1028354
1028354
إشراقات

خطبة الجمعة :التربية والرعاية الحقيقية للأبناء ليست في توفير المطعوم والمشروب فحسب بل تتعداه إلى تأديبهم وفق الكتاب والسنة

01 نوفمبر 2018
01 نوفمبر 2018

تتجدد أساليبها مع تعاقب الأزمنة ومضيها -

عرض: سيف بن سالم الفضيلي -

أكدت خطبة الجمعة التي تعدها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية على أن تربية الأبناء تتجدد أساليبها مع تعاقب الأزمنة ومضيها فالأبناء نعمة عظيمة ومنحة ربانية كريمة وجب على المرء أن يرعى حق الله تعالى فيهم. موضحة أن التربية والرعاية الحقيقية للأبناء ليست في توفير المطعوم والمشروب فحسب بل تتعداه إلى تأديبهم وفق ما جاء به الكتاب والسنة. وأشارت إلى أن دعاء الوالدين الله جل جلاله أن يصلح الأبناء منهج قرآني وهدي نبوي.. والتعليم بالقدوة أنجح الوسائل التعـليمية.

ودعت إلى تعويد الأولاد الاعـتدال في الأكل والشرب وتعريفهم الطيب من الخبيث ليتميزوا في طعامهم، والى ضرورة تنبيههم بما يدور حولهم من أحداث وما يتجدد في زمنهم من تنوع والحرص كل الحرص على رعاية الأبناء وحفظهم من الوقوع في أي عناء للعيش معهم بلا كدر وشقاء. وبينت أن اتساع رقعة الأفكار والمعطيات واختلاف المشارب والتوجهات بات الحمـل على الآباء في التربية يزداد يوما بعد يوم، ولذا فإن تنبيه الأبناء بما يدور حولهم من أحداث، وما يتجدد في زمنهم من تنوع، أصـبح هما يلاحق المربين في كل الأوقات، ويعصر أفكارهم في معظم اللحـظات، فلا خجل أن يبصر الأبـناء بطرق أهـل الأهواء، وأن يعرفوا أساليبهم الهوجاء، فمعرفة الشر ليست لمقارفته، بل لتوقي خطره، ومجانبة ضرره.. والى ما جاء في الخطبة المعنونة (الأبناء، تربية ورعاية).

الحمد لله عظيم العطاء، الواهب المتفضـل على عباده بنعمة الأبناء، سبحانه أمر بتربيتهم ورعايتهم كي يكونوا أتقياء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريـك له، (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ، أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ)، وأشهد أن محمدا عبدالله ورسوله الأمين، أحسن المربين، وأكـمل الناس رعاية لأبنائه أجمعين، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه، ودعا بدعوته إلى يوم الدين.

أما بعد، فيا عباد الله:

(اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)، واعـلموا رحمكم الله تعالى، أن من فطرة الله سبحانه التي فطر الناس عليها، وجبلهم على الاهـتمام بها، حب الأبناء ورعايتهم، والبذل لتربيتهم والعناية بهم، فهم زهرة الدنيا وزينتها، وجمال الحياة وبهجتها، (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، إن حب الأبناء غريزة من أقوى الغرائز التي ركبت في البشر، فنجد الآباء والأمهات يبذلون كل ما يقدرون عليه حماية للأبناء، وتوفيرا لما يطلبون من الأشياء، وكل ذلك نابع من خوفهم عليهم، ومنطلق من حبهم لهم، ولا أدل على ذلك من أم موسى عليه السلام حين أمرها الله تعالى بإلقائه في اليم، فهي مع يقينها بحفظ الله تعالى ورعايته الكاملة له، إلا أنها أخذت بأسباب نجاته، واجـتهدت في مراقبة سير رحـلته، فأوعزت إلى أخته أن تقص أثره، (وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)، إنها أروع صور الرحمة، وأبـلغ ألوان المودة.

