أفكار وآراء

انتخابات الكونجرس النصفية .. وحظوظ الحزبين

30 أكتوبر 2018
30 أكتوبر 2018

عوض بن سعيد باقوير - صحفي ومحلل سياسي -

تترقب الساحة السياسية الأمريكية علي وجه الخصوص وبقية العالم الانتخابات النصفية للكونجرس الأمريكي بغرفتيه مجلس النواب ومجلس الشيوخ الذي تسيطر عليه حاليا الأغلبية الجمهورية في ظل ترقب كبير من خلال عدد من المعطيات السياسية التي تشهدها الولايات المتحدة على صعيد الأوضاع الداخلية لإدارة الرئيس ترامب أو علي صعيد السياسة الخارجية.

الحزب الجمهوري يتطلع إلى بقاء السيطرة علي الكونجرس، لأن ذلـــك يعطي الرئيس ترامب فرصة كبيرة لتمرير سياساته ومشاريعه من خلال التوافق مع حزبه الجمهوري في حين أن الحزب الديموقراطي يريد أن يفوز في هذه الانتخابات لاستعادة التوازن الذي شهدته الولايات المتحدة خلال العقود الأخيرة من خلال وجود رئيس جمهوري وسيطرة الأغلبية الديموقراطية أو العكس.

عدد من استطلاعات الـــرأي ترى أن الإحجام عن المشاركة في الانتخابات النصفية سوف يكون كبيرا، وقد أظهرت نتائج إحدى الاستطلاعات التي أجرتها مؤسسة راسموسن ريبورت أن ثلثي الناخبين يرفضون الإدلاء بأصواتهم لممثلي الكونجرس الحاليين، وتشـــير نتائج هذا الاستطلاع أن 65 في المائــــة من الناخبين الذين سيشاركون في انتخابات السادس من نوفمبر النصفية سوف يصوتون لمرشحين آخرين في حين ترى استطلاعات أخرى للرأي أن هناك فرصة للديمقراطيين للسيطرة علي الكونجرس، والمعروف أن الجمهوريين يمتلكون 236 مقعدا حاليا في حين يمتلك الحزب الديموقراطي 193 مقعدا في مجلس النواب علاوة على سيطرة الحزب الجمهوري علي مجلس الشيوخ.

معركة الداخل

احتدام الجدل حول قضايا السياسة الداخلية سوف يكون العنصر الحيوي في حسم معركة الانتخابات النصفية بين الحزبين ولعل الإشارات الأولى تتحدث عن سياسات الإدارة الجمهورية فيما يخص الرئيس ترامب، ولعل من أبرز الموضوعات المثيرة للجدل التي يركز عليها الديمقراطيون هي مسألة التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية عام 2016 التي فاز فيها الجمهوريون من خلال الرئيس ترامب في حين خسرت مرشحة الحزب الديموقراطي هيلاري كلينتون التي كانت معظم استطلاعات الرأي في واشنطن تعطيها الأفضلية للفوز في تلك الانتخابات.

ولا يزال التحقيق في موضوع التدخل الروسي يشغل الساحة الأمريكية من خلال تواصل جهود المحقق الخاص مولر والتغطية الصحفية والإعلامية غير المسبوقة لموضوع التدخل الروسي، حيث رسمت بعض كبرى الصحف والتلفزة الأمريكية سيناريو يتشابه إلى حد كبير ما حدث مع فضيحة ووترجيت في بداية عقد السبعينات من القرن الماضي التي انتهت إلى استقالة الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون من خلال التحقيقات الصحفية التي قام بها الصحفي الأمريكي الشهير بوب وودورد وزميله في صحيفة الواشنطن بوست.

ويركز الحزب الديمقراطي على قضية التدخلات الروسية على اعتبار أنها القضية الأبرز على الصعيد المحلي باعتبار أن الاقتصاد الأمريكي سجل أرقاما جيدة من خلال ارتفاع معدل النمو وتقليل نسبة الباحثين عن عمل وجلب الاستثمار بمليارات الدولار وتزايد مبيعات السلاح لدول الشرق الأوسط، ومن هنا فإن الموضوع الأهم بالنسبة للديمقراطيين يبقي موضوع المشكلات الداخلية لترامب خاصة مسألة التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الأخيرة.

هناك قضايا أخرى تتحدث عن ضعف السياسة الخارجية تجاه روسيا ولكن يبقى هذا الموضوع ليس أولوية كبيرة للحزب الديمقراطي خاصة أن الإعلام الأمريكي يركز علي قضايا الداخل على اعتبار أن إدارة الرئيس ترامب نجحت في اختراق الملف الكوري الشمالي، وتسعى جاهدة إلى تسويق صفقة القرن لإيجاد حل نهائي للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وإن كانت تلك الصفقة تلقي رفضا فلسطينيا وعربيا من خلال قرار قمة الظهران العربية الأخيرة.

