشتريات الصين على الشركات الأوروبية التي تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي والبرمجيات والبيانات والروبوتات والتقنيات الجديدة الأخرى. أدى ذلك إلى تصاعد قلق ألمانيا إلى الحد الذي دفعها للشروع في تقييد الاستثمارات القادمة من بيجينج لأسباب استراتيجية.

كانت هذه المشكلة (مشكلة تغلغل الصين في أوروبا) في الفترة التي سبقت مجيء ترامب إلى الحكم كافية لتحريك التعاون عبر الأطلسي. لكن رفض ترامب إخضاع تصرفاته لقيادة العقل بدل التفكير اللحظوي يبعد عنه الحلفاء وإمكانية العمل الموحد.