الملف السياسي

المواطن والقطاع الخاص مرتكزات الاستدامة المالية

07 يناير 2019
07 يناير 2019

د. الطيب الصادق -

مرتكزات الموازنة الجديدة الهادفة إلى تحقيق الاستدامة المالية تتضمن محورين أساسيين هما: المواطن والقطاع الخاص، حيث يمثل المواطن أهمية قصوى للدولة وهو الهدف المنشود والذي تعمل السلطنة على رفاهيته ورسم الأهداف المستقبلية والمستمرة لدعمه.

تحمل موازنة سلطنة عمان ٢٠١٩ طموحات وآمال المواطنين اقتصاديا واجتماعيا وفق خطط النهضة الشاملة للتنمية المستدامة، ولذا فالهدف المأمول من هذه الموازنة هو الاستدامة المالية والاستمرار في التنمية الشاملة واستكمال برنامج «تنفيذ» في إطار الخطة الخمسية التاسعة والتي تهدف إلى تنفيذ العديد من الأهداف الاقتصادية بحلول عام 2020 لتنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط، والتركيز على القطاعات غير النفطية بجانبه حيث يستهدف البرنامج خمسة قطاعات استراتيجية، هي القطاعات اللوجستية (البنية التحتية ومراكز الشحن)، والصناعات التحويلية، والسياحة، وتطوير التعدين، والثروة السمكية، كما يهدف إلى تحفيز العمالة وجذب الاستثمارات الأجنبية عبر تشجيع المشاريع المشتركة عن طريق الشراكة بين القطاعين العام والخاص مع عدم الإخلال بحقوق وواجبات المواطن في آن واحد واستكمال السياسات الهادفة إلى تشجيع القطاع الخاص وجعله شريكا أساسيا في عمليات التنمية.

ومن المعروف أن الاستدامة المالية بمعناها الواسع تشير إلى الحالة المالية التي تكون فيها الدولة قادرة على الاستمرار في سياسات الإنفاق والإيرادات الحالية على المدى الطويل دون خفض ملاءتها المالية أو التعرض لعدم الوفاء بالتزاماتها المالية المستقبلية أو مخاطر الإفلاس وكذلك العمل على إيجاد طريقة لاستخدام الموارد المتاحة بطريقة تمنع استنفادها وبالتالي تساهم في الحفاظ على القدرة المالية على مر الزمن مع استمرار التوظيف والتنمية واستقرار مالي قصير وطويل الأجل، وبصدور المرسوم رقم واحد لعام 2019 بالتصديق على ميزانية سلطنة عمان للسنة المالية الحالية أعطى إشارة البدء لجميع الوزارات والوحدات الحكومية بتنفيذ أحكام هذا المرسوم كل في حدود اختصاصه والعمل سريعا في تنفيذ رؤية السلطنة، حيث إن موازنة ٢٠١٩ هي امتداد طبيعي ومكمل للسياسات الحكومة التي اتخذتها السلطنة منذ النهضة الحديثة وحتى الآن، ولذلك نجد أن السلطنة تنتهج سياسات مالية منظمة وممنهجة تعتمد على أسس ومرتكزات واضحة، وخطط تكمل بعضها البعض، وهو ما يميزها، والدليل على ذلك أننا الآن في مرحلة الخطة التاسعة التي تكمل رؤية ٢٠٢٠ والتي تحول مبادرات التنويع الاقتصادي إلى واقع ملموس يحتاج إلى الإنفاق الكبير، وهو ما فطنت له الحكومة والذي سيتم تغطيته من خلال استثمارات مشتركة مع القطاع الخاص، وفي ذات الوقت تنظر الحكومة بعين الاعتبار إلى الهدف الأكبر من خلال التطلع لتحقيق الرؤية الاستراتيجية «عمان ٢٠٤٠»، ولذا توقعت الحكومة زيادة الإنفاق في ميزانية ٢٠١٩ إلى ١٢.٩ مليار ريال مقارنة بـ ١٢.٥ مليار ريال في موازنة عام 2018 حيث يقدر حجم إيرادات الموازنة الجديدة ١٠.١ مليار ريال وهو ما يجعل عجز الموازنة يصل إلى ٢.٨ مليارات ريال سيتم تغطيته من خلال الاقتراض في أغلب الأحيان، لكن من المتوقع زيادة هذا العجز في ظل الظروف الحالية التي تواجهها السلطنة والعديد من دول العالم نتيجة لاستمرار الضغوط على الاقتصاد العالمي وانكماش في حركة التجارة العالمية مع استمرار التوترات السياسية في العديد من بلدان العالم.