الجمهوريون والدعم الرئاسي

الحزب الجمهوري يعتمد على تحركات الرئيس ترامب الانتخابية الذي يجوب عددا كبيرا من الولايات، ويركز على كتلته الانتخابية من العمال والأقليات والطبقة المتوسطة وكبريات الشركات التي نالت المزيد من التخفيضات الضريبية خلال السنتين الأخيرتين من حكم ترامب، وهذا التحرك الرئاسي مهم للجمهوريين وللرئيس ترامب علي وجه الخصوص حيث إن فوز الحزب الديموقراطي وسيطرته علي مجلسي الكونجرس سوف يشكل صدمة كبيرة للرئيس ترامب من خلال موضوع تحقيقات مولر وانفراد الديمقراطيين بالقرار التشريعي بدرجة أكبر، وهو الذي قد يفضي إلى إغفاء الرئيس من منصبه إذا خلصت التحقيقات إلى ضلوعه في مسألة التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية عام 2016م، وهذه مسألة حاسمة فتحركات الرئيس ترامب الانتخابية لا تنطلق من مصلحة حزبية فقط، ولكن مصلحة شخصية حتي لا يواجه أغلبية ديموقراطية في نهاية المطاف. ومن هنا يأتي الدعم الرئاسي للحزب الجمهوري بشكل كبير ومتواصل على الساحة الأمريكية حتى الساعات الأخيرة للانتخابات النصفية.

الساحة الأمريكية قد تشهد تقلبات دراماتيكيه إذا فاز الحزب الديمقراطي، وهذا يعتمد إلى حد كبير عل مزاج الناخب الأمريكي الذي عادة لا يفضل سيطرة رئاسية وتشريعية للحزب الواحد والأمثلة عديدة في هذا الإطار من خلال إيجاد التوازن بين المؤسسة الرئاسية والمؤسسة التشريعية، وفي ظل الاستقطاب الحالي في واشنطن فإن الحظوظ تبقي موجودة للحزبين كما أن الصحافة والإعلام الأمريكيين يلعبان دورا مؤثرا في تغيير اتجاهات الناخبين من خلال طرق عدد من القضايا والرئيس ترامب ليس على وفاق مع الصحف الكبري كواشنطن بوست ونيويورك تايمز علاوة علي القنوات الإخبارية مثل سي إن إن في حين أن قناته المفضلة هي قناة فوكس نيوز.

وعلى ضوء ما تبقى من أيام قليله علي انطلاق الانتخابات النصفية فإن تصاعد اللهجة والاتهامات المتبادلة بين الحزبين تبدو منطقية من خلال السباق الانتخابي، وهذا يعطي إثارة كبيرة للانتخابات الأمريكية على مستوى الرئاسة كل أربع سنوات أو على مستوى الكونجرس، ولعل الإعلام الأمريكي هو المحرك الأساس للإثارة السياسية، وهي جزء أصيل من الحياه السياسية الأمريكية ذات التشعبات المختلفة ودور المال السياسي في العملية بشكل كبير.

العالم والانتخابات

لا يقتصر الاهتمام علي الانتخابات النصفية للكونجرس من الداخل الأمريكي بل يتعداه إلى اهتمام أوروبي وحول العالم، حيث إن فوز الحزب الديمقراطي سوف يجعل الرئيس الجمهوري مقيدا إلى حد كبير خاصة في سياسته الداخلية وإلى حد ما في سياسته الخارجية بمعني أن السيطرة الديموقراطية إن حدثت لن تجعل الرئيس ترامب حرا طليقا في ممارسة استراتيجيته التي يطبقها الآن من خلال اعتماده على الأغلبية الجمهورية في مجلسي الشيوخ والنواب، ومن هنا يأتي الاهتمام الدولي بتلك الانتخابات النصفية التي قد تغير المعادلة في واشنطن.

هناك قضايا اتخذ فيها الرئيس ترامب مواقف حادة كالانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ علاوة على انسحابه الأحادي من الاتفاق النووي الإيراني، وهو ما جعل القوي الدولية في حرج كبير من خلال الاستعداد لفرض عقوبات قاسية علي إيران في حين أن دول الاتحاد الأوروبي تعارض تلك العقوبات، وتبحث عن آليات لتفادي تلك العقوبات، وهو أمر سوف يصطدم بقرارات ترامب وتهديده للشركات الأوروبية التي تنتهك قرار العقوبات.

علي مستوى الشرق الأوسط فقد أحدث صدمة تحدث لأول مرة منذ نكبة فلسطين عام 1948 عندما أعلن عن نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى مدينة القدس المحتلة واعتبار هذه الأخيرة العاصمة الأبدية للكيان الإسرائيلي، وهذا القرار يؤثر على فرص السلام في المنطقة، ومن هنا فإن نتائج الانتخابات النصفية إما ستكرس تلك السياسة لإدارة ترامب لما تبقى من ولايته الرئاسية حتى عام 2020 إذا ما سيطر الجمهوريون علي السلطة التشريعية أو أنها ستحدث تغيرات وتقيد سياسة ترامب فيما يخص السياسة الداخلية وإلى حد ما على بعض قضايا السياسة الخارجية التي عادة لا يتدخل فيها الكونجرس إلا في حالات محددة.

إذا الجميع ينتظر الانتخابات النصفية للمؤسسة التشريعية الأمريكية سواء علي صعيد الحزبين والداخل الأمريكي أو علي صعيد العالم باعتبار أن الولايات المتحدة لها تأثير كبير على مجمل الأحداث في العالم وإن كان دورها تقلص بشكل نسبي مع ظهور قوى متنامية في الساحة الدولية تتقاطع مصالحها مع واشنطن كروسيا الاتحادية والصين وإلى حد ما دول الاتحاد الأوروبي.