الملف السياسي

.. نموذج للعمل الوطني المشترك

12 نوفمبر 2018
12 نوفمبر 2018

د.أحمد سيد أحمد -

,, في ظل مناخ عالمي وإقليمي مضطرب مع تصاعد الأزمات والحروب الأهلية والصراعات تبرز أهمية الاستعداد الدائم لتحييد مصادر التهديد والتداعيات السلبية لتلك الأزمات والصراعات. ولذلك فإن شعار السلطنة أنه لديها سيف ودرع يحمي مكتسباتها ويعزز أمنها واستقرارها ويدعم دورها كراعية للسلام ونشر ثقافته في المنطقة والعالم,,

اكتسب التمرين الوطني (الشموخ/‏‏2 ) الذي قامت قوات السلطان المسلحة، والتمرين العماني البريطاني المشترك (السيف السريع/‏‏3) أهمية كبيرة من عدة نواح:

أولا: إن (الشموخ/‏‏ 2) و(السيف السريع/‏‏3) جرت في سياق الارتقاء بالمهارات والقدرات العسكرية العمانية وتأكيد جاهزيتها لمواجهة أية مخاطر أو تهديدات وبما يحافظ على أمن واستقرار السلطنة، حيث جرت هذه التمرينات العسكرية وفقا لأحدث الأسلحة والأنظمة العسكرية في العالم، كما أنها تنوعت بتعدد القوات المشاركة فيها سواء قوات بحرية أو جوية أو برية لتأكيد التكامل والتناغم بين أفرع القوات المسلحة العمانية بما يساهم في الارتقاء وبالكفاءة العالية لتلك القوات للتحرك في أوقات الأزمات ليس فقط التهديدات العسكرية، بل أيضا في حال الأنواء المناخية والمشكلات الأخرى. ولذلك لم يقتصر التمرين الوطني (الشموخ/‏‏2 ) على القوات العسكرية فقط والتي بلغت 70 ألف جندي، وجعلها أكبر تمرين داخلي في تاريخ السلطنة، وإنما شاركت فيها أيضا جهات وقطاعات عسكرية وأمنية ومدنية وذلك لمواجهة مصادر التهديد غير التقليدية، وبما يؤكد دور قوات السلطان المسلحة في مواجهة كل أشكال التهديدات العسكرية وغير العسكرية، التقليدية وغير التقليدية.

ثانيا: ساهم التمرين المشترك (السيف السريع/‏‏3 ) بين قوات السلطان المسلحة والقوات الملكية البريطانية وهي في إطار التمرينات التي بدأت عام 1986 وجرت للمرة الثانية في عام 2001 ، في تحديث وتطوير وتبادل الخبرات العسكرية بين القوات المسلحة في البلدين، كما أنها ضمت مراقبين عسكريين من دول أخرى من مجلس التعاون الخليج ومن الدول العربية الأخرى مثل مصر والمملكة الأردنية الهاشمية، وهو ما يعطي لذلك التمرين أهمية كبيرة من حيث تبادل الخبرات المختلفة، وكذلك من حيث ضخامة حجم المشاركة من جانب القوات العمانية والبريطانية، إضافة إلى استخدام أحدث الأسلحة في التمرينين.

ثالثا: حقق تمرينا (الشموخ /‏‏2) و(السيف السريع/‏‏3 ) واللذين جريا خلال أكثر من شهر كل أهدافهما العسكرية بنجاح كبير، من حيث الإعداد وعمليات التخطيط ، ثم عمليات المناورة والتدريب، ومن حيث التنفيذ العملي بالذخيرة الحية وكذلك في مسرح العمليات وإظهار القدرة الكبيرة على سرعة التحرك والتعامل مع مصادر التهديد والمشكلات، كما أنها حققت أهدافها في رفع القدرات والكفاءة القتالية العالية للقوات العمانية بمختلف أفرعها العسكرية، البحرية والجوية والبرية، ورفع جاهزية وكفاءة الجندي العماني وتدريبه على أحدث الأسلحة الحديثة والتعامل مع كل مصادر التهديد التقليدية وغير التقليدية، كما أنها حققت أهدافها المدنية في التناغم والتنسيق بين الجانب العسكري والجانب المدني في التعامل مع المشكلات ذات الطابع غير العسكري، كما إنها حققت أهدافها في تبادل الخبرات العسكرية والتعرف على أحدث النظم العسكرية وهو ما برز في التدريبات العملية لكافة الوحدات البرية والبحرية والجوية المشاركة في عمل عسكري مشترك تنفذه قوات السلطان المسلحة والقوات المسلحة الملكية البريطانية يحاكي المعركة الحديثة القائمة على العمليات المشتركة الموحدة بوجود القوات الصديقة.

