yousef
yousef
أعمدة

عمان المستقبل: العمق التاريخي والحضاري «2/‏6»

11 ديسمبر 2018
11 ديسمبر 2018

يوسف بن حمد البلوشي -
[email protected] -

العالم اليوم في تغير مستمر خاصة في ظل العوامل الاقتصادية الكلية والسياسية والاجتماعية والتشريعية والتنظيمية والإقليمية والتكنولوجية والبيئية وغيرها. وعلى المستوي الإقليمي والعالمي أفرزت العولمة تشابكات وتحديات وفرصا كبيرة تحتاج للتعامل معها بثقة، وكذلك فتحت منافذ عدة للتنمية لكنها لا تتحقق تلقائيا، فهي لا تقتصر على الاعتبارات الاقتصادية فحسب بل تتجاوزها إلى جوانب مختلفة ومنها الدينية أيضا، فالدين يزيد اليقين بالوطن ويعزز الجهد والعمل.

وفي عُمان تحققت الكثير من إنجازات التنمية، وما زال هناك المزيد الذي يجب علينا تحقيقه، ويمكننا إدراك ذلك من خلال الرجوع لزمن الستينات والسبعينات حيث كانت التنمية حلما وأصبحت حقيقة، وهنا يجب أن نعي ضرورة تحويل التحديات إلى فرص للنجاح والنهوض. لم يكن انتقال عُمان من بلد محدود الموارد وقائم على الاقتصاد التقليدي إلى اقتصاد مزدهر قابل للنمو وليد الصدفة، بل أتت هذه النقلة من غرس الثقة في النفوس لتجاوز التحديات المختلفة (الديموغرافية، والاقتصادية، والمالية)، والمرحلة القادمة تتطلب مواصلة التقدم بثقة والبناء على ما تم تحقيقه، فكما تم تجاوز مختلف التحديات في السابق فإننا نستطيع تجاوزها الآن وفي المستقبل. إن زيادة درجة التنمية الاقتصادية المستدامة في السلطنة تتطلب درجة أعلى من التنسيق والتناغم بين الجهات المختلفة المعنية بالتنمية، وبناء علاقات تكاملية، وليست تنافسية، وتحديد أهداف قابلة للتنفيذ والقياس، وينطبق ذلك على الوزارات، والقطاعات الاقتصادية، والموانئ والمناطق الحرة وغيرها. والأهم من ذلك أن تركز على بناء الإنسان العماني، فهو القادر على إحداث التنمية. كما أننا بحاجة إلى تعزيز قنوات الاتصال بين الحكومة والمجتمع، وبين أجهزة الحكومة ذاتها، فالفريق الذي لا يعمل معا يكون غير قادر على الفوز، وبالتالي مهما كانت الفرص والبدائل متاحة فإن العمل بروح الفريق ورفع الروح المعنوية والتنسيق المستمر والثقة المتبادلة هو مفتاح تجاوز الأزمة وإيجاد مجتمع مستقر، وهنا يتعين مضاعفة دور الإعلام بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي، فلابد من بذل جُهد مضاعف لتبصير أفراد المجتمع بأهمية المرحلة الحالية وحتمية الانتقال لنموذج جديد للتنمية قوامه الإنتاج والتصدير وحسن استغلال الموارد الطبيعية المتوفرة، وهذا أمر ممكن بعزيمة أبناء هذا الوطن.

ولا يخفى علينا وجود أزمات قد يصعب تفاديها في بعض الفترات، ولكنها سنة ربانية (السنون السمان والسنون العجاف)، وهناك العديد من الأزمات، التي مرت مثل (1986 الأزمة النفطية وتخفيض سعر الصرف الرسمي للريال العماني، و1997 الأزمة الآسيوية، و2001 أزمة التباطؤ الاقتصادي العالمي، و2008 الأزمة المالية العالمية، و2011 أزمة الربيع العربي، 2014 أزمة تراجع أسعار النفط)، وهنا علينا أن ندرك أهمية تطبيق سياسات معينة لتفادي بعض المراحل، والتعامل بوعي مع ما حدث والاستعداد لما قد يحدث في المستقبل. ويجب التنويه إلى أنه لا توجد وصفة أو عقار معين يجعلنا مستعدين لتحديات المستقبل، وإنما يعتمد على جاهزيتنا لتحقيق التنمية المستدامة. فعُمان لن تُبنى إلا بسواعد أبنائها، ومن المهم توفير الأرضية المناسبة لتعبئة الجهود ووجود الشفافية واستقطاب الكفاءات والمواهب المحلية لمساندة متخذي القرار ورفدهم بما يحتاجون من مدخلات تمكنهم من اتخاذ قرارات هامة، فعلى سبيل المثال يمكن الاستفادة من ميزات مثل علاقتنا مع دول الخليج أو إيران أو اتفاقية التجارة الحرة أو قطاع المعادن أو الموقع الجغرافي، وغيرها.

لا يخفى أن الاستعداد للمستقبل والتحول من نموذج النمو الذي فرضته الوفرة النفطية والذي كرس مفاهيم الريعية والاستهلاك إلى نموذج يؤمن بالعمل والإنتاج في جميع القطاعات، يستوجب إعادة صياغة دور الحكومة والتركيز على توفير بيئة الأعمال المناسبة من أطر وتشريعات وإفساح المجال للقطاع الخاص. بحيث يعمل على توفير فرص عمل مجزية للمواطنين، ويمكِّن من تنويع مصادر الدخل وبناء قطاع إنتاج قوي وتنافسي، وكذلك تحقيق التوازن الاقتصادي المتمثل في دورة الأنشطة التجارية المحلية والمعتمدة بدرجة ملحوظة على الاستيراد لتلبية الطلب المحلي من السلع والخدمات. وتحقيق التوازن المالي، بحيث يتم تخفيض الاعتماد على مساهمة الإيرادات النفطية بشكل تدريجي في الموازنة العامة للدولة، وهناك ضرورة لتكثيف ارتباط السلطنة مع الاقتصاد العالمي من خلال تعزيز دور الاستثمار الأجنبي المباشر والتصدير والتكنولوجيا، والاستفادة من الموقع الجغرافي والموارد الطبيعية المتوفرة والعلاقات والاتفاقيات الدولية المتميزة.