كما أن سعر النفط في موازنة السلطنة يمثل تحديا آخر يواجه الموازنة خصوصا مع التوقع بعدم ارتفاع أسعار النفط في الفترة المقبلة نتيجة للضغط الأمريكي والاتجاه لخفض سعره عالميا والذي نتج عن هذا التدخل تراجعه بوتيرة أسرع في نهاية العام الماضي، بعد أن حقق ارتفاعات لامس خلالها ٩٠ دولارا للبرميل ليهبط بشكل مفاجئ ومتسارع ما بين 40 و45 دولارا للبرميل، ورغم كل ذلك لم يكن هو التحدي الوحيد حيث توجد العديد من التحديات التي تواجه الموازنة الجديدة للحصول على الموارد الضرورية للوفاء بالتزاماتها تجاه المواطنين خصوصا أن هدفها الأساسي هو راحة المواطن وتحقيق تطلعاته ولذلك قامت بزيادة الإنفاق في موازنة 2019.

مرتكزات الموازنة الجديدة الهادفة إلى تحقيق الاستدامة المالية تتضمن محورين أساسيين هما: المواطن والقطاع الخاص، حيث يمثل المواطن أهمية قصوى للدولة وهو الهدف المنشود والذي تعمل السلطنة على رفاهيته ورسم الأهداف المستقبلية والمستمرة لدعمه وتوفير كافة السبل له، لذلك تقوم الدولة بدورها في إيجاد الطرق للإنعاش الاقتصادي وإصدار القرارات المحفزة على خلق مناخ صحي يسمح بتحسن الأوضاع المالية وتنفيذ مختلف المشروعات التنموية والخدمية التي تصب في مصلحة المواطن وتخفيف الأعباء عنهم ومواجهة التحديات وتجاوزها من خلال طرح المبادرات التنموية التي تسهم في تحقيق التنمية الشاملة، وهذا يدفع للاهتمام بالعنصر البشري وتنميته والاستثمار فيه حيث يمثل أهم عنصر في العملية الإنتاجية وأهم موارد الدولة التي تساهم في نهضة الاقتصاد خصوصا إذا تم إدارته وتنميته بشكل جيد يُمكن أن يحقق الأهداف التي تسعى إليها الدولة ويزيد من الإنتاجية لذلك لا بد من الاستمرار في تدريب العنصر البشري ليواكب التطورات المستمرة، وكذلك العمل على خلق بيئة محفزة للأفراد وتشجيعهم على تنمية واستغلال مهاراتهم، وبالتالي سيعود بالفائدة على الدولة ورفاهية المواطن في آن واحد.

كما أن الموازنة الجديدة ركزت على الدور المطلوب من القطاع الخاص والتأكيد على أنه شريك أساسي في جهود التنمية الاقتصادية وله دور كبير في مشاركة الدولة في تحقيق النهضة الاقتصادية وفي ظل الدعم والتحفيز المستمر من الدولة للقطاع الخاص، فمن المتوقع أن ترتفع حصة القطاع الخاص إلى ما يقارب 80% من الاستثمارات المخطّط لها، سواء من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية أو المحلية وهذا يأتي نتيجة للجهود المستمرة من الحكومة في التطوير والتنويع لاقتصاد السلطنة ودعم القطاعين النفطي وغير النفطي وإصدار قرارات تحفيزية لهذا القطاع المهم وتشجيعه للعمل بجانبها، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي بأن يحقق الاقتصاد العماني في 2018 نمواً بنسبة 1.9%، وسيصل إلى نسبة 5% في 2019، وذلك صعوداً من 0.9% في سنة 2017 وهو ما يؤكد نجاح السياسات الاقتصادية التي انتهجتها السلطنة، كما يجب التنويه إلى أهمية دور المجتمع المدني في النهضة الاقتصادية وتوفير فرص العمل خصوصا أن منظمات المجتمع المدني أصبحت من العناصر الفاعلة والهامة في تنفيذ المشاريع الاستثمارية، وقادرة على تقديم خدمات بمستوى عال من الجودة وبتكلفة أقل من الناحية الاقتصادية مما سيكون له نتائج إيجابية على اقتصاد السلطنة.

ولا يمكن إغفال الاهتمام باقتصاد المعرفة وهو ما يسمى باقتصاد المستقبل لأن الاستثمار الخاص بالتكنولوجيا، والإبداع، والتطوير يعد دافعاً قويا لدعم النموّ الاقتصادي من خلال استخدام تقنيات المعلومات بدلاً من الموارد ورأس المال وتعمل المعرفة على تحوُّل الدول النامية إلى دول متطورة وحديثة واقتصادها يصبح أكثر استدامة وقدرة على المنافسة.

وختاما فإن موازنة 2019 لم تعد حصاد للموازنات السابقة بقدر ما هي استكمال لجهود السلطنة ورؤيتها واستراتيجيتها نحو تحقيق معدلات نمو أفضل ونهضة اقتصادية واستدامة مالية من خلال تحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي والتركيز على محورين رئيسيين هما: رفاهية المواطن وتوسيع نطاق مشاركة القطاع الخاص في ظل توافر القدرة السياسية والقانونية والاقتصادية للحد من نمو تكاليف برامج الإنفاق الحالية، والعمل على إيجاد مصادر جديدة للإيرادات مع رفع معدلات الإيرادات الحالية من خلال الاستمرار في برنامج التنويع مصادر الدخل الاقتصادي.