1101105
1101105
مرايا

يزيد من خبرتنا بالحياة - الندم.. شعور قاتل يؤثر علينا نفسيا

16 يناير 2019
16 يناير 2019

كتبت- رحاب الهندي -

لم أستطع أن أمنع نفسي في لحظة ضعف من أن أفعل ذلك الفعل الذي ورثني الندم، وكثيرا ما تساءلت كيف لمثلي أن يقدم على هذا الفعل، أين كان عقلي؟ هذه الهمسات الداخلية تتغلغل في أعماق بعض الناس الذين لم يفكروا بأنهم قد يقدمون على فعل- سواء سلبيا أو إيجابيا- وبأن النتيجة قد تكون كارثية بالنسبة لهم، ليعضوا أناملهم ندما.

إذا ما هو الندم الذي نتحدث عنه هنا؟ نستطيع القول أنه هو الشعور بالذنب عند القيام بتصرفات تجعلنا نتمنّى أنّنا لم نفعلها، ونشعر به عندما نمرّ بمواقف من الحزن والخجل والانزعاج والإحباط، وهو شعور قاتل وله أثر نفسي سيئ، لذلك يجب أن تُعوّد نفسك على ألّا تندم على شيء خسرته أو على شيء فاتك وإلا ستتعب في حياتك.

وفي استطلاعنا عن ماهية الندم الذي عاشه البعض، كانت لنا هذه الجولة:

سهيلة العريمية (مدرسة متقاعدة) قالت: نعم أحسست لفترة من حياتي بندم شديد على فعل الخير، والثقة العمياء، وعدم الاستماع لنصيحه الأهل، فقد تزوجت رجلا كنت رفيقة دربه في الحياة، وساندته معنويا وماديا، وكان كل فترة يطلب مني مالا إضافيا لظروف مشروع يقوم به سنجني من ورائه أرباحا كما كان يقول، وبعد سنوات اكتشفت أن مشروعه الذي بناه من مالي وصبري ومساندتي هو بناء بيت لزوجته الثانية، كان الخبر كارثيا والندم وجعا لم أشف منه إلى الآن، وأذكر دوما القول الأقرب إلى نفسي الآن وهو: «من يجعل المعروف في غير أهله يكن حمده ذما عليه».

لا تندم أبداً

أحمد البوسعيدي (أعمال حرة) أجاب ضاحكا: لم يعرف الندم طريقه إلى نفسي، وأنا مع المثل القائل افعل خيرا وأرمه بالبحر، والبحر كما تعرفين عميق وكبير. ولم الندم والله سبحانه وتعالى خلق لنا عقولا لنفكر ونتدبر أمورنا؟

لقد عملت في مشاريع كثير منها نجح وحققت لي أرباحا، ومنها ما فشل فشلا ذريعا، فلم أندم على خسارة المال، ولا على ثقة أعطيتها للبعض، فربنا كتب لكل منا مساره وحياته، والمؤمن يثق بحكمة الله تماما، ولا داعي للندم أبدا، وأحب أن أردد دوما مقولة: «إنما الندم وحده هو الذي يطهر القلوب ويهيئ النفوس للتوبة النصوح. لا تندم أبداً، فلو كان الماضي جيداً فهذا رائع، ولو كان سيئاً فهذه خبرة نستفيد منها.

مطلوب أحيانا

الشيخ هلال الصارمي (متقاعد) أجابنا بابتسامة خفيفة وهو يهز رأسه قائلا: لو ندمنا على الماضي وخشينا المستقبل لما تبقى لدينا وقت لنعيش الآن. وما أسوأ الندم على أشياء لم نفعلها وكلمات لم نقلها لأحباب فرّقتنا عنهم الحياة أو الموت. الندم هو الإرث الطبيعي للتقدم في السن، حيث انقسم العديد منا إلى قسمين، قسم يندم على الماضي وقسم يخشى المستقبل.

فالندم هو الإبصار الذي يأتي متأخراً، وقلة الدين وقلة الأدب وقلة الندم عند الخطأ وقلة قبول العتاب أمراض لا دواء لها، والرجل لا يصبح عجوزاً حتى يحل الندم مكان أحلامه، أيام تركننا في زوايا الحزن مظلمة تمر بسنين ننتظر إشراقة الأمل، لم نعلم أننا ننتظر، نندم، نتفاجأ بها، نصطدم، ننزوي بحسرة مع أنفسنا.

ندمت على أنني لم أعد حكيماً كما كنت في يوم مولدي، وما خاب من استخار، ولا ندم من استشار، ولا يوجد ما يستحق الندم غير ما يضيع من العمر في هذا الندم، فالندم المبالغ به ضرب من انتحار العقل، والندم على السكوت خير من الندم على القول، وإذا لم نستطع أن نتوب فإننا لن نستطيع أن نسامح.

وكلما تقدمت بالعمر وجدت أن ما تندم عليه هو ما لم تفعله، تكلم وأنت غاضب وسوف يكون أفضل كلام تندم عليه طوال حياتك، ما تحدثت به إليكم خلاصة الحياة، كما أظن ليس عيبا أن نندم ولكن العيب أن نعيش الندم أطول فترة في حياتنا.

من منا لم يندم

سعاد اللواتية (ربة بيت) ضحكت بمرارة ونحن نسألها عن الندم وأجابت: من منا كبشر لم يندم في حياته على فعل خير قدمه لأناس لا يستحقون، أو فعل شر جنى من وراءه الخيبة والألم! فنحن بشر، والإنسان غالبا ضعيف، ومن ضعفه هذا قد يتصرف تصرفا يندم عليه، وليست المشكلة في الندم بحد ذاته، ولكن المشكلة أن يتكرر الفعل الخطأ الذي يورث الندم.

أنا مثلا ندمت على إجبار ابنتي دراسه تخصص لم تكن تحلم به أو تحبذه، وكلما أراها تشكو أشعر بالندم وأسأل نفسي لم استخدمت سلطة الأم على ابنتي وكنت سببا في معاناتها؟ ولكن ندمي هذا لم ينفعني ولم ينفع ابنتي، ولم أرتح من شعوري بالندم إلا حين جاءت ابنتي وقالت إنها بدأت تحب تخصصها الجامعي وتشكرني على أجبارها لهذا التخصص.

أخيرا

فعلا لابد أن كل منا عايش الندم لفترة من حياته، ولكن نرجو أن لا يكون الندم قد ولد عقدة لدى الشخص تجعله يتوقف عن مسيرته الدراسية أو الحياتية.