أفكار وآراء

استدامة التنمية الإعــلامية

09 ديسمبر 2018
09 ديسمبر 2018

أ. د. حسني نصر -

جمعتني الأسبوع الماضي عدة جلسات عفوية بعدد من الزملاء الصحفيين المشاركين في ملتقي المراسلين الإعلاميين السادس الذي نظمته، بكفاءة عالية، جمعية الصحفيين العمانية واحتضنته ولاية بدية بمحافظة شمال الشرقية، برمالها الساحرة وأجوائها الشتوية الرائعة وكرم أهلها المنقطع النظير.

ورغم أن الملتقى لم يتضمن جلسات حوار رسمية باستثناء الجلسة الافتتاحية التي شهدت حوارا شارك فيه سعادة ناصر السيباني نائب رئيس الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون الذي افتتح الملتقى، والدكتور محمد العريمي رئيس جمعية الصحفيين ومدير عام ورئيس تحرير وكالة الأنباء العمانية، والأستاذ سالم الناعبي مدير تحرير جريدة عمان الأسبق، فإن الحوارات الجماعية غير الرسمية لم تنقطع بين زملاء المهنة الواحدة، وكان محورها كالعادة هو هموم المهنة، وواقع الإعلام العماني وسبل تطويره.

السؤال الذي طرحه أحد الزملاء في جلسة سمر هادئة كان مفاجئا ومباشرا، وهو: ما الذي ينقص الإعلام العماني لكي يستعيد قراءه ومستمعيه ومشاهديه، ولكي يصبح أداة فاعلة في رسم السياسات العامة، وتصويب الأخطاء، وتعزيز ودعم جهود التنمية المستدامة بشكل أكبر؟

تفاوتت الآراء وتنوعت في الإجابة عن هذا السؤال المركب، إلا أن القاسم المشترك الذي أكد عليه المشاركون في الحوار كان القوانين المنظمة للعمل الإعلامي في السلطنة، والحاجة إلى قانون جديد للإعلام يتجاوز قانون عام 1984م الذي تجاوزه الزمن، خاصة بعد نمو وازدهار الإعلام الإلكتروني ومنصاته المتعددة، ورغم إقراره على مستويات رسمية عديدة منذ فترة.

البعض رأى أن عدم صدور القانون الجديد حتى الآن يصب في صالح الإعلام والإعلاميين، ولم يخف هؤلاء بالطبع تخوفهم من أن يتضمن القانون الجديد قيودا جديدة على وسائل الإعلام خاصة الإلكترونية منها، والتي لم تكن موجودة وقت صدور القانون الحالي.

ووفقًا لهذه الرؤية يصبح من الأفضل للإعلام والإعلاميين التوقف عن المطالبة بقانون جديد للإعلام والرضا بالقانون الحالي والمكتسبات التي يقدمها، خاصة على صعيد عدم النص على الحصول على تراخيص مسبقة لإنشاء المواقع الإلكترونية الإخبارية.

من جانبي قلت: إن التنظيم القانوني للإعلام ليس هو المسؤول فقط عن الواقع الإعلامي الحالي، باعتبار أن هذا التنظيم ما هو إلا عامل واحد ضمن عوامل عديدة تؤثر في الأداء الإعلامي، كما أنه لا غنى عنه في كل دول العالم تقريبا، حتى وإن كان هناك تنظيم ذاتي لوسائل الإعلام سواء عبر هذه الوسائل نفسها أو عبر الجمعيات المهنية للصحفيين والإعلاميين.

صحيح أن القانون الحالي لم يعد مناسبًا لتنظيم وسائل الإعلام العمانية التي دخلت العصر الرقمي، ومع ذلك فإن السؤال الذي يفرض نفسه الآن يجب أن يدور حول الفلسفة التي تقوم عليها السياسة الإعلامية بوجه عام في ظل التغيرات التكنولوجية التي تشهدها وسائل الإعلام في العالم.

وبشكل بسيط فإن علينا أن نحدد، بعد أن قاربت التجربة الإعلامية العمانية على إكمال نصف قرن من عمرها، ما الذي نريده كدولة ومجتمع وأفراد من وسائل الإعلام.

وفي ضوء هذا التحديد الذي يجب أن يتم بطريقة علمية موضوعية يمكن أن نضع السياسة الإعلامية العامة بما في ذلك الأطر التنظيمية والقانونية المطلوبة، إلى جانب متطلبات تنفيذها الأربعة الأخرى، وهي: البنية الأساسية، والموارد البشرية، والبيئة الاقتصادية والتجارية الداعمة، والجمهور والمجتمع المدني المؤمن بدور الإعلام والداعم له.

