أفكار وآراء

إصلاح الاتحاد الإفريقي

15 ديسمبر 2018
15 ديسمبر 2018

مختار بوروينة -كاتب من الجزائر -

خرجت إفريقيا عبر القمة الاستثنائية لرؤساء وحكومات 55 دولة عضو باتحادها الإفريقي، ولأول مرة، بإصلاح مؤسساتي هيكلي ومالي للمنظمة القارية والحكومية بعد مراحل من العمل والاجتماعات التنفيذية والقمم من كيغالي سنة 2016 مرورا بقمّة نواكشوط في يوليو 2018، وأخيرا أديس أبابا في نوفمبر المنصرم.

الأفارقة، ومن أجل إصلاح فاعل لهيئتهم القارية التي تم إنشاؤها سنة 1963 تحت تسمية منظمة الوحدة الإفريقية قبل أن تحمل سنة 2002 تسمية الاتحاد الإفريقي، بحثوا ولمدة سنتين عبر العديد من المشاورات وعمل الخبراء مقاربة منح منظمة الاتحاد الإفريقي وسائل الاستجابة لتطلعات شعوب القارة في مجال التنمية والتكامل دون أن يمس هذا الإصلاح بالمبادئ الأساسية التي تقوم عليها، ويتعلق الأمر، بالتالي، بإصلاح لا يمس أهداف الاتحاد ومبادئه، بل مراجعة التسيير التقني للمنظمة وهياكلها من أجل تحسين مردودها.

معالم خارطة طريق هذا المشروع الإصلاحي أوكلتها الدول الإفريقية إلى الرئيس الرواندي، بول كاغامي، بصفته رئيسا للاتحاد، التي قادها بتسيير توافقي لمسار الإصلاح إلى حين عرضها على الدول الأعضاء لتبني الاقتراحات المتضمنة فيها، ودراستها بالتفصيل والتوافق قبل عرض التوصيات على المصادقة وضمان التزام تنفيذها بالتفاف أوسع لكامل الدول الأعضاء بالاتحاد الإفريقي كشرط أول في تعزيز العمل الإفريقي المشترك من جهة، ومن جهة أخرى مسايرة التحولات الكبيرة التي تعرفها القارة الإفريقية والعالم، على جميع الأصعدة، أي بما يتوافق مع ميثاق الاتحاد وفكرة العمل الإفريقي المشترك لتنفيذ كل القرارات والأفكار التي تندرج في سياق الاندماج الاقتصادي الإفريقي أو التنسيق بين الدول الأعضاء لتوحيد مواقفها الدولية.

وتستهدف هذه التوجهات الإصلاحية تقديم إجابات للتحديات المتعددة التي تواجه المنظمة الإفريقية والمرتبطة لا سيما من حيث تفعيل الأداء بالاختلالات الهيكلية والصعوبات المالية والنقائص في مجال التنسيق ضمن نظامها المؤسساتي، من هنا وجب التأكيد على أنه ينبغي مراعاة المضمون بالشكل الذي يمكن من استفادة أوسع لانضمام الدول الأعضاء في الاتحاد، ومنه يتعين على آليته المالية الموجودة في جوهر الإصلاح الهيكلي أن تراعي القدرات الاقتصادية لكل بلد، وبشكل متوازن بين كافة الدول الأعضاء.

لهذا ارتبطت التوصيات الأساسية التي توجت القمة الأخيرة بإقرار تعزيز عمل المفوضية الإفريقية التي تلعب دورا كبيرا، إضافة إلى النقطة المتعلقة بتمويل المنظمة ومسائل ترشيد طرق تسيير الاشتراكات، حيث تم إدراج التنفيذ الفوري «لرسم كابيروكا» (نسبة إلى رئيس البنك الإفريقي للتنمية الدكتور دونالد كابيروكا) بنسبة 2ر0 بالمائة على الواردات مع تعزيز العقوبات بالنسبة للدول التي لا تدفع اشتراكاتها.

يسمح هذا الاقتطاع بتمويل الميزانية العملية للاتحاد الإفريقي والتي سيتم تخصيص 75 بالمائة منها الى ميزانية البرنامج، في حين أن 25 بالمائة من الميزانية موجهة الى دعم عمليات حفظ الأمن، كما سيساعد هذا الرسم أيضا على تقليص التبعية لأموال الشركاء لأجل تنفيذ البرامج القارية و تخفيف الضغوطات الممارسة على الخزائن العمومية الوطنية.