رابعا: رغم أن سلطنة عمان أجرت الكثير من المناورات والتمرينات العسكرية الداخلية، وكذلك الاشتراك في الكثير من التمرينات والمناورات العسكرية في الدول الشقيقة مثل درع الخليج1 وكذلك التمرينات والمناورات العسكرية في الدول الصديقة، إلا أن تمريني (الشموخ/‏‏2) و(السيف السريع/‏‏3) تمثل نقلة نوعية في تاريخ المناورات والتمرينات العسكرية سواء من حيث حجم المشاركة بالقوات أو من حيث نوعية التدريبات العملية أو من حيث استخدام أنواع الأسلحة المختلفة أو من حيث تطور هذه الأسلحة أو من حيث مشاركة المراقبين العسكريين من الدول الخليجية الأخرى ومن الدول العربية الصديقة، وكلها تؤكد الاهتمام المستمر من جانب القيادة العمانية على تعزيز القدرات العسكرية العمانية للتعامل مع كافة التحديات والمشكلات ومصادر التهديد. وعلى تعزيز العلاقات والصداقة القوية بين السلطنة وأشقائها وتعزيز صداقتها القوية مع الدول الصديقة مثل بريطانيا التي حضر وزير دفاعها غافين وليامسون إضافة إلى رؤساء أركان القوات المسلحة في دول مجلس التعاون الخليجي التمرين العملي بالذخيرة الحية في ختام التمرينين يوم 3 نوفمبر الجاري.

خامسا: هذه التمرينات تأتى في سياق فلسفة ومنهج السلطنة في تطوير كل أنواع القدرات والقوة الشاملة للدولة العمانية سواء القدرات الاقتصادية وتعزيز التنمية الشاملة والمستدامة عبر خطط التنمية المختلفة للارتقاء بمستوى معيشة المواطن العماني باعتباره أداة التنمية والغاية منها، وكذلك تطوير القدرات العسكرية لحماية وتعزيز المكتسبات العمانية، وهو أمر يكتسب أهمية كبيرة، لأن التنمية والحفاظ على مناخ الاستقرار الذي تنعم به السلطنة يحتاج دائما إلى الجاهزية العسكرية الدائمة، عبر التدريبات العملية على كل أنواع فنون القتال والتعامل مع كل أنواع الأسلحة وكذلك التعامل مع كل أنواع مصادر التهديد خاصة التهديدات غير التقليدية مثل الحروب الإلكترونية التي بدأت تتصاعد مخاطرها على العالم في السنوات الأخيرة، كذلك حروب الشائعات وتضليل الرأي العام على وسائل التواصل الاجتماعي والاختراق الإلكتروني الذي تقوم بها بعض الأطراف. وفى ظل مناخ عالمي وإقليمي مضطرب مع تصاعد الأزمات والحروب الأهلية والصراعات تبرز أهمية الاستعداد الدائم لتحييد مصادر التهديد والتداعيات السلبية لتلك الأزمات والصراعات. ولذلك فإن شعار السلطنة أنه لديها سيف ودرع يحمي مكتسباتها ويعزز أمنها واستقرارها ويدعم دورها كراعية للسلام ونشر ثقافته في المنطقة والعالم، ودورها الإيجابي كركيزة للأمن والاستقرار في المنطقة وداعيا دائما إلى تجنب الحروب والأزمات والصراعات ومحذرة دائما من مخاطرها على الدول والشعوب.

السلطنة التي تقوم سياستها على احترام مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، تسعى دائما بكل قوتها إلى إحلال السلام والاستقرار في المنطقة العربية المضطربة، وهى تسير دائما في مسارات متوازية ومتكاملة، مسار التنمية والتقدم والتطور عبر المشروعات العملاقة كما في صلالة والدقم وصحار، وفى مختلف أرجاء ومناطق السلطنة، مع مسار النهضة الشاملة ثقافيا وتعليميا وعلميا واجتماعيا، مع مسار التطوير الدائم للقوات المسلحة العمانية في إطار منظومة متكاملة ومتناغمة تسير وفقا لاستراتيجية واضحة وخطط عملية وخطوات مدروسة تسير في تقدم دائم ومستمر وليؤكد دائما أن السلطنة بقيادة جلالة السلطان قابوس المعظم - حفظه الله ورعاه - قوية وقادرة على تحقيق أهدافها وحماية منجزاتها دوما في كل الظروف بسواعد وعقول أبنائها في كل المواقع، سواء العسكرية أو المدنية وفى مواقع التنمية والعمل الدؤوب والمستمر وتبنى منهج الإتقان والتفاني من أجل الارتقاء بعمان دولة مزدهرة دائما ومتقدمة في كافة المجالات. وكما قال الفريق الركن أحمد بن حارث بن ناصر النبهاني رئيس أركان قوات السلطان المسلحة إن التمرين الوطني (الشموخ/‏‏2) والتمرين المشترك (السيف السريع/‏‏3) اللذين جرت فعالياتهما وأحداثهما طيلة شهر أكتوبر الماضي يعدان نموذجا للعمل الوطني المشترك تضافرت فيهما جهود كافة قطاعات الدولة العسكرية والأمنية والمدنية. وهو ما يؤكد الاحترافية والمهارة الكبيرة والقدرات المتميزة التي تتمتع بها قوات السلطان المسلحة وعلى التكامل والتنسيق بين مختلف القطاعات العسكرية والمدنية وعلى الجاهزية الدائمة لتحقيق الأهداف المرجوة.

(الشموخ/‏‏2) و(السيف السريع/‏‏3) يجسدان نموذجا عمليا على أرض الواقع لمنهج السلطة في التنمية وفي امتلاك القدرات العسكرية التي تحمي وتعزز ازدهار السلطنة وتطورها الدائم.