أيها المؤمنون:

إن الأبناء نعمة عظيمة، ومنحة ربانية كريمة، وجب على المرء أن يرعى حق الله تعالى فيهم، وليست الرعاية الحقيقية لهم في توفير المطعوم والمشروب فحسب، بل تتعداه إلى تأديبهم أحسن الآداب، وصونهم بما جاءت به السنة والكتاب، فعن ابن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته))، وقال صلى الله عليه وسلم: (( إن الله سائل كل راع عما اسـترعاه، أحفظ، أم ضيع؟ حتى يسأل الرجل عن أهـل بيته))، أما التوجيه القرآني فذكر بواجب الرعاية للأبناء، وحفظهم عن مواطن السوء والعناء، فقال الله العزيز رب الأرض والسماء: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، فلو كان الهم الوحيد في التربية أن يأكل الأبـناء ويشربوا، لما وجدنا هذه التوجيهات الربانية، ولما رأيـنا هذه الرعاية النبوية.

أيها المسلمون:

لنا في الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه في تربيتهم لأبنائهم الأسوة الحسنة، والأمـثلة الملهمة، فها هم يتضرعون إلى الله تعالى بالدعاء أن يصـلح أبناءهم حتى قبـل مجيئهم إلى الدنيا، فهذا زكريا عليه السلام: (قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ)، وهذا إبراهيم الخليل، داعيا ربه الجليل، (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ، فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ)، فهم في دعائهم لم يكتفوا بطلب الأبناء فقط، بل خصصوا دعاءهم بأن يرزقوا بالصالحين من الأبناء، فدعاء الله جل جلاله أن يصلح الأبناء، منهج قرآني وهدي نبوي، وقد ورد دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لصغار الصحابة مرارا، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((ضمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال اللهم علمه الكتاب))، وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأخذه والحسن، ويقول: ((اللهم إني أحبهما فأحبهما)). ومما ينبغي أن يلتفت إليه المربون أن يأمروا أبناءهم بما يصـلح أحوالهم، ويزين قلوبهم وجوارحهم، فقد امـتدح الله إسماعيل عليه السلام إذ كان يأمر أهـله بجوامع الخير، فقال الله جل وعلا: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا)، فالأمر بما يصـلح، والنهي عما يفسد مع ملاحظة الامـتثال، أمر مهم لا يخـفى أثره، ولا يغيب عن العاقل خيره، لكن مع هذا وذاك، هنالك أمـر هو أشد منه أهمـية، فهو من أنجح الوسائل التعـليمية، إنه التعـليم بالقدوة، فكن مع أمرك بما تأمر محقـقا، ومع محاسبتك لأبنائك لنفسك أولا محاسبا، فإن رأى منك قدوة حسنة له تبعك إلى اليسرى، وأخذت بيده بعيدا عن العسرى، وسهل عليك غرس القيم الراقية والمثل الرفيعة.

عباد الله:

إن تربية الأبناء تتجدد أساليبها مع تعاقب الأزمنة ومضيها، فالتربية في الأمس القريب ليست هي التربية بمقاييس هذا الزمان، فإن آباءنا يتحدثون عن تربية آبائهم لهم، فكل المجـتمع يعمل بمنظومة فكر واحد، ويتحرك إلى هدف مشـترك، ولذلك ما كان أحدهم يخاف على أبنائه من توجيه غيره لولده، ولكن مع اتساع رقعة الأفكار والمعطيات، واختلاف المشارب والتوجهات، بات الحمـل على الآباء في التربية يزداد يوما بعد يوم، ويكبر ساعة بعد ساعة، ولذا فإن تنبيه الأبناء بما يدور حولهم من أحداث، وما يتجدد في زمنهم من تنوع، أصـبح هما يلاحق المربين في كل الأوقات، ويعصر أفكارهم في معظم اللحـظات، فلا خجل أن يبصر الأبـناء بطرق أهـل الأهواء، وأن يعرفوا أساليبهم الهوجاء، فمعرفة الشر ليست لمقارفته، بل لتوقي خطره، ومجانبة ضرره. وعلى أصحاب الزيغ الذين يريدون الفساد في الأرض أن يعـلموا أن الله تعالى يقول (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، والنبي صلى الله عليه وسلم قد ربط أمر الإيمان بتحـقق حب الخير للناس كما يحبه المرء لنفسه فقال: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))، وتذكروا - رعاكم الله- أن المكر السـيئ يرجع على صاحبه، عاجلا أو آجلا، قال المولى القدير: (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا).

