أفكار وآراء

التقارب الصيني الياباني .. إلى أين؟

31 أكتوبر 2018
31 أكتوبر 2018

عبد العزيز محمود -

ما من شك في أن القمة التي عقدت قبل أيام في بكين بين الرئيس الصيني شي جين بينج ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، تمثل خطوة مهمة للتقارب بين البلدين، فالقمة التي تُعد الأولى من نوعها منذ سبع سنوات، استهدفت طي صفحات الماضي، بكل ما فيها من صراعات وشكوك، وفتح صفحة جديدة في العلاقات بين ثاني وثالث أكبر اقتصاديات العالم.

كما عكست - وهذا هو الأهم - توجها براجماتيا من الطرفين لتغليب المصالح المشتركة، فالرئيس الصيني يريد التقارب مع اليابان، لمواجهة العداء الأمريكي المتزايد لبلاده، والتخفيف من الآثار الناجمة عن أي حرب تجارية محتملة وهو نفس توجه رئيس وزراء اليابان الذي يرحب بالتقارب مع الصين، خوفا من أن تؤدي أي حرب تجارية إلى انكماش الأسواق، في وقت يتجه العالم لمرحلة من فقدان الاستقرار وعدم اليقين.

ورغم أن الزعيمين التقيا عدة مرات خلال السنوات الماضية على هامش منتديات دولية، لكنها المرة الأولى التي يزور فيها رئيس وزراء ياباني بكين منذ عام ٢٠١١، في الوقت الذي لم يزر أي رئيس صيني طوكيو منذ عام ٢٠١٠.

ومن الواضح أن السياسة الحمائية التجارية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب لعبت دورا رئيسيا في دفع البلدين إلى تنحية خلافاتهما جانبا، ولو بشكل مؤقت، والعمل على تعزيز التعاون المشترك، رغم الصراعات المسلحة التي خاضاها منذ قرون، والنزاع حول جزر غير مأهولة في بحر الصين الشرقي اشترتها طوكيو من مالكيها في عام 2012، وأيضا حول حقول غاز ونفط شرق بحر الصين، يزعم كل من البلدين ملكيتها.

ولا تخفي بكين قلقها من رغبة اليابان في تعديل دستورها السلمي، لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، حيث تطالب طوكيو بتبني سياسة عسكرية حذرة، بينما تنظر الأخيرة بشك بالغ تجاه أنشطة الصين العسكرية في بحر الصين الجنوبي، فضلا عن تباين وجهات النظر بشأن كوريا الشمالية وتايوان.

وفي ظل هذه الأجواء عقدت قمة بينج وآبي في بكين لبحث سبل تخفيف حدة التوتر ودعم المصالح المشتركة وذلك بالتزامن مع الاحتفال بالذكرى الأربعين لمعاهدة السلام والصداقة الصينية اليابانية، التي وقعت في عام ١٩٧٨.

وبدا واضحا أن القمة تركز وبالدرجة الأولى على سبل مواجهة التعريفات الجمركية الأمريكية التي لا تستهدف فقط صادرات البلدين، وإنما تهدد بحرب تجارية محتملة بين الولايات المتحدة والصين، التي يعتبرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخصم الرئيسي لبلاده في مجالات التجارة والتكنولوجيا والأسلحة، ويطالب بفحص كافة أنشطتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية.

وهذا بالتحديد ما دفع بكين للتقارب مع طوكيو، حليف واشنطن، حتى لا تواجه عدوين في وقت واحد، وأيضا من أجل تخفيف الآثار الناجمة عن أي حرب تجارية محتملة، وفتح أسواق بديلة لصادراتها، والاستفادة من الخبرة والتكنولوجيا اليابانية، فضلا عن الحصول على مساندة اليابان لانضمامها إلى اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، التي انسحبت منها واشنطن في عام ٢٠١٧.

ومن جانبها رحبت طوكيو بهذا التقارب، بسبب قلقها من السياسات التي تعتبرها «غير مستقرة» للرئيس ترامب، بدءا بالانسحاب من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادىء، والتقارب مع كوريا الشمالية، والتهديد بفرض رسوم جمركية على صادرات السيارات اليابانية للولايات المتحدة، وهو ما سيكون مجالا لمحادثات تجارية صعبة بين الجانبين في يناير المقبل.

وتأمل اليابان أن يسهم هذا التقارب في فتح الأسواق الصينية بالكامل أمام منتجاتها الاستهلاكية، التي تلقى رواجا بين الطبقة الوسطى الصينية، والتي يقدر تعدادها بنحو ٢٥٠ مليون مستهلك، يمثلون ضعف عدد سكان اليابان.

ولا شك أن القمة الصينية اليابانية حققت الكثير في هذا الاتجاه، بعد اتفاق البلدين على التعاون لإقامة ٣٠ مشروعا للبنية التحتية في آسيا، في إطار مبادرة (الحزام والطريق) التي تقودها الصين، بعد انضمام اليابان إلى بنك الاستثمار في البنية التحتية الآسيوي الذي تقوده الصين. كما وقعت الشركات الصينية واليابانية عقودا تجارية قيمتها ١٨ مليار دولار بينما اتفق البنكان المركزيان على تبادل عملات قيمتها ٣٠ مليار دولار لتسهيل التجارة بين البلدين.

لكن ورغم النتائج الإيجابية التي حققتها القمة على الصعيدين التجاري والمالي، إلا أنها لم تنجح في نزع فتيل الخلاف حول القضايا الجيوسياسية العالقة، وفي مقدمتها النزاع حول جزر بحر الصين الشرقي، والأنشطة الصينية في بحر الصين الجنوبي، والموقف تجاه كل من كوريا الشمالية وتايوان.

صحيح أن البلدين اتفقا على إقامة خط ساخن فيما بينهما لمعالجة أية احتكاكات حدودية بحرية ، لكن الخلاف حول القضايا العالقة قد يتطلب جولات أخرى من الحوار، وهو ما قد يحدث خلال الزيارة المرتقبة للرئيس الصيني شي جين بينج لليابان في عام ٢٠١٩.

وأيا كانت نتيجة هذا الحوار فالمؤكد أن التقارب الصيني الياباني يلقى ترحيبا من جانب روسيا، التي تعتبره خطوة في اتجاه فك الارتباط بين اليابان والولايات المتحدة، كما ترحب به كوريا الشمالية، التي تسعى للانفتاح على جيرانها لتخفيف الضغوط الأمريكية التي تواجهها، لكن واشنطن لا تبدو متحمسة لهذا التقارب، الذي تعتبره محاولة لتجاوز الإجراءات الحمائية التي تتخذها في مواجهة البلدين.

عموما وأيا كانت ردود الفعل الدولية فالمؤكد أن القمة الصينية اليابانية التي عقدت قبل أيام في طوكيو تشكل خطوة مهمة لتطوير الشراكة بين البلدين، وتهدئة الأوضاع الأمنية الملتهبة في جنوب شرق آسيا، ومعالجة الآثار الناجمة عن تعريفات ترامب الجمركية.