Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ: يسميها البعض.. «غابة إلكترونية»

15 يناير 2019
15 يناير 2019

أحمد بن سالم الفلاحي -
[email protected] -

افتتح هذه المناقشة بالسؤال: هل منا من أرشف صوره ورسائله، وأنشطته الإلكترونية المختلفة مع نهاية العام المنصرم (2018م)؟ الأجوبة ستتفاوت بين نعم، ولا، وتقريبا، وهي إجابات مقبولة أيضا إلى حد ما، لأن الكم الهائل؛ وغير المعقول؛ من كل هذا شيء ليس يسيرًا إطلاقًا، ويكاد يربك كل الحسابات، حيث يكون في حكم المستحيل أن نؤرشف كل هذا الكم الهائل من الرسائل والصور والتقارير للذين يقومون بإعداد تقارير بحثية، أو عملية يومية، كالصحفيين والإعلاميين، وغيرهم، مع أن المادة الإلكترونية تبقى أسهل في التعامل معها إلى حد كبير من تلك الموجودة على الورق، كما كان الحال قديما، ومن لا يزال على حالته القديمة في التعامل من المنشورات الورقية في ظل هذا الكم الهائل من المعلومات، لا نقول له إلا «كان الله في عونه».

تشير الدراسات والبحوث اليوم إلى أن هذا التخزين الإلكتروني أصبح مشكلة مؤرقة لكثير من الناس، والمشكلة تكمن، أولا في: كمها الهائل وغير المقدور عليه في تنظيمه من حيث تدفقه بصورته المباشرة من كل حدب وصوب، وثانيا: من حيث عدم القدرة على ترتيبه ترتيبًا علميًا، وخاصة مع مرور الأيام، مما قد يربك الحالة النفسية للأفراد -كما تشير الدراسات اليوم- وثالثا: مساحة الوقت غير العادية، في حالة اتخاذ القرار بضرورة أرشفة كل هذه المعلومات، وتنظيمها التنظيم الذي يسهل علينا العودة إليه متى اقتضى الأمر لذلك، فالالتزامات اليومية لحالها تقتضي وقتا لا يمكن إيجاد لها مساحة فارغة طوال الـ(24) ساعة؛ إلى حد ما.

وبالتالي، وفي ظل هذه المحددات الثلاثة، أصبح في حكم المفروغ منه عدم قدرتنا على السيطرة على مجموعة المعلومات، سواء المكتوبة، أو المصورة، وفي النهاية ضياعها، وبذلك نفقد معلومات قيمة في غاية الأهمية، بسبب هذا الإرباك الذي ينتابنا من عدم قدرتنا على مجاراة هذا التدفق المعلوماتي الكثير والكثير جدا لمختلف أنشطتنا في هذه الحياة، وعدم القدرة كذلك على التوفيق بينه وبين الزمن المتاح لنا في اليوم الواحد.

عندما أستعيد ذكرى استخدام آلات التصوير التقليدية التي تتسع في المرة الواحدة للكثير؛ ففيلم عدد صوره (36) صورة -على سبيل المثال- قد يحتاج أسبوعا – وهنا أتحدث على المستوى الفردي، وليس لمهمات العمل – اليوم يمكن لأحدنا أن يصور، بـ«كاميرة» هاتفه النقال، ثلاثة أضعاف هذا العدد بمجرد دخوله متحفا، أو حديقة، أو سوقا تقليدية، أو شاطئ بحر، ويعود إلى منزله، وبمجرد توصيل آلة التصوير هذه بجهاز الحاسب الآلي -بضغطة زر- يفرغ كل هذا العدد الهائل من الصور في خزانة الحاسب الآلي وانتهت المهمة، ومع تراكم هذه الصور التي نأخذها هنا وهناك، وفي سفراتنا يكون لدينا على امتداد العام الواحد عشرات الآلاف من الصور، تبقى في هذا الجهاز أو ذاك، حتى أننا نخاف أن نمر عليها ولو في السنة مرة واحدة، فضلا عن أن نؤرشفها بكتابة تاريخ التقاطها والمكان الذي كنا فيه، ومن كان يشاركنا لحظة التقاطها، وخوفنا هذا مرده إلى ضيق الوقت الذي يحاصرنا من كل مكان، وبالتالي تضيع المناسبات، والأماكن والتاريخ، وتبقى معلوماتنا عن كل هذا الكم الهائل من الصور «مشوهة»، ويبقى القليل مما قد تسعفنا الذاكرة إلى استحضار مناسبته، ومكانه، وتاريخه، وكأننا بالفعل ندخل إلى غابة، حيث تضيع منا الطرق والزمان والمكان.

وعن تجربة شخصية، عودت نفسي أن أجمع مختلف الأنشطة الإلكترونية من صور وغيرها في ملف يحمل اسم العام الذي نكون فيه منذ بدايته، حتى إذا ما انتهى العام، آخذ منه نسخة وأودعها في جهاز التخزين الخارجي، وعلى الرغم من هذا السلوك السنوي إلا أنني بالفعل أخاف أن أدخل إلى تفاصيل الملف السنوي، إلا في حالات الضرورة عندما أبحث عن شيء ما، فلكم أن تكونوا أكثر شجاعة، حتى لا تفقدوا هذا الكم الهائل من المعلومات والصور.