وفي أول خطوة ضمن الإطار تم إعادة إطلاق للصندوق الإفريقي للسلم القائم منذ سنة 1993 بشكل رسمي، ويتم تزويده من خلال اشتراكات الدول الأعضاء، بمبلغ مالي يقدر ب400 مليون دولار أمريكي بحلول سنة 2020.

معلوم أنه لم يرد مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي في القانون التأسيسي للمنظمة الإفريقية، لكن ثمة فقط بروتوكول متعلق بالمجلس يضاف إلى هذا القانون التأسيسي في حين أن التجربة قد أثبتت أن المجلس يشكل هيئة أساسية في سير الاتحاد الإفريقي.

وتم إنشاء الصندوق بهدف مواجهة الأزمات في القارة ولم يتم تزويده سوى بمبلغ قدره 59 مليون دولار أمريكي خلال السنوات الأخيرة بدل المبلغ المالي المقدر ب 65 مليون دولار أمريكي المرتقب سنويا، مثلما تم إقراره سنة 2016.

ويوضح مفوض السلم ومسؤول الصندوق، إسماعيل شرقي، أنه بسبب انعدام تعليمات حول طريقة تسخير ال65 مليون دولار أمريكي ضمن مختلف مناطق القارة، لم يتم تطبيق صيغة التوزيع مما يستلزم إعداد بعض الخيارات لأجل تقييم اشتراكات الدول الأعضاء في هذا الصندوق.

وأتفق أيضا على إقامة مجلس إدارة الصندوق والذي سيتألف من خمسة (5) أعضاء بالإضافة الى رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، مفوض الأمن والسلم والمفوض المكلف بالشؤون السياسية.

أما النقطة الأخرى التي حظيت بالإجماع على مستوى البلدان الأعضاء فتتعلق بتشكيل مفوضية الاتحاد الإفريقي حيث ستتكون هذه الأخيرة ابتداء من سنة 2021 (العهدة المقبلة) من ثمانية (8) أعضاء منهم رئيس ونائب رئيس وستة (6) مفوضين، إلى جانب تعزيز كفاءات رئيس المفوضية في توصيات الإصلاح.

كما أكدت الإصلاحات أن ضمان استقلالية قرارات الاتحاد يرتبط أساسا بمساهمة وإشراك كل الدول الأعضاء في تمويل المشاريع ذات الأولوية والبرامج المندرجة في أجندة 2063 للاتحاد الإفريقي، وتحويل ألية الشراكة الجديدة لأجل تنمية إفريقيا(نيباد) الى وكالة تنمية الاتحاد الإفريقي بصفتها كيان ذا شخصية قانونية منفصلة وباستحداث أليات تقسيم العمل بين المفوضية الإفريقية والمجموعات الاقتصادية الإقليمية لأجل موائمة البرامج.

ومن بين الاقتراحات الأساسية التي اقترحتها الدول الأعضاء وجاء بها المجلس التنفيذي للاتحاد الإفريقي على أساس آراء اقترحت في إطار مسار الإصلاح، التأكيد على تطبيق مبدأ التناوب الإقليمي من اجل تفادي قيام بلدان أو مناطق باحتكار مناصب خاصة والمساواة بين الرجال والنساء في الانتخاب على مستوى الإدارة العليا. ولتقليص النفقات الإضافية للاتحاد الإفريقي تم التأكيد في التوصيات على ترشيد تسيير الميزانية سيما من خلال تخفيض أسفار المستخدمين والبلدان الأعضاء، وضرورة عقد غالبية الاجتماعات والندوات على مستوى مقر الاتحاد الإفريقي من اجل تقليص التكاليف وتعزيز نظام العقوبات بسبب عدم دفع المساهمات المقررة.

ويمكن لهذه العقوبات ان تصل الى تعليق حق البلدان الأعضاء في العضوية بمكتب أي هيئة في الاتحاد الإفريقي ومشاركة رعاياهم في مهام مراقبة انتخابية او مراقبة حقوق الإنسان او دعوتهم الى أي اجتماع للمنظمة.