salim
salim
أعمدة

اضاءة :مشهد عظيم

01 نوفمبر 2018
01 نوفمبر 2018

سالم الحسيني -

يصور لنا القرآن الكريم مشهدا من مشاهد يوم القيامة ورد في سورة الطور حينما نقرأه ونتأمله ونتدبره نعيش الحدث وكأننا نراه بأم أعيننا - وهو كذلك - لأن الذي يصفه هو أصدق القائلين فلم يكن هناك مجال في احتمالية وقوعه أدنى شك، وهو مجرد من أي مبالغة أو تهويل فالأساليب البلاغيّة المتمثّلة في علوم المعانيّ، والبيان، والبديع حاضرة في أسمى تجلياتها تجعل المتأمل يعايش الحدث بكل تفاصيله، ولا ريب في ذلك فالحق سبحانه وتعالى تحدى بهذا الكتاب المنزل على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم أهل الفصاحة والبلاغة والبيان من خلقه ليأتوا ولو بسورة واحدة من مثله لذلك علينا أن ننظر للصورة كما يصفها القرآن الكريم، وقد سبق ذلكم الإخبار عن ذلكم الحدث التأكيد بما أقسم به الحق سبحانه وتعالى من عظيم خلقه من حتمية وقوع ذلك بمن خالف أمره وعصاه فكان ذلك الجزاء وما يتبعه من أهوال يوم القيامة في مشهد تنخلع فيه القلوب وترتجف لهوله القلوب وترتعد الفرائص وتشيب له الولدان: (وَالطُّورِ؛ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ؛ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ؛ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ؛ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ؛ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ؛ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ؛ مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ؛ يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا؛ وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا؛ فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ؛ الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ؛ يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ؛ أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ؛ اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) وما صاحب ذلك التنكيل والعذاب من تقريع وتأنيب وجلد للذات دون شفقة أو رحمة جزاء بما فرّطوا في جنب الله في هذه الحياة.

ونجد الصورة المغايرة تماما في الجانب الآخر من ذلكم المشهد حيث يصور لنا الحق سبحانه حال المؤمنين في ذلك اليوم العظيم وما يلاقوه من تكريم ونعيم مقيم: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ، فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ، كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ، وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ، وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ، يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ، وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ)، فلا يوجد هناك وجه للمقارنة بين فريق يعيش قمة الفرح والسرور في حياة سرمدية لا يتخللها نكد أو فزع أو خوف، وبين الحياة السرمدية الأخرى التي تكون على النقيض من ذلك تماما، وكم تكون الحسرة مضاعفة خصوصا عندما يدرك الإنسان ويتذكر في ذلك اليوم أن الله سبحانه وتعالى لم يكلف خلقه شططا ولم يطلب من عباده من أمرهم عسرا، فلم يكلفهم إلا الإيمان به سبحانه وعدم الإشراك به والعمل الصالح الذي فيه عزهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، ليضمن الإنسان بعد ذلك ذلكم النعيم المقيم في الدار الأبدية التي لا نهاية لها ولا فناء، ولا ريب أن الاستمساك بأوامره سبحانه وتعالى والعض عليها بالنواجذ جعل المسلمين سعداء شرفاء سادة للعالم يقودون ولا ينقادون، ومع تفريطهم في ذلك أصبحوا أذلاء بعد عزة ضعفاء بعد قوة وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.