أفكار وآراء

انتصار ميركل الأخير

16 ديسمبر 2018
16 ديسمبر 2018

سمير عواد -

لم يسبق وأن اهتم العالم بنتائج انتخابات حزب ألماني، لكن انتخاب رئيس جديد للحزب المسيحي الديمقراطي cdu كان حالة استثنائية جدا.

وعلقت على هذا الحدث كبريات الصحف العالمية مثل «نيويورك تايمز» الأمريكية التي زادت تغطيتها للانتخابات التي جرت في مدينة «هامبورج» أكثر من تغطيتها لوفاة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش.

وقطعت بعض المحطات الإخبارية برامجها لتعلن عن نتيجة انتخاب رئيس جديد للحزب الحاكم في ألمانيا والسبب هو أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي ترأس الحزب منذ عام 2000 قررت في ضوء تراجع شعبيتها في الداخل وخسارتها الانتخابات الأخيرة في الولايات، عدم الترشح مرة أخرى في منصب رئيسة الحزب، كما قررت أن تكون ولايتها الرابعة في منصب المستشارة، آخر ولاية وقالت أخيرًا: إنها لن ترشح نفسها لولاية خامسة عندما تنتهي الفترة الدستورية لحكومتها الائتلافية الراهنة في نهاية عام 2021.

قبل أيام ذكرت مجلة «فوربس» الأمريكية أن ميركل فازت مرة جديدة بلقب «أقوى امرأة في العالم»، وهذا في مرحلة لا تلعب امرأة أخرى دورًا يُذكر في السياسات الدولية، فالرجال يهيمنون على المناصب القيادية في العالم، ويخطفون الأضواء بقرارات مثيرة للجدل، وهذا ما ينطبق على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والمرأة الوحيدة التي يُمكن التنويه باسمها في عالم السياسة الدولية، هي تيريزا ماي، رئيسة الوزراء البريطانية.

لكن ماي غارقة في مشكلات وأبرزها انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث لا أحد يعرف مصير القضية مع ازدياد التكهنات بأن «البريكسيت» قد يودي برئيسة الوزراء البريطانية، وأن العديد من المتنافسين على منصبها، يستعدون لساعة الصفر.

مثل المستشارين الألمان السابقين الذين لمعت أسماؤهم دوليا، فيلي برانت وهيلموت شميت وهيلموت كول وجرهارد شرودر، لمع اسم ميركل، خاصة عندما سمحت في سبتمبر 2015 لعشرات الآلاف من اللاجئين الذين كانوا قد توقفوا في «بودابست» ومنعتهم السلطات المجرية من مواصلة رحلة العذاب إلى ألمانيا واسكندنافيا، بالدخول إلى ألمانيا بعد الاتفاق مع النمسا، بدون أوراق ثبوتية.

واعترفت ميركل لاحقا أنها ارتكبت حينها خطأ فادحا، فقد حمّلها الشعبويون في أوروبا مسؤولية الاعتداءات التي ارتكبها لاجئون واستغلوها لكسب الناخبين وليس كثيرون الذين يحمّلون ميركل مسؤولية صعود الأحزاب الشعبوية في أوروبا ووصول بعضها إلى السلطة في بولندا والمجر وسلوفاكيا وفنلندا.

قبل نشوء أزمة اللاجئين لم تكن ميركل تواجه أي تهديد من الداخل وكانت تُلقب بـ«سيدة أوروبا»، أما اليوم فإن ميركل فقدت نفوذها في الاتحاد الأوروبي، كما فقد المحور الألماني - الفرنسي قوته، بعدما كان في العقود الماضية محرك الاتحاد الأوروبي. وبينما استطاع حزب «البديل من أجل ألمانيا» الشعبوي، دخول برلمانات الولايات الألمانية الستة عشر بالإضافة إلى البرلمان الاتحادي في برلين «بوندستاج»، تأتي خطوة ميركل بالتخلي عن منصب رئاسة الحزب المسيحي الديمقراطي، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. ففي العام المقبل ستجري انتخابات في ثلاثة ولايات في الشطر الشرقي من ألمانيا.

ويعتقد المراقبون أن الحزب الشعبوي يملك فرصة واقعية لتحقيق نتائج كبيرة قد تمكنه من الوصول إلى السلطة في واحدة أو أكثر من الولايات الثلاث.