فاتقوا الله -عباد الله-، وراقبوا أنفسكم في تربية أبنائكم، اجـتهدوا في إصلاحهم، وتعلموا ما ينفعكم في تربيتهم فهو واجب عليـكم، وكونوا لهم قدوة في جميع أقوالكم وأفعالكم، تغـنموا بتوفيق الله لهم ولكم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.

*** *** ***

الحمد لله، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا رسول الله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحـبه ومن والاه.

أما بعد، فيا عباد الله:

لا شك أن الرعاية الصحـية للأبـناء، وحماية أجسامهم من كل أنواع البلاء، واجب شرعي يتحتم على الآباء، من أول يوم يخرجون فيه إلى هذه الدنيا، فالرضاعة الطبيعية مثلا، جعل العلماء والأطباء الإهـمال فيها مع الإمكان عليها إهدارا لحق واجب من حقوق الطفل، وقد وجه القرآن الأم إلى الإرضاع، وذكر دور الأب في تسهيل هذا الأمر وتشجيع الأم على ذلك، فقال جل جلاله: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، والأطباء يؤكدون أن حليب الأم له دور عظيم في وقاية جسم الطـفل من الأمراض، وهذا مؤداه تنشئة صحـية وعقلية سليمة، ولا ننس أن متابعة غذاء الأبـناء بعد فطامهم لا يقل أهمية، والإسلام نظم أمر الغذاء، فميـز بين ما يجوز أكله وبين ما لا يجوز، فقال المولى القدير: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)، ولا ريب أن قراءة محـتويات الطعام الذي تشتريه لأبـنائك هي من باب الوقاية والحرص بأن يكون من الطيبات، وكذلك فإن الدين المبارك بين أن أساس ذلك هو الاعـتدال في الأكل من المباح، فعن المقدام بن معدي كرب، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه))، فعلموا أولادكم الاعـتدال في أكلهم وشرابهم، وعرفوهم الطيب من الخبيث ليتميزوا في طعامهم، ويقووا في عبادة ربهم.

فاتقوا الله -عباد الله-، واحرصوا كل الحرص على رعاية الأبناء، وحفظهم من الوقوع في أي عناء، تعيشوا معهم بلا كدر وشقاء، وتسعدوا بما كتبه الله لكم ولهم من عطاء.

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين، وقائد الغر المحجلين، فقد أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه في محكم كتابه حيث قال عز قائلا عليما: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تدع فينا ولا معنا شقيا ولا محروما.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ووحد اللهم صفوفهم، وأجمع كلمتهم على الحق، واكسر شوكة الظالمين، واكتب السلام والأمن لعبادك أجمعين.

اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت سبحانك بك نستجير، وبرحمتك نستغيث ألا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر، وأصلح لنا شأننا كله يا مصلح شأن الصالحين.

اللهم ربنا احفظ أوطاننا وأعز سلطاننا وأيده بالحق وأيد به الحق يا رب العالمين، اللهم أسبغ عليه نعمتك، وأيده بنور حكمتك، وسدده بتوفيقك، واحفظه بعين رعايتك.

اللهم أنزل علينا من بركات السماء وأخرج لنا من خيرات الأرض، وبارك لنا في ثمارنا وزروعنا وكل أرزاقنا يا ذا الجلال والإكرام. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعاء.

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).