سأل البعض: هل يحتاج تطوير الإعلام إلى كل ذلك؟ وهل ما زلنا نحتاج بعد خمسين عاما تقريبا إلى بنية تحتية إعلامية؟ الإجابة كانت نعم.. لقد نجحت السلطنة في تحقيق تنمية إعلامية بدأت مع بزوغ عهد النهضة في مطلع سبعينيات القرن الماضي، وأصبحت لديها ثروة إعلامية جيدة تراكمت على مدار سنوات النهضة، تنوعت خلالها وسائل الإعلام وتشكلت أسس الصناعة الإعلامية سواء بمبادرات شخصية أو مبادرات حكومية.

ما نحتاج له اليوم هو استدامة هذه التنمية الإعلامية، هذه الاستدامة لا تعني بأي حال الحفاظ فقط على ما لدينا وإبقاء الوضع الراهن على ما هو عليه، وإنما تنميته من خلال الإضافة إليه باستمرار ودون توقف.

والواقع أن التنمية الإعلامية المستدامة تتشكل من سلسلة من الحلقات المترابطة معا، والتي تبنى كل منها على الأخرى. فبدون وجود بنية إعلامية تحتية متجددة تواكب العصر الرقمي وتستجيب لاحتياجات الجمهور، لا يمكن الحديث عن تبادل وتدفق حر للأخبار والمعلومات في المجتمع. وبدون وجود كوادر بشرية محترفة قادرة على التعامل مع التكنولوجيا الإعلامية الجديدة، وتتمتع بمختلف المهارات المطلوبة لإنتاج وتوزيع المحتوى الإعلامي في المجتمع لا يمكن إقناع الجماهير بمتابعة وسائل الإعلام الوطنية وتركها فريسة لوسائل الإعلام الأجنبية والتخلي بالتالي عن السيادة الإعلامية، ولا يستطيع هؤلاء الإعلاميون العمل والإبداع بدون وجود مؤسسات إعلامية جيدة الإدارة مستدامة اقتصاديًا، ولا يمكن للأعمال الإعلامية والصحفية الجيدة على حد سواء أن تزدهر بدون شبكة شاملة من التشريعات والقوانين والمواثيق التي تحدد الواجبات والمسؤوليات والحقوق.

ويحتاج تعزيز كل هذه الحلقات إلى جمهور مثقف إعلاميا وقادر على التعامل مع وسائل الإعلام، عبر برامج التربية الإعلامية، وكذلك مؤسسات مجتمع مدني تدعم استمرار صناعة وسائل الإعلام وتدافع عن حريتها، ويمكن لهذا الجمهور وهذه المؤسسات أن تكون بمثابة خط الدفاع الأول، عندما يتعرض الصحفيون وغيرهم من العاملين في قطاع الإعلام لقيود تحد من حريتهم.

لم ينته الحوار عند هذا الحد بل امتد إلى واجبات الصحفيين والإعلاميين في تحقيق تلك التنمية الإعلامية المستدامة، في هذا الإطار يقع على عاتق الصحفيين والإعلاميين مسؤولية تطوير قدراتهم ومهاراتهم، ففي ظل التغير السريع في آليات جمع ونشر الأخبار، ومع تزايد أهمية وسائل الإعلام الجديدة، لم يعد هناك بديل أمام الصحفيين سوى التزود المستمر بمهارات الصحافة المهنية سواء من خلال التعليم الجامعي النظامي للصحافة والإعلام، أو من خلال التدريب العملي، والتعليم المستمر، ويرتبط بذلك ضرورة الالتزام بالقيم المهنية للإنتاج الإعلامي، واتباع المعايير الأخلاقية للأداء التي تنص عليها مواثيق الشرف المهنية، وهذا ما يساعد على استدامة التنمية الإعلامية واستمرار الإعلام في أداء وظائفه الأساسية في المجتمع.

كثيرة هي تساؤلات الإعلاميين التي تحتاج إلى إجابات مفصلة، والتي لا يمكن اختصار الإجابة عنها في مقال واحد، وتحتاج في تقديري إلى جلسات حوارية مستمرة معهم.

لقد كشف الحديث المتشعب مع الزملاء الصحفيين والإعلاميين في ملتقى بدية، أنهم يحملون رؤى وآراء قيمة ومهمة يمكن أن تسهم في الارتقاء بالإعلام العماني، وكل ما يحتاجون له هو أن ينقلوا هذه الرؤى، عبر لقاءات مفتوحة وغير احتفالية، إلى المسؤولين عن الإعلام في وزارة الإعلام والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، ومركز اتصالات الخدمات الحكومية. وللحديث بقية.