أما الآن فبعد انتخاب أنيجريت كرامب كارينباور، الأمينة العامة للحزب المسيحي الديمقراطي خليفة لميركل في منصب رئيسة الحزب والتي كانت ميركل تدعمها بقوة، يأمل المسيحيون الديمقراطيون في استعادة مئات الآلاف من الناخبين الذين كانوا في الماضي يؤيدون حزبهم، لكنهم عبّروا عن نقمتهم حيال سياسة ميركل تجاه اللاجئين، وانتخبوا الحزب الشعبوي أملا بوقف تدفق اللاجئين. كما أن العديد من أعضاء حزب ميركل، أصبحوا ينتقدونها علنا ومن بينهم فولفغانغ شويبلي، رئيس البرلمان الألماني المقعد منذ سنوات طويلة على كرسي متحرك بعدما أطلق رجل ألماني النار عليه خلال الحملة الانتخابية في عام 1990 وكان حينها مرشحا لخلافة المستشار الألماني هيلموت كول.

وقال شويبلي الواسع النفوذ بعد حصول الحزب على نتائج هزيلة في انتخابات ولاية «هيسن» أن ميركل لم تعد تُشكّل ضمانا للفوز بالانتخابات.

وأشار مراقبون إلى أن موقف شويبلي عبارة عن انتقام متأخر من شويبلي لأنها منعته من اعتلاء عرش السياسة الألمانية في مناسبتين: الأولى في عام 2000 عندما تورط اسمه في فضيحة الحسابات السرية المرتبطة باسم كول، ورفضت الدفاع عنه عندما تولى رئاسة الحزب خلفًا لكول الذي استقال بسببها بعدما طلبت منه ذلك في مقال نشرته صحيفة «فرانكفورتر ألجماينه»، واستغلت الظرف حينها ووصلت إلى رئاسة الحزب.

والمرة الثانية أنها رفضت ترشيحه لمنصب رئيس الجمهورية الألمانية. وهذه المرة مني شويبلي بهزيمة ثالثة، عندما أعلن مساندته لفريدريش ميرتس، السياسي المحافظ الذي ترك السياسة بسبب خلافه مع ميركل ثم عاد أملا في أن يخلفها في مناصبها، لكن ميرتس مني بهزيمة مثلما مُني بها ينس شبان وزير الصحة الألماني.

ويعود الاهتمام العالمي بانتخاب الرئيس الجديد للحزب المسيحي الديمقراطي، لاحتمال أن تكون الفائزة أنيجريت كرامب كارينباور، الخليفة الأفر حظًا لخلافة ميركل في منصب المستشارة وتكون بذلك ثاني امرأة تحصل على هذا المنصب.

وفي ضوء استطلاعات الرأي فإنه على الأغلب أن يستمر الحزب المسيحي الديمقراطي بتعيين المستشار أو المستشارة، نظرًا لضعف الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي تمكن آخر مرة من إدارة السلطة في أكتوبر 1998 عندما أطاح شرودر بكول وشكل حكومة ائتلافية مع حزب الخضر.

وبحسب المحللين السياسيين في برلين، تواجه كرامب - كارينباور المعروف في حزبها باسم AKK اختصارا لسمها الثلاثي الطويل، تحديات جبارة، إذ عليها توحيد صفوف الحزب بعد انقسام الآراء حول انتخابها علمًا أن كثيرين كانوا يفضلون ميرتس، لكنه ترنح لأنه ابتعد طويلا عن العمل السياسي وجمع ثروة كبيرة من خلال العمل مع مؤسسة مالية ألمانية دولية لا تتمتع بسمعة طيبة. وعليها أن تقود الحزب للفوز بالانتخابات القادمة في الشطر الشرقي وانتخابات البرلمان الأوروبي، ويعتمد بقاؤها في منصبها حتى حلول الانتخابات العامة في نهاية 2021 على تحقيق الحزب نتائج مُقنعة، كما ستحاول تقديم الدليل على أنها صاحبة أفكار مستقلة، وأنها على العكس من ميركل ولا تستحق لقب «ميركل الصغيرة» الذي تردده بعض وسائل الإعلام الألمانية. ذلك أن خصومها في الحزب، لم يفقدوا الأمل من الإطاحة بها لعلمهم أن الحائز على منصب رئيس الحزب، لديه أكبر فرصة لخلافة ميركل في منصب المستشارية في حالتين، الأولى إذا انهارت حكومتها الراهنة قبل نهاية الفترة الدستورية، أو بحلول نهاية عام 2021.