أفكار وآراء

الباحثون عن العمل والنموذج الصيني

01 يناير 2019
01 يناير 2019

عوض بن سعيد باقوير - صحفي ومحلل سياسي -

هنا نتحدث عن أهمية السياج الوطني وضرورة التنبه إلى تلك المتغيرات ومن هنا فإننا هنا نؤكد على أهمية استيعاب الباحثين عن العمل ووفق المنظور الحالي حيث الاستيعاب الممكن في القطاع الخاص كنسبة أكبر، وفي عدد من الهيئات الحكومية رغم أن التشبع الوظيفي حكوميا وصل إلى مرحلة عالية ويبقى فقط الإحلال النسبي.

تعد قضية الباحثين عن العمل من القضايا الحساسة والتي تشغل بال الرأي العام في الدول النامية بشكل خاص ومع الصعوبات الاقتصادية وعدم وجود استراتيجية وطنية لمسألة استيعاب آلاف الخريجين تظهر الأزمة بشكل دوري، فالباحثون عن عمل لديهم المشروعية في تأمين العمل والذي يتناسب مع مؤهلاتهم الدراسية ومع ذلك فإن الدول ذات الاقتصاديات المتوسطة كالسلطنة لا تستطيع عمليا أن تستوعب كل المخرجات سنويا لأن ذلك يفوق طاقتها المالية وحتى حجم القطاع الخاص والتشبع الوظيفي لدى الجهاز الإداري وخاصة المدني، ومن هنا فإن الأزمة تتكرر بشكل دوري من خلال التراكم العددي للباحثين عن عمل كل عدة سنوات فرغم أن وزارة القوى العاملة تعلن عن وظائف بشكل دوري إلا أن المسألة تحتاج حلولا جذرية من خلال آليات محددة.

المجمعات الصناعية

السلطنة ذات كثافة سكانية منخفضة جدا حيث لا يتعدى عدد السكان المليونين ونصف المليون، ومن هنا يدور الجدل حول عدم الوصول إلى آليات وحلول متكاملة لهذه القضية والتي تدخل في إطار الأمن الوطني للدول، ومن هنا فإن الآلية الحالية في استيعاب القوى الوطنية في سوق العمل لن تحل الأمور على المدى المتوسط والبعيد حيث إن لدينا عشرات الكليات الجامعية والتي تخرج الآلاف سنويا وبالتالي كيف يمكن استيعاب كل هذه الأعداد من قبل القطاع الخاص.

صحيح هناك أعداد كبيرة من القوى العاملة الوافدة تتخطى المليونين ولكن معظمها في قطاع الإنشاءات والأعمال البلدية، أما فيما يخص وجود تلك القوى العاملة في الوظائف القيادية فإن المرحلة تتطلب استيعاب الكوادر الوطنية بشكل كامل وفي أسرع وقت ممكن.

على المدى المتوسط والبعيد لا بد من الاستفادة من التجربة الصينية وهي عمل المجمعات الصناعية الإنتاجية في المحافظات والتي تستوعب عشرات الآلاف، بحيث تكون تلك المجمعات الكبيرة هي الرافد الأهم لاستيعاب القوى الوطنية وتكون هناك مراكز للتدريب في تلك المصانع، ومن خلال هذه المجمعات الإنتاجية تكون الدولة قادرة أولا على استيعاب العدد الأكبر من الباحثين عن العمل وثانيا فإن تلك المصانع ومن خلال الإنتاجية سوف تستوعب رواتب تلك القوى الوطنية وبالتالي فإن الدولة سوف تتخلص من عبء مالي كبير حيث إن التوظيف في الدولة يضيف أعباء مالية كبيرة كل عام على الموازنة العامة للدولة وما ينتج عن ذلك من مشكلات مالية وزيادة الدين الخارجي، ومن هنا فإن الحلول الوقتية ليست كافية وسوف تدخل الدولة في إشكالات هي في غنى عنها.

إن وجود 45 ألف باحث عن العمل حسب الأرقام التي تحدثت عنها الهيئة العامة لسجل القوى العاملة هي أرقام سوف تتضاعف مع مرور السنوات وقد يتم استيعاب العدد الأكبر منها في شركات القطاع الخاص والجهات العسكرية، ولكن الأمر سوف يتكرر مع الأعداد القادمة من مخرجات الجامعات والكليات الوطنية، ومن هنا فإن وضع استراتيجية متكاملة لعمل المجمعات الصناعية في المحافظات هو حل استراتيجي فالجهاز الإداري للدولة لم يعد قادرا على استيعاب المزيد وهناك الخوف من الوصول إلى البيروقراطية التي تعاني منها عدد من الدول العربية.

