tunis
tunis
أعمدة

تواصل: «امتياز مع مرتبة الشرف»

27 نوفمبر 2018
27 نوفمبر 2018

تونس المحروقية -

hlaa202020 @ -

مشهد أول:

حصل على شهادة من معهد فني في تخصص الكهرباء بصعوبة بعد أن هددت إدارة المعهد مرارا بطرده لضعف مستواه الدراسي وبعد أن قضى فترة أطول من زملائه ومن تلك المفترضة لدراسة ذلك المجال، عمل في إحدى المؤسسات بتلك الشهادة، اختلط كثيراً بالمهندسين الحاصلين على شهادات البكالوريوس والماجستير في هندسة الكهرباء ، أصبح يردد للمقربين منه أنه ليس أقل منهم وأنه يعرف أكثر منهم لكنهم مخدوعون بشهاداتهم الأعلى والتي تصور لهم أنهم أفضل منه ، عندما فتح حسابه في تويتر كتب في النبذة التعريفية : حاصل على درجة البكالوريوس في هندسة الكهرباء بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف ثم مضى يتعامل مع الناس على هذا الأساس!

مشهد ثانٍ

شارك في برنامج تدريبي خارج الدولة بعد أن اضطرت إدارة عمله لترشيحه بدلا من زميله المرشح الأصلي للبرنامج والذي اعتذر فجأة عن حضورها لوفاة والده ، وكي لا تخسر المؤسسة ثمن البرنامج قررت أن ترسله للدورة رغم أدائه الوظيفي المتواضع لعله يستفيد فيعود ليفيد المؤسسة بما تعلمه في تلك الدورة، أما هو فاستشعر قيمته من ترشيحه لتلك الدورة الخارجية التي يحصل عليها لأول مرة في تاريخ عمله فبدأ يكتب عن حصولها عليه في حساباته في وسائل التواصل الاجتماعي وأنه واحد من القلة في البلد ممن تم ترشيحهم لهذه الدورة المهمة جداً ، مع عدم تطرقه مطلقاً لفكرة أنه حصل عليها كبديل اضطراري فقط، كان يصور كل ركن في مكان الدورة ولا ينسى التقاط صورة وهو يضع يده على كتف المحاضر ليظهر قربه منه لنباهته التي لفتت المحاضر ، ولا أن يعيد ويكرر أن هذه الدورة لا تمنح إلا لمستويات متقدمة في مجال تخصصه ويعيش الدور الذي رسمه كاملاً ويصدق الكذبة ويتفنن في عرضها ليصدقها المتابعين.

مشهد ثالث

حصلت على بعض الدورات التدريبية القصيرة في مجال معين ، أخبرتها صديقتها المقربة أن أسلوبها جيد وأقنعتها بأن تبدأ في تقديم المحاضرات لأن المجال الذي حصلت فيه على الدورات مربح جداً وقد يغنيها مستقبلا عن وظيفتها الدائمة ذات الدخل البسيط، لم تفكر طويلا ، وافقت ثم لم تمانع كي تحقق ذلك الكسب السريع أن تؤلف سيرة ذاتية لها معتمدة على خيالها الشخصي الذي تفنن جداً في ذلك، فشهادة البكالوريوس من الجامعة البريطانية العريقة والماجستير من جامعة كندية لا تقل صيتاً والدكتوراه من جامعة أمريكية رفيعة المستوى أيضاً ، ولا بأس إن كانت لا تجيد في اللغة الإنجليزية أكثر من كلمات تعد على أصابع اليدين لكن من سيفتش وراءها ؟ يكفي أن يكون لديها حسابات في وسائل التواصل الاجتماعي بمتابعين وهميين كثر ثم تصور لقطات لها وهي تقدم محاضرات حتى لو كانت الحاضرات أو كما تسميهن المتدربات هن مجموعة من قريباتها جمعتهن في تلك القاعة لأغراض التصوير والتسويق لنفسها ، فمن سيبحث ورائها ليتحرى الحقيقة؟!

واحدة من أهم جماليات مواقع التواصل الاجتماعي هي سرد التجارب الشخصية الناجحة من قبل أصحابها سواءً تلك التجارب التي تكونت عبر العديد من السنوات أو التجارب الآنية التي تنتهي بنتيجة تبهج أصحابها ويشعرون أنها بمثابة نجاحات لهم قد تلهم غيرهم فيوغلون في التعبير عنها بتفاصيلها في تلك المنصات ، لكن الرغبة في الظهور بمظهر الناجح لدى الكثير من مستخدمي تلك المنصات دفعت بالكثيرين منهم إلى خلق حياة غير حقيقية وبالتالي ادعاء نجاحات لم تتحقق على أرض الواقع أو التهويل من قدر التجارب العادية وإضافة عليها المزيد من بهارات التأليف حتى تظهر بمظهر النجاحات المتفردة التي لم يسبقهم إليها أحد في محيطهم وربما في دولتهم وفي حالة متقدمة ربما في العالم بأسره .

هؤلاء الكاذبون أو المتوهمون لنجاحات في حياتهم اخترعوا تفاصيلها يقدمون أنفسهم كرموز وتجاربهم الكاذبة كنماذج وهناك من يصدقهم فعلاً ويبدأ في النظر لهم بإعجاب عالٍ وتقدير متواصل ، وهنا فعلياً لا تكمن كل المشكلة ، فكل منا حر فيما يعجب به حتى لو كان ذلك الإعجاب لمجموعة من الأكاذيب لكن المشكلة الفعلية في أن هذه التجارب التي يجيد أصحابها التسويق لها قد تغطي على التجارب الحقيقية التي تستحق إلقاء الضوء عليها ربما لأن أصحابها لا يجيدون التعبير عنها أو يشعرون أنها بسيطة رغم تفردها ، فيضيع على المتابعين فرصة التعرف عليها ، كما أن بعض المؤسسات المعنية بمجالات التميز التي يدعيها الكاذبون قد تستضيفهم وتقدمهم كنماذج ناجحة للجمهور معتدة فقط بما يكتبونه عن أنفسهم في تلك الوسائل فيستضاف الشخص الفلاني نتيجة تجربة تحدث عنها أو شهادة متفردة حصل عليها أو يسمح له بتقديم محاضرة في مجال معين دون التثبت من صحة ما يدلل على صدق تلك التجارب أو النجاحات ، كما تقدم وسائل الإعلام التقليدية من صحافة وإذاعة وتلفزيون دوراً كبيراً في إيصالهم للجمهور نتيجة فقط منشور مكتوب في حسابات أي من هؤلاء المتوهمين دون إثباتات تذكر.

يكذب من يكذب ويصل للواجهة من يصل دون نجاحات حقيقية ليشغل بعض مساحات منصات وسائل التواصل الاجتماعي مجموعة كاذبين يمجدون حياة لا تشبه حقيقتهم ويصدقونها ويظهرون أنفسهم كأشخاص ناجحين في تلك التجارب بامتياز مع مرتبة الشرف مع أنهم في الحقيقة لا يتعدون مرتبة الفشل الذي يخفونه ثم لا يعودوا يعترفون به!