hamda
hamda
أعمدة

أحكام مسبقة

09 ديسمبر 2018
09 ديسمبر 2018

حمدة بنت سعيد الشامسية -

[email protected] -

جلست بالقرب مني امرأة أوروبية غريبة الأطوار، هذا طبعا كان حكمي السريع الذي أطلقته عليها من وحي تسريحة شعرها غير المألوفة، وملابسها الغريبة عما اعتادت عليه عيني، عرفتني بنفسها بعد أن كشفت ملامحي لها بأنني لم أعرفها، فذكرتني بلقاء سابق جمعنا في مناسبة مشابهة، كان في حفل فيه طعام قالت لي ضاحكة، وبدأت التعليق على الطعام الذي كان خيارا ذكيا لبدء حوار معي، كوني أعشق الطعام لم أجد صعوبة في مشاركتها الحوار الشيق حوله، ثم وجدتنا نتحدث عن الكتب، عشق آخر جمعنا، بعد حوار طويل عن القراءة، وجدتنا نتطرق إلى اليوجا والمشي وهوايات أخرى نتشارك فيها، طال الحديث الذي ختمناه بتبادل البطاقات، وتوادعنا وداع الأصدقاء وأنا على ثقة بأنني لن أنسى (تانيا) ولن تضطر إلى تذكيري بنفسها في المرة التالية.

رغم التجارب الكثيرة التي مرت بي والتي علمتني عدم التسرع في إصدار الأحكام على الآخرين، أمر دائما ما أذكر نفسي به، إلا أنني كثيرا ما أجد الطبع يغلب التطبع، وأمد يدي سريعا إلى مخزن الأحكام المسبقة التي علي الاعتراف بأن لدي مخزونا كبيرا منها، رغم أنني كثيرا ما أكتشف بأنني مخطئة في أحكامي، فقد علمني السفر المستمر عبر القارات بأننا كبشر متشابهون كثيرا، وأن ما يجمعنا أكثر بكثير جدا مما يفرقنا، الأم هي الأم، والأب هو الأب بغض النظر عن القارة التي يقطنها، والمخاوف التي تسكننا واحدة، والآمال التي نتطلع لها تقريبا واحدة، يختلف اللسان، ونسبة ما نغطي من أجسادنا بالملابس التي تختلف ألوانها وأشكالها، والرب الذي نلجأ له في الواقع واحد مهما تعددت مسمياته، فكل ولد على الفطرة، وفي وقت الشدة نتضرع إليه وحده سبحانه.

شخصيا هذه الأحكام كادت أن تحرمني من التعرف على أناس، أثروا حياتي بشكل كبير، ويعلم الله وحده العدد الذي لم يتسن لي التعرف عليهم عن قرب، لأني تسرعت في إغلاق الباب أمامهم، ويعلم الله وحده أيضا كم البشر الذين أوصدوا الأبواب في وجهي للأسباب ذاتها فحرموني تجارب ثرية.