المجلس الأعلى للتخطيط

ولا بد أن المجلس الأعلى للتخطيط له دور في معالجة مثل هذه الأمور استراتيجيا، وذلك عبر آلية تخطيطية نضمن من خلالها الاستمرارية في مجال التشغيل والبعد عن إرهاق الجهاز الإداري للدولة، وهناك سؤال آخر ما هي أعداد الوافدين في المواقع القيادية للشركات وضرورة تعمينها من خلال خطة سريعة علاوة على أهمية عقد ندوة موسعة عن استراتيجية التشغيل في السلطنة على المدى المتوسط والبعيد، لأن بقاء الأمور على وضعها الحالي لا يستقيم حتى لو تم استيعاب العدد الذي تحدثت عنه الجهة المختصة بسجل القوى العاملة.

القوى الوطنية والموارد البشرية هي ثروة للأوطان ولا بد من الاستفادة منها وهناك دول وخاصة في جنوب شرق آسيا نهضت صناعيا وتكنولوجيا بفضل كوادرها البشرية، وهذا يحتم على الدولة أولا تطوير التعليم بشكل عام وأن تكون الاستراتيجية الصناعية هي أساس استيعاب القوى الوطنية ولعل وجود تلك المجمعات الصناعية في منطقة الدقم ووجود المدينة السكنية التي تستوعب أكثر من 200000 تعد أحد الحلول المطروحة في المستقبل، ويمكن تعميم تلك الخطة على عدد من المحافظات فالقطاع الخاص في السلطنة هو قطاع محدود ويتمثل قوته في عدد معين من الشركات، أما مسألة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة فإنها تحتاج إلى بعض الوقت حتى يمكن أن تشكل القاطرة الاقتصادية للسلطنة، كما هو موجود في الغرب والولايات المتحدة وآسيا وعلى ضوء ذلك فإن التخطيط المسبق، هو إحدى المهام الرئيسية لأي جهاز تخطيطي وفي كثير من الأحيان يكون هناك استقراء المستقبل لتفادي حدوث الأزمات.

المتغيرات الخارجية

العالم بشكل عام والمنطقة تمر بمرحلة متغيرات سياسية واستراتيجية في غاية الخطورة وهناك الطموحات غير المنضبطة في الإقليم والتي أركز عليها في عدد من المقالات والأوضاع الاقتصادية غير المستقرة في ظل تذبذب أسعار النفط وفي ظل منافسة اقتصادية محمومة بين دول المنطقة، وكل هذه الأمور يجب وضعها في الاعتبار.

وهنا نتحدث عن أهمية السياج الوطني وضرورة التنبه إلى تلك المتغيرات ومن هنا فإننا هنا نؤكد على أهمية استيعاب الباحثين عن العمل ووفق المنظور الحالي حيث الاستيعاب الممكن في القطاع الخاص كنسبة أكبر، وفي عدد من الهيئات الحكومية رغم أن التشبع الوظيفي حكوميا وصل إلى مرحلة عالية ويبقى فقط الإحلال النسبي، ولا بد من التوضيح أن هذه المسالة سوف تحل تدريجيا من خلال تكامل الأدوار الحكومية ومن القطاع الخاص.

تغيير السلوكيات

هناك إشكالية أخرى وهي أن العروض الخاصة بفرص العمل ينبغي أن تقبل في مراحلها الأولى وعدم الربط بين الرغبات وتلك الفرص لأن القبول بالفرص سوف يفتح المجال للتدريب والترقي وهذا أمر في غاية الأهمية. وزارة القوى العاملة تعلن عن الوظائف بشكل منتظم لكن هناك عزوفا في بعض الأحيان لأسباب تتعلق بمميزات تلك الوظائف، والسؤال هنا هل من الأفضل القبول بتلك الفرص أم تركها ونحن هناك نتحدث عن أهمية تغيير نمط السلوك الوظيفي أن صحت التسمية، ومن الصعب لكل باحث عن عمل أن يجد الوظيفة التي يطمح فيها وفق رؤيته، ومن هنا فإن القبول بالفرص الحالية هو أسلوب صحيح وقد تكون تلك الفرصة سبب في النجاح المنشود مستقبلا وهناك نماذج كثيرة بدأت بشكل بسيط ووصلت إلى درجات أكبر في السلم الوظيفي في القطاع الخاص.

عند وجود شح في الوظائف لأسباب متعددة فإن الحكمة تفرض القبول بالفرص الموجودة لأن هذه الأخيرة وفي إطار تزايد أعداد الباحثين عن العمل مستقبلا قد لا تكون متاحة، ومن هنا ندعو من خلال هذه السطور إلى أهمية أخذ الفرص والبناء عليها وأن يكون هناك استيعاب مجتمعي لظروف كل مرحلة.

وفي المحصلة النهائية فإن الدولة سوف تكون لديها الآلية لاستيعاب المزيد من الباحثين عن العمل ومع ذلك فإن الاستراتيجية الخاصة بالمجمعات الصناعية في المحافظات سوف تكون من الحلول الواقعية لتغيير المسار النمطي الحالي للتوظيف.